01 نوفمبر 2024
احتمالات الانقلاب وإغراءات السلطة في تونس
لا أحد في تونس يعلم مدى حقيقة (وجدية) خبر الانقلاب العسكري، أو الأمني، الذي كان يعد له وزير الداخلية التونسي، لطفي براهم، قبل أن يقيله رئيس الحكومة يوسف الشاهد يوم 6 يونيو/ حزيران الجاري، فقد جاءت التصريحات والمواقف ملتبسةً وغامضة ومبهمة، وانحازت التأويلات الظاهرة بشأن الإقالة إلى أن الأمر تمّ على خلفية غرق مركب يقل مهاجرين غير شرعيين في سواحل جزيرة قرقنة، أدى إلى وفاة قرابة مائة شاب تونسي، وبسبب عدم قدرة الجهاز الأمني على مسك وزير الداخلية الأسبق، ناجم الغرسلي، المطلوب لدى المحكمة العسكرية في تونس في قضايا على علاقة بالجماعات المتطرّفة والتنظيمات الإرهابية الليبية. المؤكد أن تصريحات وزيري العدل، والداخلية بالنيابة غازي الجريبي، نفت أي محاولة انقلابية كانت تعد في الخفاء، فالأمر لا يزيد عن معلومات صحافية، لا تتطلب حتى فتح تحقيق بشأنها، على حد تعبيره. وأُردف هذا الموقف برأي مشابه، عبّر عنه وزير الدفاع، عبد الكريم الزبيدي، أن لا وجود لانقلاب كانت تعدّ له مجموعة عسكرية أو أمنيه. وتأكد الاتجاه نفسه في رد الوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب والناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية على أسئلة أعضاء لجنة الأمن والدفاع في البرلمان التونسي يوم 25 يونيو/ حزيران.
استند مؤيدو فكرة حدوث محاولة الانقلاب إلى تراكمات سياسية وأمنية صاحبت تجربة الوزير المحدودة التي لم تتخط السنة من عمرها، من ذلك تكوينه العسكري، وتوليه مهام أمنية طوال مساره المهني، من أبرزها مهمة آمر الحرس الوطني، المهمة الحساسة والدقيقة، وزيارته
السعودية بطلب منه، حسب وثيقةٍ مسرّبة من وزارة الخارجية التونسية، وأخذت طابع زيارة الدولة، في استقبال ملك السعودية وولي العهد له، وتمكينه من طائرة خاصة عند العودة، وما أشيع عن الزيارة من لقاءات سرية وتقديم هدايا، حقيقية أو وهمية. ثم زيارته الجزائر والتي قابل فيها قيادات عليا في الدولة الجزائرية، وهي زيارات ولقاءات لا تخلو من رسائل سياسية صريحة أو مشفرّة، وقد كان ذلك بالتوازي مع تسميات قيادات كثيرة قريبة منه على رأس المؤسسة الأمنية، بشقيها: الأمن والحرس الوطنيين.
الفكرة الانقلابية بمواصفات الرئيس الأسبق بن علي في علاقته بسلفه بورقيبة سنة 1987، والتي كان يعدّ لها الوزير المقال، حسب المخيال السياسي للسيناريو الذي سيُعتمد في الانقلاب، أكدها الصحافي الفرنسي نيكولا بو الذي جزم في ما نشره أن الإمارات هي من يقف تمويلا وتخطيطا، بما في ذلك ترتيب لقاء بين الوزير المُقال ورئيس جهاز الاستخبارات الإماراتي، وراء الحركة الانقلابية المحتملة التي ستنتهي إلى إزاحة رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، والحلول مكانه.
وقد تحول الانقلاب المحتمل لوزير الداخلية السابق بسرعة إلى قضية رأي عام، وأقيمت بشأنه المنابر الحوارية الإذاعية والتلفزيونية، وغصّت به الصحف الورقية والإلكترونية والمنصات الافتراضية والصفحات الفيسبوكية، وانقسمت النخب ما بين مصدق وناكر للخبر، وجعلت منه لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان التونسي موضوع مساءلة للوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس النواب ووزير الداخلية بالنيابة. وقد اختار جمهور المصدقين الاستنجاد بالتاريخ السياسي التونسي المعاصر الذي شهد ثلاث محاولات انقلابية. الأولى سنة 1962 ضد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، على خلفية اغتياله الزعيم صالح بن يوسف، ودعوته إلى الإفطار في شهر رمضان، وقد فشلت المحاولة، وأدت إلى إعدام قادتها/ والسجن المؤبد للمنخرطين فيها عسكريين كانوا ومدنيين. وجاءت الثانية في شكل انقلاب طبي، وفق مصطلح المؤرخ مصطفى كريم، قاده زين العابدين بن علي الوزير الأول ووزير الداخلية ضد رئيسه ورئيس الدولة الحبيب بورقيبة سنة 1987، ونجحت بدعم من المؤسسة الأمنية، وخصوصا الحرس الوطني الذي كان يقوده الضابط العسكري ورفيق درب بن علي، الحبيب عمار. المحاولة الثالثة نسبت إلى مجموعة براكة الساحل العسكرية، الإسلامية، في إطار صراع بن علي مع الإسلاميين سنة 1991، وانتهت إلى الفشل، وأدت إلى فتح المعتقلات والسجون أمام المشاركين فيها. ويشكّ مؤرخون وسياسيون في جديتها، ويعتبرونها إحدى وسائل بن علي للتخلص من خصومه الإسلاميين. وقد استتبعت هذه المحاولات، الناجحة منها والفاشلة، تغيرات سياسية عميقة في مستوى جهاز الحكم وقواه، وتبعات أمنية، ومحاكمات وسجون ومعتقلات، وإعدامات للضالعين في تلك الأعمال الانقلابية.
وعلى الرغم من الجدل العميق، وتسويق الفكرة الانقلابية أو معارضتها ونفيها، لم يتعرّف الرأي العام والنخب السياسية والقوى الدولية، دولا ومنظمات دولية مؤثرة في الشأن الوطني الداخلي ومتابعة له، على أسماء الانقلابيين وأدوارهم ووظائفهم، وأجندتهم الانقلابية وتوزيعها في الزمن، وخريطتها الجغرافية، والخطة المعتمدة في الانقلاب، والمجموعات المشاركة وقياداتها، والثكنات العسكرية أو الأمنية التي ستعلن التمرد والبيان رقم واحد الذي سيتضمن التبرير والتسويق والشرعنة السياسية للانقلاب، ودواعيه، والخطة السياسية لنقل السلطة، وإمكانية تنظيم انتخابات صورية بعد ذلك، على أرضية الحكم العسكري، أو الأمني، الانتقالي، كما كان يحدث في جل الانقلابات العسكرية. وعلى عكس الانقلابات الناجحة أو الفاشلة، لم تُسل قطرة دم واحدة، ولم تفتح النيابة العمومية العسكرية والمدنية تحقيقا في حق الانقلابيين، ولم يتم إيقاف أو اعتقال أو سجن أو محاكمة أي أحد من الانقلابيين المحتملين، عسكريين وأمنيين أو مدنيين، أمام القضاء، أو تصدر ضده أحكام مهما كان جنسها. وقد اختار رئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس الدولة الباجي قائد السبسي الصمت المطبق تجاه محاولة الانقلاب التي شغلت الناس، والتي كانت تهدد البلاد، وستنتهي، إن نجحت، إلى وضع حد لسلطتيهما التي أمّنها لهما الدستور التونسي والنظام الديمقراطي المنبثق عنه. واكتفى البرلمان، مرجع السلطة ومصدرها، ببعض جلسات المساءلة التي نظمتها لجنة الأمن والدفاع، من دون أن يكلف نفسه حتى عقد جلسة عامة لإنارة الرأي العام بشأن قضية خطيرة، تهدد الدولة ومستقبل نظام حكم.
استخدمت فكرة الانقلاب في التعبئة والتعبئة المضادة بين فرقاء السياسة في تونس، ولوبياتها النافذة السياسية والحزبية والمالية والأمنية والإعلامية التي تستفيد من أزمة الحكم الحادة،
الناتجة من الصراع بين مركزي السلطة التنفيذية في كل من القصبة وقرطاج، على خلفية وراثة الرئيس وخلافته، فيما يشبه السنوات الأخيرة من حكم الحبيب بورقيبة، فشيخوخة الرئيس وانفراط عقد الحزب الحاكم، نداء تونس، وتشظي كتلته النيابية، وتراجعه عن المرتبة الأولى في الانتخابات المحلية، والاختلافات التي بدأت تطفو على السطح مع حليفه حزب حركة النهضة، والصراع الحاد بين رئيس الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل الذي يسعى إلى إقالته مهما كان الثمن، وتدخل صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي في دقائق الأمور السياسية، وقضايا الحكم في تونس، وتردي المؤشرات الاقتصادية والمالية، مثل ارتفاع نسبة التضخم إلى ما يقارب 8%، وتراجع الدينار أمام اليورو والدولار بصفة غير مسبوقة، وانهيار مخزون البلاد من العملة الصعبة الذي انحدر إلى 72 يوم توريد، أي دون المستوى المقبول دوليا المقدر ب 90 يوما، وتنامي حجم المديونية إلى ما يناهز 75% من الناتج الوطني الخام، والارتفاع المشطّ للأسعار، سيما المحروقات، كل هذه العوامل والمؤشرات وغيرها التي تشكّل عناوين أزمة سياسية حادة تغري لوبيات السياسة، وأصحاب المصالح الكبرى الداخلية والخارجية، للدخول في مغامرة ما قد تكون انقلابا بالوسائل الأمنية والعسكرية، ولم لا بالطرق السياسية، وهو الأرجح، من أجل الاستيلاء على الحكم ورتق الحاضر بما قبل سنة 2011 كما يحلو لبعضهم ويتمنّى.
استند مؤيدو فكرة حدوث محاولة الانقلاب إلى تراكمات سياسية وأمنية صاحبت تجربة الوزير المحدودة التي لم تتخط السنة من عمرها، من ذلك تكوينه العسكري، وتوليه مهام أمنية طوال مساره المهني، من أبرزها مهمة آمر الحرس الوطني، المهمة الحساسة والدقيقة، وزيارته
الفكرة الانقلابية بمواصفات الرئيس الأسبق بن علي في علاقته بسلفه بورقيبة سنة 1987، والتي كان يعدّ لها الوزير المقال، حسب المخيال السياسي للسيناريو الذي سيُعتمد في الانقلاب، أكدها الصحافي الفرنسي نيكولا بو الذي جزم في ما نشره أن الإمارات هي من يقف تمويلا وتخطيطا، بما في ذلك ترتيب لقاء بين الوزير المُقال ورئيس جهاز الاستخبارات الإماراتي، وراء الحركة الانقلابية المحتملة التي ستنتهي إلى إزاحة رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، والحلول مكانه.
وقد تحول الانقلاب المحتمل لوزير الداخلية السابق بسرعة إلى قضية رأي عام، وأقيمت بشأنه المنابر الحوارية الإذاعية والتلفزيونية، وغصّت به الصحف الورقية والإلكترونية والمنصات الافتراضية والصفحات الفيسبوكية، وانقسمت النخب ما بين مصدق وناكر للخبر، وجعلت منه لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان التونسي موضوع مساءلة للوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس النواب ووزير الداخلية بالنيابة. وقد اختار جمهور المصدقين الاستنجاد بالتاريخ السياسي التونسي المعاصر الذي شهد ثلاث محاولات انقلابية. الأولى سنة 1962 ضد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، على خلفية اغتياله الزعيم صالح بن يوسف، ودعوته إلى الإفطار في شهر رمضان، وقد فشلت المحاولة، وأدت إلى إعدام قادتها/ والسجن المؤبد للمنخرطين فيها عسكريين كانوا ومدنيين. وجاءت الثانية في شكل انقلاب طبي، وفق مصطلح المؤرخ مصطفى كريم، قاده زين العابدين بن علي الوزير الأول ووزير الداخلية ضد رئيسه ورئيس الدولة الحبيب بورقيبة سنة 1987، ونجحت بدعم من المؤسسة الأمنية، وخصوصا الحرس الوطني الذي كان يقوده الضابط العسكري ورفيق درب بن علي، الحبيب عمار. المحاولة الثالثة نسبت إلى مجموعة براكة الساحل العسكرية، الإسلامية، في إطار صراع بن علي مع الإسلاميين سنة 1991، وانتهت إلى الفشل، وأدت إلى فتح المعتقلات والسجون أمام المشاركين فيها. ويشكّ مؤرخون وسياسيون في جديتها، ويعتبرونها إحدى وسائل بن علي للتخلص من خصومه الإسلاميين. وقد استتبعت هذه المحاولات، الناجحة منها والفاشلة، تغيرات سياسية عميقة في مستوى جهاز الحكم وقواه، وتبعات أمنية، ومحاكمات وسجون ومعتقلات، وإعدامات للضالعين في تلك الأعمال الانقلابية.
وعلى الرغم من الجدل العميق، وتسويق الفكرة الانقلابية أو معارضتها ونفيها، لم يتعرّف الرأي العام والنخب السياسية والقوى الدولية، دولا ومنظمات دولية مؤثرة في الشأن الوطني الداخلي ومتابعة له، على أسماء الانقلابيين وأدوارهم ووظائفهم، وأجندتهم الانقلابية وتوزيعها في الزمن، وخريطتها الجغرافية، والخطة المعتمدة في الانقلاب، والمجموعات المشاركة وقياداتها، والثكنات العسكرية أو الأمنية التي ستعلن التمرد والبيان رقم واحد الذي سيتضمن التبرير والتسويق والشرعنة السياسية للانقلاب، ودواعيه، والخطة السياسية لنقل السلطة، وإمكانية تنظيم انتخابات صورية بعد ذلك، على أرضية الحكم العسكري، أو الأمني، الانتقالي، كما كان يحدث في جل الانقلابات العسكرية. وعلى عكس الانقلابات الناجحة أو الفاشلة، لم تُسل قطرة دم واحدة، ولم تفتح النيابة العمومية العسكرية والمدنية تحقيقا في حق الانقلابيين، ولم يتم إيقاف أو اعتقال أو سجن أو محاكمة أي أحد من الانقلابيين المحتملين، عسكريين وأمنيين أو مدنيين، أمام القضاء، أو تصدر ضده أحكام مهما كان جنسها. وقد اختار رئيس الحكومة يوسف الشاهد ورئيس الدولة الباجي قائد السبسي الصمت المطبق تجاه محاولة الانقلاب التي شغلت الناس، والتي كانت تهدد البلاد، وستنتهي، إن نجحت، إلى وضع حد لسلطتيهما التي أمّنها لهما الدستور التونسي والنظام الديمقراطي المنبثق عنه. واكتفى البرلمان، مرجع السلطة ومصدرها، ببعض جلسات المساءلة التي نظمتها لجنة الأمن والدفاع، من دون أن يكلف نفسه حتى عقد جلسة عامة لإنارة الرأي العام بشأن قضية خطيرة، تهدد الدولة ومستقبل نظام حكم.
استخدمت فكرة الانقلاب في التعبئة والتعبئة المضادة بين فرقاء السياسة في تونس، ولوبياتها النافذة السياسية والحزبية والمالية والأمنية والإعلامية التي تستفيد من أزمة الحكم الحادة،