08 نوفمبر 2024
سورية.. خفض الصراع وتصعيد التقسيم
بات مؤكدا أن دخول تحولات "سوتشي" إلى الأحداث السورية، مدينة ومكانا للتفاوض واللقاءات، يدل على أن لروسيا الكلمة الفصل في الميدان، ومنذ استُخدم تعبير "الدول الضامنة" والحراك السياسي السوري يخرج أكثر من يد السوريين.
بمراجعة التداعيات ما بعد مؤتمر تلك المدينة الروسية بين المعارضة والنظام، يلاحظ أن جبهات قتالية كثيرة هدأت، وأن الصراع أخذ شكل التصعيد العسكري على المناطق المعارضة تباعاً، لتفريغها بشكل تام. وفي الوقت عينه، تابعت تركيا شمالاً مسيرة التوغل، كما في عمليتها العسكرية "غصن الزيتون" في عفرين التي أصبحت، إلى جانب مناطق "درع الفرات"، تحت الوصاية التركية، والآن باتت تشكك بانسحاب "القوات الكردية" السورية أصلاً من مبنج المقتسمة "احتلالياً" مع الولايات المتحدة!
في حينها، عملت روسيا على تصعيد هجماتها في الغوطة وريف دمشق وريف حمص والقلمون وجنوب دمشق، لتكون بذلك أتمّت صفقة الدول الضامنة بالقسمة الجغرافية للمناطق السياسية المؤثرة على كيان النظام، وما يحدث في الجنوب السوري اليوم، من تساقط لبلدات درعا، تباعاً، بيد النظام وحلفائه، ما هو إلا تتمة لاتفاقيات مؤتمر أستانة التي مسخت المفاوضات إلى مساومات إقليمية، أسكتت تركيا ببعض مناطق الشمال السوري، ووعدت الولايات المتحدة بأمانٍ دائم لإسرائيل. بالتالي، كلما ظهرت عبارة "الحل السياسي" هو المخرج الوحيد للأزمة تبيّن العكس تماما لذلك الحل، خصوصاً حين يصدر هذا التصريح من موسكو، وترجمته على الأرض أن "الحل العسكري" هو المستمر لتقليص أوراق المعارضة وفصائلها.
ويلخص التراجع الأميركي لدعم فصائل المعارضة المسلحة جنوب سورية طبيعة التفاهم الذي
دفع إلى لقاء الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، أخيرا في هلسنكي. والمبادرة بين موسكو وواشنطن ترسم خريطة التعديلات الأمنية واقتسام مصائر الموت اليومي في سورية، خصوصاً المناطق المعارضة، يتم تعديلها بصفقات روسية، وهنا سوف يقف المتابع مستغرباً تحولات المواقف بين الولايات المتحدة وروسيا منذ تحرّكات هذه الأخيرة المطمئنة! إذ وقبل أسابيع قليلة صرّح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، موجهاً كلامه إلى حلفاء الأسد في سورية "يا روسيا استعدي الصواريخ قادمة، وهي جميلة وجديدة وذكية"، في إشارة منه إلى رغبة بلاده، إلى جانب بريطانيا وفرنسا، بتنفيذ "ضرباتٍ محدودة" ضد النظام، حينها دفعت القوات الروسية بوارجها الحربية بعيداً عن السواحل السورية دليلا على عدم رغبتها بالمواجهة المباشرة ضد تلك الصواريخ، بل أكثر من ذلك، راحت تتضرّع لأميركا قائلة: نحن نطلب توجيه تلك الصواريخ إلى "الإرهاب الذي تقاتله الحكومة الشرعية منذ سنوات على أرضها"، حسب تعبير المتحدثة باسم الخارجية الروسية التي وصفت صورة العلاقة بين موسكو وواشنطن في حينها على أنها "أسوأ مما كانت عليه في أي وقت مضى، وحتى خلال الحرب الباردة!". ونفذت الولايات المتحدة مع شركائها ضربتها العسكرية في منتصف إبريل/ نيسان الفائت على مواقع سورية، مدّعية أنها تعاقب نظام الأسد، بسبب استخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين في دوما في ريف دمشق، ومضت الضربة، وأعلن النظام في دمشق عن "انتصارٍ" من نوع ما، تلخص بمسيرات لأعلام حلفاء الأسد تتجول في ساحات دمشق، كأن تلك المسرحية متفق عليها، سرعان ما تصعّدت الحملة العسكرية على باقي الغوطة غرباً لتسقط بيد النظام، واختتم مشهد الموقف الدولي المزعوم بشأن الإنسانية المنتهكة بحق المدنيين والمناطق المعارضة. ولكن ربما هذه هي بقية السيناريو الذي اتفقت عليه إدارة ترامب مع أذرع روسية على جبهة الجنوب السوري، إذ باشر الروس بإظهار النيات التوافقية لحكومة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة والأسد في آن، والسؤال هنا كيف كان ذلك؟
استدعى بوتين، قبل أسابيع، رئيس النظام بشار الأسد، من دمشق إلى سوتشي، ليخبره عن الفصل الثاني من مسرحية المهادنة، من أجل بقاء النظام في الحكم، وكلمة السر: إسرائيل لا تريد أي قوات إيرانية في سورية. الأمر الذي أخفاه إعلام النظام، لكنه ظهر مرتاحاً بإطلاق دعاية لعدة تحركات سريعة على مستوى الداخل السوري، مثل تسريح الدفعة 102 الأقدم في جيش النظام، وإزالة حواجز عسكرية في البلاد، وخفض سعر الدولار في مقابل الليرة السورية لبعض الأيام واستمرارية وصول التيار الكهرباء إلى مناطق كان يصل إليها ست ساعات يومياً فقط.. إلخ، هكذا يصنع النظام الشعور بالتغيير على مستوى التحكم بالتضييق الأمني على حياة الموالين له، خصوصاً بعد نهاية صفقة إخراج تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من مخيم اليرموك جنوب دمشق بسلام إلى البادية السورية، بوساطة امرأة من جهاز إعلام النظام، وقد تعاد تلك الصفقة قريباً في تسيل، في ريف درعا، حيث سيرحل "داعش" بسلام إلى البادية السورية، أو إلى ريف دير الزور.
إذاً بات مفتاح الارتياح في جيوب وحوش العاصمة السورية، ليتم إعلان تسليم جثث آلاف
المعتقلين المعارضين من سجون الأمن السوري، وتأييد وفاتهم ضد مجهول بكل "ثقة" لن يحاسبهم أحد، فما تريده الولايات المتحدة وإسرائيل تم بدقة، ماذا يهم ما سيحلّ بالسوريين وثورتهم، سواءً قتلوا تحت التعذيب أو بالأسلحة والطيران والقصف والسلاح الكيميائي إلا قليلاً؟
وبخطوات سريعة، لاحظنا الرفض المتكرّر للروس، من أجل التفاوض مع فصائل المعارضة جنوب سورية، ليكون كما تريد، سقوط تام، ثم تم التهجير وتسليم السلاح الثقيل للمعارضة، وسقط معظم الجنوب بيد الأسد، بما فيه النقاط الحدودية مع الأردن، وتحولت فصائل الجبهة الجنوبية من دون سند دولي على الملأ، تدريجياً، إلى يد الروس، بتفويض إسرائيلي وضمانات من نظام دمشق.
يرجّح أن لقاء ترامب وبوتين ناقش بجدية خطةً للتخلص من الإيرانيين في سورية، أو على الأقل تحجيم دورهم من استثمارات النفط السوري، مروراً بتجنيس المليشيات الشيعية المقاتلة إلى جانب النظام، واحتلال المناطق التاريخية التي تحمل تراث سورية وهويتها، لتشوّه حقائقها تبعاً لمشروع إيران، وصولاً إلى السماح لهم بإقامة بعض الشعائر المزعومة لحماية "مقاماتهم" في دمشق. بينما ما زالت المعارضة السياسية تدرس اقتراح المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا بشأن اللجنة الدستورية، وهي لا تستطيع أن تحرّك ساكناً في فصيل مسلح معارض، حين يسير على اقتراحات مجالس الشورى والمرجعيات الدينية (على كثرتها)، تلك التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم.
بمراجعة التداعيات ما بعد مؤتمر تلك المدينة الروسية بين المعارضة والنظام، يلاحظ أن جبهات قتالية كثيرة هدأت، وأن الصراع أخذ شكل التصعيد العسكري على المناطق المعارضة تباعاً، لتفريغها بشكل تام. وفي الوقت عينه، تابعت تركيا شمالاً مسيرة التوغل، كما في عمليتها العسكرية "غصن الزيتون" في عفرين التي أصبحت، إلى جانب مناطق "درع الفرات"، تحت الوصاية التركية، والآن باتت تشكك بانسحاب "القوات الكردية" السورية أصلاً من مبنج المقتسمة "احتلالياً" مع الولايات المتحدة!
في حينها، عملت روسيا على تصعيد هجماتها في الغوطة وريف دمشق وريف حمص والقلمون وجنوب دمشق، لتكون بذلك أتمّت صفقة الدول الضامنة بالقسمة الجغرافية للمناطق السياسية المؤثرة على كيان النظام، وما يحدث في الجنوب السوري اليوم، من تساقط لبلدات درعا، تباعاً، بيد النظام وحلفائه، ما هو إلا تتمة لاتفاقيات مؤتمر أستانة التي مسخت المفاوضات إلى مساومات إقليمية، أسكتت تركيا ببعض مناطق الشمال السوري، ووعدت الولايات المتحدة بأمانٍ دائم لإسرائيل. بالتالي، كلما ظهرت عبارة "الحل السياسي" هو المخرج الوحيد للأزمة تبيّن العكس تماما لذلك الحل، خصوصاً حين يصدر هذا التصريح من موسكو، وترجمته على الأرض أن "الحل العسكري" هو المستمر لتقليص أوراق المعارضة وفصائلها.
ويلخص التراجع الأميركي لدعم فصائل المعارضة المسلحة جنوب سورية طبيعة التفاهم الذي
استدعى بوتين، قبل أسابيع، رئيس النظام بشار الأسد، من دمشق إلى سوتشي، ليخبره عن الفصل الثاني من مسرحية المهادنة، من أجل بقاء النظام في الحكم، وكلمة السر: إسرائيل لا تريد أي قوات إيرانية في سورية. الأمر الذي أخفاه إعلام النظام، لكنه ظهر مرتاحاً بإطلاق دعاية لعدة تحركات سريعة على مستوى الداخل السوري، مثل تسريح الدفعة 102 الأقدم في جيش النظام، وإزالة حواجز عسكرية في البلاد، وخفض سعر الدولار في مقابل الليرة السورية لبعض الأيام واستمرارية وصول التيار الكهرباء إلى مناطق كان يصل إليها ست ساعات يومياً فقط.. إلخ، هكذا يصنع النظام الشعور بالتغيير على مستوى التحكم بالتضييق الأمني على حياة الموالين له، خصوصاً بعد نهاية صفقة إخراج تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من مخيم اليرموك جنوب دمشق بسلام إلى البادية السورية، بوساطة امرأة من جهاز إعلام النظام، وقد تعاد تلك الصفقة قريباً في تسيل، في ريف درعا، حيث سيرحل "داعش" بسلام إلى البادية السورية، أو إلى ريف دير الزور.
إذاً بات مفتاح الارتياح في جيوب وحوش العاصمة السورية، ليتم إعلان تسليم جثث آلاف
وبخطوات سريعة، لاحظنا الرفض المتكرّر للروس، من أجل التفاوض مع فصائل المعارضة جنوب سورية، ليكون كما تريد، سقوط تام، ثم تم التهجير وتسليم السلاح الثقيل للمعارضة، وسقط معظم الجنوب بيد الأسد، بما فيه النقاط الحدودية مع الأردن، وتحولت فصائل الجبهة الجنوبية من دون سند دولي على الملأ، تدريجياً، إلى يد الروس، بتفويض إسرائيلي وضمانات من نظام دمشق.
يرجّح أن لقاء ترامب وبوتين ناقش بجدية خطةً للتخلص من الإيرانيين في سورية، أو على الأقل تحجيم دورهم من استثمارات النفط السوري، مروراً بتجنيس المليشيات الشيعية المقاتلة إلى جانب النظام، واحتلال المناطق التاريخية التي تحمل تراث سورية وهويتها، لتشوّه حقائقها تبعاً لمشروع إيران، وصولاً إلى السماح لهم بإقامة بعض الشعائر المزعومة لحماية "مقاماتهم" في دمشق. بينما ما زالت المعارضة السياسية تدرس اقتراح المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا بشأن اللجنة الدستورية، وهي لا تستطيع أن تحرّك ساكناً في فصيل مسلح معارض، حين يسير على اقتراحات مجالس الشورى والمرجعيات الدينية (على كثرتها)، تلك التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم.