06 نوفمبر 2024
تفاهمات شرق الفرات
انتهت مساء أمس الثلاثاء مهلة الأيام الخمسة التي تضمنها الاتفاق الأميركي - التركي الذي جرى التوصل إليه في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، في أنقرة، وتضمّن وقفا مؤقتًا لإطلاق النار، يتحول إلى دائم في حال نفذت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، انسحابها من المنطقة الواقعة بين رأس العين وتل أبيض (بطول 120 كلم وعمق 32 حتى الطريق الدولي القامشلي - حلب). وبهذا تكون المرحلة الأولى من العملية التركية، والأسهل ربما، قد انتهت. ولأن تركيا تطمح إلى إنشاء "منطقة آمنة" على امتداد الحدود السورية شرق الفرت، بطول 440 كلم، فسوف ينصرف اهتمامها خلال المرحلة المقبلة إلى بقية المناطق الممتدة من رأس العين إلى المالكية شرقا، ومن تل أبيض إلى جرابلس غربا.
تمّت المرحلة الأولى باتفاق وتفاهم مع الأميركيين، وساعد في إنجازها وجود رئيس أميركي غارق في معاركه الداخلية، ولا يولي اهتماما بقضايا السياسة الخارجية إلا في إطار تطويعها لمواجهة خصومه في الداخل. سوف تكون المراحل التالية أعقد، لأنها تتطلب من تركيا عقد تفاهماتٍ مع روسيا التي دخلت بقوة على الخط، منذ قرّرت "قسد" عقد اتفاق معها، سمح بعودةٍ، وإنْ رمزية، للنظام إلى مناطق تسعى تركيا إلى ضمها للمنطقة الآمنة، مثل عين العرب ومنبج. لهذا السبب، زار الرئيس أردوغان سوتشي أمس الثلاثاء تزامنا مع انتهاء مهلة الأيام الخمسة لوقف إطلاق النار.
سوف يطمح الرئيس التركي إلى تكرار تجربتي درع الفرات وعفرين، اللتين جرتا بتفاهم كامل مع روسيا، في مناطق شرق الفرات، ولكن الرئيس الروسي، بوتين، الذي لديه وضع داخلي مختلف تماما عن الرئيس ترامب، سوف يحاول فرض شروطه على الأرجح، وفي مقدمتها إحياء اتفاق أضنة الذي جرى توقيعه عام 1998 بين دمشق وأنقرة، مع بعض التعديلات، واستئناف التنسيق الأمني بين الطرفين.
لقد وافق الرئيس بوتين على المرحلة الأولى من العملية التركية شرق الفرات، بمعنى أنه لم يحاول إفشالها بفتح جبهة في إدلب، لأنه كان بحاجةٍ لمساعدة تركيا في إخراج الولايات المتحدة من سورية. وقد كان هذا وما زال همه الرئيس، منذ تدخله في سورية عام 2015، فهذه وحدها (أي الولايات المتحدة) التي لا يستطيع بوتين اختبارها، وقد حاول عام 2017 عبور خط الفرات، وجاءه الرد قاسيا.
أكثر من عام، عارضت روسيا أي عمليةٍ عسكريةٍ تركيةٍ في مناطق شرق الفرات، وقد لوحظ أن القصف الروسي على إدلب كان يشتد كلما اقتربت تركيا من التوصل إلى اتفاق مع واشنطن لإنشاء منطقةٍ آمنةٍ شرق الفرات. ولكن الوضع تغير كليا في القمة الخامسة لشركاء أستانة في أنقرة في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث تم الإعلان عن إنشاء اللجنة الدستورية المنوط بها تعديل الدستور أو إعادة كتابته، باعتباره مدخلا للحل في سورية. وكان لافتا أيضا خلال القمة، اتفاق الرئيسين، الروسي بوتين، والإيراني روحاني، مع نظيرهما التركي، أردوغان، على ضرورة استهداف التنظيمات "الإرهابية"، كما قالا، "في إدلب ومناطق أخرى من سورية"، في إشارةٍ كان واضحا أن المقصود بها "قسد"، ما عدّه أردوغان نصرا له، إذ حصل على دعم شريكيه، لاستهداف الوحدات الكردية، حليفة واشنطن، والتي تم استخدامها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
يفهم الأتراك أن روسيا وإيران تتفقان معها، في هذه المرحلة، في سعيهما إلى إخراج الأميركيين، والأوروبيين، خصوصا الفرنسيين الذين يحتفظون بنحو أربعمائة عنصر من قواتهم الخاصة في شمال شرق سورية، وكذلك السعودية والإمارات اللتين تحتفظان بعلاقات قوية مع "قسد"، وفي ضرب طموحات الكرد الانفصالية، في المنطقة، وإثبات عدم جدوى التحالف مع واشنطن، وهم يحتاجون إلى مساعدة تركيا في تحقيق ذلك كله. خروج الأميركيين سوف يفتح الباب على ديناميات جديدة في العلاقة بين شركاء أستانة. ولكن حتى الآن لم تخرج واشنطن كليا في سورية، وقد قرّرت الاحتفاظ بحقول النفط التي قال ترامب إنه يريد استغلالها، وتحويل عوائدها للأكراد! ما يعني أن أمامنا جولة جديدة من الصراع، ومساحة أخرى من التفاهمات، تقرّر فيها روسيا وتركيا مستقبل منطقة شرق الفرات، ومن خلالها نتيجة الحرب في سورية، في ظل تغييبٍ كامل للسوريين، وهو ما لا ينبغي قبوله، أو على الأقل تغطيته سوريًا.
سوف يطمح الرئيس التركي إلى تكرار تجربتي درع الفرات وعفرين، اللتين جرتا بتفاهم كامل مع روسيا، في مناطق شرق الفرات، ولكن الرئيس الروسي، بوتين، الذي لديه وضع داخلي مختلف تماما عن الرئيس ترامب، سوف يحاول فرض شروطه على الأرجح، وفي مقدمتها إحياء اتفاق أضنة الذي جرى توقيعه عام 1998 بين دمشق وأنقرة، مع بعض التعديلات، واستئناف التنسيق الأمني بين الطرفين.
لقد وافق الرئيس بوتين على المرحلة الأولى من العملية التركية شرق الفرات، بمعنى أنه لم يحاول إفشالها بفتح جبهة في إدلب، لأنه كان بحاجةٍ لمساعدة تركيا في إخراج الولايات المتحدة من سورية. وقد كان هذا وما زال همه الرئيس، منذ تدخله في سورية عام 2015، فهذه وحدها (أي الولايات المتحدة) التي لا يستطيع بوتين اختبارها، وقد حاول عام 2017 عبور خط الفرات، وجاءه الرد قاسيا.
أكثر من عام، عارضت روسيا أي عمليةٍ عسكريةٍ تركيةٍ في مناطق شرق الفرات، وقد لوحظ أن القصف الروسي على إدلب كان يشتد كلما اقتربت تركيا من التوصل إلى اتفاق مع واشنطن لإنشاء منطقةٍ آمنةٍ شرق الفرات. ولكن الوضع تغير كليا في القمة الخامسة لشركاء أستانة في أنقرة في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث تم الإعلان عن إنشاء اللجنة الدستورية المنوط بها تعديل الدستور أو إعادة كتابته، باعتباره مدخلا للحل في سورية. وكان لافتا أيضا خلال القمة، اتفاق الرئيسين، الروسي بوتين، والإيراني روحاني، مع نظيرهما التركي، أردوغان، على ضرورة استهداف التنظيمات "الإرهابية"، كما قالا، "في إدلب ومناطق أخرى من سورية"، في إشارةٍ كان واضحا أن المقصود بها "قسد"، ما عدّه أردوغان نصرا له، إذ حصل على دعم شريكيه، لاستهداف الوحدات الكردية، حليفة واشنطن، والتي تم استخدامها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
يفهم الأتراك أن روسيا وإيران تتفقان معها، في هذه المرحلة، في سعيهما إلى إخراج الأميركيين، والأوروبيين، خصوصا الفرنسيين الذين يحتفظون بنحو أربعمائة عنصر من قواتهم الخاصة في شمال شرق سورية، وكذلك السعودية والإمارات اللتين تحتفظان بعلاقات قوية مع "قسد"، وفي ضرب طموحات الكرد الانفصالية، في المنطقة، وإثبات عدم جدوى التحالف مع واشنطن، وهم يحتاجون إلى مساعدة تركيا في تحقيق ذلك كله. خروج الأميركيين سوف يفتح الباب على ديناميات جديدة في العلاقة بين شركاء أستانة. ولكن حتى الآن لم تخرج واشنطن كليا في سورية، وقد قرّرت الاحتفاظ بحقول النفط التي قال ترامب إنه يريد استغلالها، وتحويل عوائدها للأكراد! ما يعني أن أمامنا جولة جديدة من الصراع، ومساحة أخرى من التفاهمات، تقرّر فيها روسيا وتركيا مستقبل منطقة شرق الفرات، ومن خلالها نتيجة الحرب في سورية، في ظل تغييبٍ كامل للسوريين، وهو ما لا ينبغي قبوله، أو على الأقل تغطيته سوريًا.