08 نوفمبر 2024
مراد وهبة: الفلسفة خادمةً في بيت الطاغية
ولمّا تجاوز التسعين من عمره، هبط الذي كان يسمى المفكر الفيلسوف مراد وهبة إلى مستوى أدنى من مذيع أصابته لوثة سيسية، أو خبير استراتيجي من المتصلين بالكائنات الفضائية، ليعلن في حوار متلفز الآتي: "عبد الفتاح السيسي أنقذ بوعيه مصر وكوكب الأرض". هكذا، بعبارة واحدة، يقطع الرجل الذي أفنى عمره في مناهضة "ملاك الحقيقة المطلقة"، متحدثًا، بيقين مطلق، عن أن السيسي هو الأعظم والمنقذ لكوكب الأرض، من دون أن يسمح لأحد بالمراجعة، أو النقد.
لا يتحدث بهذه اللغة عن السيسي إلا صنفان من البشر، الأول: حاخامات الكيان الصهيوني الذين رأوا في السيسي تلك الهدية الربانية لشعب الله المختار. والثاني: إعلام يتم تغذيته وتحريكه، عبر رسائل واتساب على جهاز سامسونج، يبث نصوصًا من مخطوطات الوثنية السياسية، تقدم الجنرال البائس بوصفه الفيلسوف والحكيم والمعلم.
التقاء مراد وهبة مع الطرح الصهيوني عن السيسي مفهوم ومبرّر، فالرجل يناضل من أجل التطبيع، منذ ما قبل اختراع مصطلح التطبيع نفسه، إذ يحكي، في حواراته المتهاطلة بغزارة بعد انقلاب 2013، كيف أنه بدأ النضال منذ العام 1975 من أجل حفر قنوات التطبيع، ويشكو من تعنت حكومات أنور السادات، ثم حسني مبارك معه، لحرمانه من الذهاب إلى إسرائيل، واستضافة المثقفين الصهاينة في القاهرة.
هوس التطبيع، وحده، هو ما يجعله يعتبر السيسي مرسلًا لإنقاذ مصر والكوكب، وحارسًا لبوابة الوعي والفكر والإبداع، حتى لو كان غير قادر على فهم جملة واحدة من خطاب مراد وهبة المركب والمعقد، والغارق في الجمود الأكاديمي الذي جعل دارسي الفلسفة ينفرون من أطروحاته، ويرون فيها استعلاءً مصطنعًا.
لا تجد أسبابًا محترمة للانحياز والتعلق الأعمى بلحظة عبد الفتاح السيسي، سوى أن الأخير منح مساحة لمراد وهبة للعب في فناء السلطة، بعد الحرمان منها عقودا، منذ رحيل جمال عبد الناصر الذي يزعم وهبة أنه عينه مستشارًا علميًا سريًا له، وخصص له ركنًا في قصر السياسة لا يراه فيه أحد إلا الساعي أو عامل البوفيه، وهو الركن الذي جرّده منه أنور السادات، ثم حسني مبارك، وبالطبع محمد مرسي، حتى جاء السيسي وحرّره من عزلته.
في حوار مع مجلة الفيصل قبل عامين، يروج مراد وهبة ضرورة أن يقيم المثقف جسورًا مع السلطة، ويقطع بأن الصدام بين المثقف والسلطة وهم، يقول "وهم الصدام، فحقيقة الأمر أن المثقف والسلطة في مركب واحد، والسخرية أن المثقف منشغل بأسئلة وهمية مثل: هل السيسي فقد شعبيته؟ ونسي المثقف أن دوره هو تنوير الجماهير كي تساند السيسي".
مربط الفرس في أحكام مراد وهبة المطلقة على من يمسكون بالسلطة هي المسافة بينهم وبين الإسلام السياسي، ومستوى عدائهم وبطشهم بجماعة الإخوان المسلمين، فهو ينتقد عبد الناصر بشدة لأنه كان يعادي "الإخوان" ويبطش بهم من أجل الحفاظ على الحكم وتأمين السلطة، بينما السيسي يفعل الأمر نفسه، لكن من منطلق العداء الاستراتيجي والكراهية المطلقة، والرغبة في الاجتثاث التام، ومن ثم فالسيسي، بنظره، هو الأفضل بالمطلق.
في كتابه "الطاغية"، يشرح أستاذ الفلسفة الراحل، إمام عبدالفتاح إمام، علاقة الفيلسوف/ المثقف بالحاكم، من خلال رسائل أفلاطون، فيقول "ولو تساءلنا من ناحية أخرى إذا دعا الطاغية أفلاطون، لكانت الإجابة على الأرجح أن الطغاة كانوا على مدار التاريخ يفاخـرون بـوجود الفـلاسفة والعلماء والشعراء والأدباء في بلاطهم، ذلك لأن الطـغـاة يـعـرفـون بـصفة عامة أنهم لن ينالوا الشهرة إلا علـى يـد هـؤلاء".
ويضيف "وهكذا يعرف الطغاة أن شهرتهم تعتمد على الكتاب والأدباء والشعراء ورجال الفكر عموماً - وهؤلاء على استعداد في الأعم الأغلب للقيام بدورهـم في حياة الطغاة! لكن إذا ماتوا أو فقدوا سلطانهم انهالـوا عليهم بـالمعاول بالقوة نفسها التي كانوا يمدحونهم بها وربما أشد قوة".
ترى ماذا سيقول مراد وهبة لو أمد الله في عمره، ورأى السيسي يسعى إلى مصالحة الإخوان؟
لا يتحدث بهذه اللغة عن السيسي إلا صنفان من البشر، الأول: حاخامات الكيان الصهيوني الذين رأوا في السيسي تلك الهدية الربانية لشعب الله المختار. والثاني: إعلام يتم تغذيته وتحريكه، عبر رسائل واتساب على جهاز سامسونج، يبث نصوصًا من مخطوطات الوثنية السياسية، تقدم الجنرال البائس بوصفه الفيلسوف والحكيم والمعلم.
التقاء مراد وهبة مع الطرح الصهيوني عن السيسي مفهوم ومبرّر، فالرجل يناضل من أجل التطبيع، منذ ما قبل اختراع مصطلح التطبيع نفسه، إذ يحكي، في حواراته المتهاطلة بغزارة بعد انقلاب 2013، كيف أنه بدأ النضال منذ العام 1975 من أجل حفر قنوات التطبيع، ويشكو من تعنت حكومات أنور السادات، ثم حسني مبارك معه، لحرمانه من الذهاب إلى إسرائيل، واستضافة المثقفين الصهاينة في القاهرة.
هوس التطبيع، وحده، هو ما يجعله يعتبر السيسي مرسلًا لإنقاذ مصر والكوكب، وحارسًا لبوابة الوعي والفكر والإبداع، حتى لو كان غير قادر على فهم جملة واحدة من خطاب مراد وهبة المركب والمعقد، والغارق في الجمود الأكاديمي الذي جعل دارسي الفلسفة ينفرون من أطروحاته، ويرون فيها استعلاءً مصطنعًا.
لا تجد أسبابًا محترمة للانحياز والتعلق الأعمى بلحظة عبد الفتاح السيسي، سوى أن الأخير منح مساحة لمراد وهبة للعب في فناء السلطة، بعد الحرمان منها عقودا، منذ رحيل جمال عبد الناصر الذي يزعم وهبة أنه عينه مستشارًا علميًا سريًا له، وخصص له ركنًا في قصر السياسة لا يراه فيه أحد إلا الساعي أو عامل البوفيه، وهو الركن الذي جرّده منه أنور السادات، ثم حسني مبارك، وبالطبع محمد مرسي، حتى جاء السيسي وحرّره من عزلته.
في حوار مع مجلة الفيصل قبل عامين، يروج مراد وهبة ضرورة أن يقيم المثقف جسورًا مع السلطة، ويقطع بأن الصدام بين المثقف والسلطة وهم، يقول "وهم الصدام، فحقيقة الأمر أن المثقف والسلطة في مركب واحد، والسخرية أن المثقف منشغل بأسئلة وهمية مثل: هل السيسي فقد شعبيته؟ ونسي المثقف أن دوره هو تنوير الجماهير كي تساند السيسي".
مربط الفرس في أحكام مراد وهبة المطلقة على من يمسكون بالسلطة هي المسافة بينهم وبين الإسلام السياسي، ومستوى عدائهم وبطشهم بجماعة الإخوان المسلمين، فهو ينتقد عبد الناصر بشدة لأنه كان يعادي "الإخوان" ويبطش بهم من أجل الحفاظ على الحكم وتأمين السلطة، بينما السيسي يفعل الأمر نفسه، لكن من منطلق العداء الاستراتيجي والكراهية المطلقة، والرغبة في الاجتثاث التام، ومن ثم فالسيسي، بنظره، هو الأفضل بالمطلق.
في كتابه "الطاغية"، يشرح أستاذ الفلسفة الراحل، إمام عبدالفتاح إمام، علاقة الفيلسوف/ المثقف بالحاكم، من خلال رسائل أفلاطون، فيقول "ولو تساءلنا من ناحية أخرى إذا دعا الطاغية أفلاطون، لكانت الإجابة على الأرجح أن الطغاة كانوا على مدار التاريخ يفاخـرون بـوجود الفـلاسفة والعلماء والشعراء والأدباء في بلاطهم، ذلك لأن الطـغـاة يـعـرفـون بـصفة عامة أنهم لن ينالوا الشهرة إلا علـى يـد هـؤلاء".
ويضيف "وهكذا يعرف الطغاة أن شهرتهم تعتمد على الكتاب والأدباء والشعراء ورجال الفكر عموماً - وهؤلاء على استعداد في الأعم الأغلب للقيام بدورهـم في حياة الطغاة! لكن إذا ماتوا أو فقدوا سلطانهم انهالـوا عليهم بـالمعاول بالقوة نفسها التي كانوا يمدحونهم بها وربما أشد قوة".
ترى ماذا سيقول مراد وهبة لو أمد الله في عمره، ورأى السيسي يسعى إلى مصالحة الإخوان؟