09 نوفمبر 2024
خطة كوشنير.. الغباء أولاً
شرّق جاريد كوشنير (38 عاما) صهر الرئيس الأميركي ترامب، وغرّب، وأخذ راحته، أمام مستمعيه في فندقٍ في المنامة أول من أمس، في كلامه عن مقادير الرخاء والدّعة الغزيرة التي سيرفل فيها الفلسطينيون، وجيرانُهم في الأردن ومصر ولبنان، عندما يتم تنزيل خطة "السلام من أجل الازدهار". ولكن أهم ما فات الشاب الأنيق أن يقوله، قدّام من أنصتوا إليه بجدّيةٍ ورزانةٍ ظاهرتين، أن يوضح شرطا شديد الضرورة، تتطلبه هذه الخطة، موجزُه أن يكون الفلسطينيون أغبياء أولاً، قبل أن يوافقوا على ازدهارهم. ولا يتعلق هذا الشرط، الملحّ، بنزوعٍ وطنيٍّ لديهم بشأن دولةٍ مستقلة يتطلعون إلى إقامتها، أو بإنهاء احتلال أرضهم، ولا حتى بتمسّكهم بالقدس، وإنما بأن "الرؤية الجديدة" (في العنوان الفرعي للخطة المؤلفة من 38 صفحة) بشأنهم لا تستقيم من دون التحلّي بما يلزم من غباءٍ فيهم، وإلا سيحرمون أنفسَهم من أرطال الحنان الذي يعمُر حشايا كوشنير، ورفيقيه غرينبلات وديفيد فريدمان، تجاههم.
تقوم خطة المذكورين أعلاه على تأمين خمسين مليار دولار في عشر سنوات، تفترض إدارة ترامب أن دولا خليجية (وغيرها) ستقدّمها بمعدل خمسة مليارات كل سنة، نصفها (25 مليار دولار) ستكون قروضا بفوائد، و11 مليار دولار منها ستكون من رأس المال الهادف إلى الربح، ولا علاقة لها بالاقتصاد الفلسطيني. وستكون 22 مليارا لمصر والأردن ولبنان، في مقابل إنهاء وجود وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وتوطين الفلسطينيين المقيمين في البلدان الثلاثة. أما حصّة الفلسطينيين فنحو ثمانمائة مليون دولار سنويا، يفيدنا الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، بأنها تساوي ما كان يتوفر للسلطة في الأراضي المحتلة من مساعداتٍ عربيةٍ وأوروبيةٍ وأميركيةٍ سنويا. ما يعني أن الفلسطينيين سيحوزون المبلغ نفسه، ولكن، هذه المرّة، بشرط نسيانهم تحررهم من الاحتلال، وموضوعتي اللاجئين والقدس عاصمة لدولةٍ فلسطينية لا لزوم لها. ومن عجائب خطّة كوشنير وزميليه هذه أنها تعد بإيجاد مليون فرصة عمل في فلسطين (!)، وتخفيض نسبة الفقر إلى النصف، من دون تعريفنا بكيفيات هذا كله.
أما أن الفلسطينيين واقعون في أرضهم تحت الاحتلال الإسرائيلي فهذا تغفل عنه "الرؤية الجديدة" الأميركية المتعلقة بمستقبلهم. ببساطةٍ لأن المشكلة ليست هنا، بحسب كوشنير في خطته، وقد غابت في محاضرته في المنامة أول من أمس، فإسرائيل شريكٌ في تيسير ازدهار الفلسطينيين الذين يُغالبون مراراتٍ لا توصف بسبب أكثر من خمسمائة حاجز إسرائيليٍّ في الطرقات بين بلداتهم وقراهم ومدنهم، وبسبب سرقة المستوطنات التي لا تتوقف عملياتُ بنائها مواردهم ومياههم. هذه نوافلُ من قضايا تفصيليةٍ، وغيرها كثير، لا تنشغل بها الخطّة المتحدّث عنها التي جاءت، في واحد من سطورها، على ما تعرفه سنغافورة وكوريا الجنوبية واليابان من ازدهار، سيحظى بمثله الفلسطينيون، لو قبلوا كل هذا النعيم الفائض الذي ستيسّره لهم 800 مليون دولار سنويا، سيستلمونها، لو وضعوا عقولَهم في رؤوسهم، وأوقفوا كلامهم الزائد عن حق تقرير المصير والقدس عاصمة لدولتهم وتحرير الأسرى ووقف نهب أراضيهم ومصادرتها وإنهاء الاحتلال والاستيطان، وإذا ارتضوا، في الوقت نفسه، ارتباطا يُلحقهم بإسرائيل، اقتصادا وكينونةً وأمنا وعيشا مشتركا. وفي الأثناء، لم تنس خطة كوشنير، في وثيقتها الموزّعة في ملتقى المنامة، الإتيان على "إطلاق" القدرات الاقتصادية، وعن تعليم الفلسطينيين، وعن تسهيل عبور البضائع إليهم (الجمارك تجبيها إسرائيل طبعا)، أما سيادتُهم على أي معبر أو أرض أو مياه أو ميناء أو مطار، فهذه حكايةٌ لا قِبل للثلاثي، غرينبلات وكوشنير وفريدمان، بسماع شيءٍ منها.
مشكلة كوشنير إذن أنه لم يعثر على غبيّ فلسطيني واحد يأخذ ورشته وخطّته على محمل الجد. ولو أن معاونا له، ولو في منزلة سكرتير، نصحَه أن يوفر على نفسه عناء التذاكي والتشاطر المفضوحيْن فيه، فأوجز له مختصراتٍ من اتفاقية أوسلو وما تلاها من تفاهمات فلسطينية إسرائيلية، سياسية واقتصادية، لوجد فيها ما يبيعه للفلسطينيين، فتلك الاتفاقيات حطّمتها إسرائيل، ودمّرت ما تحقق منها على الأرض (مطار غزة والممر بين غزة والضفة الغربية مثلا)، ولكن الفتى المغترّ بمصاهرته ترامب لا يريد سوى تدمير أي أفق سياسيٍّ للشعب الفلسطيني، فيما الغباء ليس من شمائل هذا الشعب أبدا.
أما أن الفلسطينيين واقعون في أرضهم تحت الاحتلال الإسرائيلي فهذا تغفل عنه "الرؤية الجديدة" الأميركية المتعلقة بمستقبلهم. ببساطةٍ لأن المشكلة ليست هنا، بحسب كوشنير في خطته، وقد غابت في محاضرته في المنامة أول من أمس، فإسرائيل شريكٌ في تيسير ازدهار الفلسطينيين الذين يُغالبون مراراتٍ لا توصف بسبب أكثر من خمسمائة حاجز إسرائيليٍّ في الطرقات بين بلداتهم وقراهم ومدنهم، وبسبب سرقة المستوطنات التي لا تتوقف عملياتُ بنائها مواردهم ومياههم. هذه نوافلُ من قضايا تفصيليةٍ، وغيرها كثير، لا تنشغل بها الخطّة المتحدّث عنها التي جاءت، في واحد من سطورها، على ما تعرفه سنغافورة وكوريا الجنوبية واليابان من ازدهار، سيحظى بمثله الفلسطينيون، لو قبلوا كل هذا النعيم الفائض الذي ستيسّره لهم 800 مليون دولار سنويا، سيستلمونها، لو وضعوا عقولَهم في رؤوسهم، وأوقفوا كلامهم الزائد عن حق تقرير المصير والقدس عاصمة لدولتهم وتحرير الأسرى ووقف نهب أراضيهم ومصادرتها وإنهاء الاحتلال والاستيطان، وإذا ارتضوا، في الوقت نفسه، ارتباطا يُلحقهم بإسرائيل، اقتصادا وكينونةً وأمنا وعيشا مشتركا. وفي الأثناء، لم تنس خطة كوشنير، في وثيقتها الموزّعة في ملتقى المنامة، الإتيان على "إطلاق" القدرات الاقتصادية، وعن تعليم الفلسطينيين، وعن تسهيل عبور البضائع إليهم (الجمارك تجبيها إسرائيل طبعا)، أما سيادتُهم على أي معبر أو أرض أو مياه أو ميناء أو مطار، فهذه حكايةٌ لا قِبل للثلاثي، غرينبلات وكوشنير وفريدمان، بسماع شيءٍ منها.
مشكلة كوشنير إذن أنه لم يعثر على غبيّ فلسطيني واحد يأخذ ورشته وخطّته على محمل الجد. ولو أن معاونا له، ولو في منزلة سكرتير، نصحَه أن يوفر على نفسه عناء التذاكي والتشاطر المفضوحيْن فيه، فأوجز له مختصراتٍ من اتفاقية أوسلو وما تلاها من تفاهمات فلسطينية إسرائيلية، سياسية واقتصادية، لوجد فيها ما يبيعه للفلسطينيين، فتلك الاتفاقيات حطّمتها إسرائيل، ودمّرت ما تحقق منها على الأرض (مطار غزة والممر بين غزة والضفة الغربية مثلا)، ولكن الفتى المغترّ بمصاهرته ترامب لا يريد سوى تدمير أي أفق سياسيٍّ للشعب الفلسطيني، فيما الغباء ليس من شمائل هذا الشعب أبدا.