03 اغسطس 2022
الانتخابات الأوروبية بين الشعبوية وفزّاعة المهاجرين
ضرب أوروبا الأسبوع الماضي زلزال سياسي، وأدّى إلى خلخلة بنيان الاتحاد الأوروبي الذي عمل آباؤه على وضع أسسه وإعلاء مداميكه أكثر من نصف قرن. وتجلى الزلزال باجتياح اليمين القومي الشعبوي الانتخابات التاسعة لبرلمان الاتحاد الأوروبي (تجري كل خمس سنوات)، والتي يفاخر صناع القرار في أوروبا الموحدة، وأشد المتحمسين لها بإشراك المواطنين الأوروبيين في صنع السياسات المشتركة للقارة، واستفتائهم بشأن مستقبلها ومستقبلهم. واللافت في ما حدث أن النتائج الأكثر إثارة سجّلتها قوى يمينية عنصرية معادية للوحدة الأوروبية، وتنادي بإغلاق الحدود أمام غير الأوروبيين في أهم دولتين مؤسستين لفكرة أوروبا الموحدة، إيطاليا التي حملت أول معاهدة اسمها وفرنسا. وقد شكلت "معاهدة روما" عام 1958 أول مدماك للوحدة الأوروبية، وضمت ست دول، إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ. ولم تنج من هذا الزلزال سوى ألمانيا التي صوّتت بعكس التيار، وسجّلت تقدّما نوعيا لحزب الخضر الذي تخطى لأول مرة الحزب الاشتراكي الديموقراطي العريق، وأصبح الحزب الثاني في ألمانيا. أما اليمين العنصري في إيطاليا الذي تمثله "رابطة الشمال"، فسجل خرقا غير مسبوق بتحوّله إلى الحزب الأول في إيطاليا (34%)، بعد أن كان في المرتبة الرابعة وجمهوره مقتصرا فقط على شمال إيطاليا، لأن هذا الحزب كان يمارس عنصريته ضد أبناء جنوب إيطاليا وينادي بالانفصال عنه. وقد بنى زعيم "الرابطة" الذي يشغل اليوم منصب وزير الداخلية استراتيجيته على شد العصبية القومية الإيطالية، وصد الأبواب أمام المهاجرين والعمال الأجانب الوافدين من الدول العربية والأفريقية والإسلامية. كذلك حصل في فرنسا، حيث تصدّرت الجبهة الوطنية، العنصرية التي تتزعمها مارين لوبان
أول مرة المشهد السياسي الفرنسي، وحلت في المرتبة الأولى (23.4%) متقدمة على حزب الرئيس إيمانويل ماكرون (22.2%) والحزبين العريقين الديغولي السابق (8%) والاشتراكي حزب فرنسوا ميتيران (6%). ناهيك بإنكلترا التي صوتت على الخروج من الاتحاد الأوروبي قبل ثلاث سنوات، من دون أن تخرج فعليا بعد، فتقدم حزب "البريكست" الذي تأسس قبل أسابيع، وحل في المرتبة الأولى (31.5%). أما الحزبان التقليديان، المحافظون والعمال، فلم يحصلا على أكثر من ربع الأصوات. حتى في اليونان التي حقق رئيس وزرائها اليساري الراديكالي، ألكسيس تسيبراس، ما يشبه المعجزة في عملية إنقاذ الاقتصاد اليوناني، لكنه خسر أمام اليمين واضطر إلى الدعوة إلى انتخابات مبكرة. حصل الأمر نفسه في بلدان أوروبا الشرقية، حيث تقدم اليمين المعادي لأوروبا واليمين الأوروبي على السواء على اليسار والليبراليين، مثل بولندا وهنغاريا. أما إسبانيا فهي البلد الوحيد اليتيم الذي تمكّن فيه اليسار من الفوز، إذ حافظ الاشتراكيون على تقدّمهم الذي كانوا قد سجلوه قبل أقل من شهرين في الانتخابات البرلمانية الإسبانية، والذي مكّنهم من العودة إلى رئاسة الحكومة.
وشكلت هذه الانتخابات الصدمة التي هزّت معظم الأحزاب والقيادات السياسية العريقة والناشئة في أوروبا، منها من صعد وتصدّر المشهد، ومنها من انهار، ومنها من ترنّح، ولكنه تمكّن من البقاء واقفا على رجليه. وهي المرة الأولى التي يصوت فيها الأوروبيون بصوت واحد أو بتوجه واحد في صناديق الاقتراع، تعبيرا عن نقمتهم وعدم ثقتهم بالأحزاب التقليدية الكبرى، كما حصل في فرنسا وإيطاليا وإنكلترا، وعن رغبتهم في تجديد الحياة السياسية التي تأثرت بحملة التعبئة التي مارستها الأحزاب اليمينية المتطرّفة ضد السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية لحكوماتهم ولسياسة مفوضية الاتحاد الأوروبي (الحكومة الأوروبية) في بروكسل، وأيضا وبالأخص لسياسة الانفتاح على المهاجرين الأجانب من العالم الثالث ودول شمال أفريقيا والنزوح السوري. أرادوا إيصال نواب إلى البرلمان الأوروبي على صورة نواب وأحزاب اليمين الزاحف بقوة نحو السلطة أو الذي أصبح في الحكم في بلدانهم! تؤكد ذلك ظاهرة الإقبال على الاقتراع غير المسبوقة التي تخطت في بعص البلدان نسبة 50%. ظاهرة النزوح والهجرة الكثيفة التي اجتاحت أوروبا في السنوات الأخيرة وموجة الإرهاب على وقع تنظيم داعش وأخواته شكلت "حصان التعبئة الرابح" للأحزاب اليمينية والعنصرية المتطرّفة.
لن يبقى برلمان بروكسل محكوما أو تحت سيطرة المنافسة التقليدية بين اليمين واليسار اللذيْن تمثلهما الأحزاب اليمينية الليبرالية المنضوية ضمن "الحزب الشعبي" وأحزاب الاشتراكيين والاشتراكيين الديمقراطيين والشيوعيين السابقين ضمن "الحزب الاشتراكي الديموقراطي"، فقد المعسكران الأكثرية التي كانا يتناوبا عليها منذ عقود. المعضلة الآن تكمن في كيفية تموضع اليمين المتطرّف الداخل بقوة إلى البرلمان الأوروبي وعلاقته باليمين الليبرالي التقليدي، إذ إنه بمفرده لن يتمكّن من الحصول على الأكثرية. وكذلك معسكر اليسار والاشتراكيين وعلاقتهم بالخضر الذين يعودون بقوة إلى بروكسل.
ولكن، هل يعني هذا الزلزال أن أوروبا ستستكين، وتسلك طريق تعزيز صفوف اليمين القومي والشعبوي المتطرّف، وسوف تنغلق على نفسها؟ إذا كانت الأحزاب التقليدية التي حكمت
وتناوبت على الحكم في أوروبا عقودا، وبعضها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية (إنكلترا وفرنسا)، قد فشلت في تجديد نفسها وتجديد خطابها وبرامجها الاقتصادية والاجتماعية تحديدا، وغرقت في السنوات الأخيرة في سياسة التقشف وزيادة الضرائب (ظاهرة السترات الصفر)، فإن الصاعدين حديثا إلى السلطة يجيدون اللعب على غرائز المواطنين، فقد حققوا تقدّما غير مسبوق في هذه الانتخابات، ومنهم من يدخل أول مرة البرلمان الأوروبي، إلا أنهم بعكس ما طغى إعلاميا لم يحرزوا أكثرية نيابية تسمح لهم بالسيطرة على مقدّرات السياسة الأوروبية. وقد بدأت تباشير الصراع بالظهور على الفور بين بعض الحكومات والمفوضية الأوروبية بشأن السياسات الاقتصادية. كما أنهم لا يبدون محصّنين في سيرتهم وسلوكهم السياسي، فقد جاء أول الغيث من النمسا، حيث تم سحب الثقة من المستشار (رئيس الحكومة) على خلفية تورّطه بفضيحة فساد، على الرغم من أن حزبه حقق فوزا في الانتخابات الأوروبية، وكذلك رئيس الحزب الحاكم في رومانيا الذي حكم عليه نتيجة تقاضيه رشاوى وأدخل إلى السجن!
وشكلت هذه الانتخابات الصدمة التي هزّت معظم الأحزاب والقيادات السياسية العريقة والناشئة في أوروبا، منها من صعد وتصدّر المشهد، ومنها من انهار، ومنها من ترنّح، ولكنه تمكّن من البقاء واقفا على رجليه. وهي المرة الأولى التي يصوت فيها الأوروبيون بصوت واحد أو بتوجه واحد في صناديق الاقتراع، تعبيرا عن نقمتهم وعدم ثقتهم بالأحزاب التقليدية الكبرى، كما حصل في فرنسا وإيطاليا وإنكلترا، وعن رغبتهم في تجديد الحياة السياسية التي تأثرت بحملة التعبئة التي مارستها الأحزاب اليمينية المتطرّفة ضد السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية لحكوماتهم ولسياسة مفوضية الاتحاد الأوروبي (الحكومة الأوروبية) في بروكسل، وأيضا وبالأخص لسياسة الانفتاح على المهاجرين الأجانب من العالم الثالث ودول شمال أفريقيا والنزوح السوري. أرادوا إيصال نواب إلى البرلمان الأوروبي على صورة نواب وأحزاب اليمين الزاحف بقوة نحو السلطة أو الذي أصبح في الحكم في بلدانهم! تؤكد ذلك ظاهرة الإقبال على الاقتراع غير المسبوقة التي تخطت في بعص البلدان نسبة 50%. ظاهرة النزوح والهجرة الكثيفة التي اجتاحت أوروبا في السنوات الأخيرة وموجة الإرهاب على وقع تنظيم داعش وأخواته شكلت "حصان التعبئة الرابح" للأحزاب اليمينية والعنصرية المتطرّفة.
لن يبقى برلمان بروكسل محكوما أو تحت سيطرة المنافسة التقليدية بين اليمين واليسار اللذيْن تمثلهما الأحزاب اليمينية الليبرالية المنضوية ضمن "الحزب الشعبي" وأحزاب الاشتراكيين والاشتراكيين الديمقراطيين والشيوعيين السابقين ضمن "الحزب الاشتراكي الديموقراطي"، فقد المعسكران الأكثرية التي كانا يتناوبا عليها منذ عقود. المعضلة الآن تكمن في كيفية تموضع اليمين المتطرّف الداخل بقوة إلى البرلمان الأوروبي وعلاقته باليمين الليبرالي التقليدي، إذ إنه بمفرده لن يتمكّن من الحصول على الأكثرية. وكذلك معسكر اليسار والاشتراكيين وعلاقتهم بالخضر الذين يعودون بقوة إلى بروكسل.
ولكن، هل يعني هذا الزلزال أن أوروبا ستستكين، وتسلك طريق تعزيز صفوف اليمين القومي والشعبوي المتطرّف، وسوف تنغلق على نفسها؟ إذا كانت الأحزاب التقليدية التي حكمت