04 نوفمبر 2024
المسافة بين خامنئي وترامب
الثقة مقابل الغرور.. بين الاندفاع والجرأة.. من السذاجة إلى الخبث.. تناقض التاريخ والحداثة.. ثنائيات متقابلة تجسد فروقاً جوهرية، ومسافة شاسعة، تفصل بين المرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس الأميركي دونالد ترامب. ليس بمعيار المواصفات الشخصية أو التركيبة النفسية، وإنما لأن كلاً منهما رمز لسياسة بلاده وخصائصها الأساسية.
سبب جوهري في حدوث التوتر بين طهران وواشنطن واستمراره ذلك التباين إلى حد التناقض في العقلية وكيفية إدراك المواقف وفهمها، وبالتالي طريقة التفكير فيها، ومعالجتها على كل جانب. ثمّة تشابهات لا يمكن إغفالها، أهمها البراغماتية الشديدة، واعتماد القوة بمختلف أشكالها أداة رئيسية للتعاطي مع العالم. كما أن كلاً من ترامب واشنطن وخامنئي طهران تاجر يجيد المقايضة، غير أن ترامب رجل الصفقات الخاطفة والمكاسب المباشرة السريعة، بينما خامنئي رجل بازار طويل البال، يدرك جيداً ماذا ومتى يعطي، وكيف وأين يحصل على المقابل.
يمارس ترامب لعبته المفضلة في التصعيد والتهديد، لابتزاز الخصوم، ووضعهم تحت أقصى درجات الضغط. ومع أول بادرة تنازل أو مرونة يتلقاها، يتحول التهديد إلى ترحيب، ويتصور ترامب أنه قد حقق بالفعل انتصاراً. وكما يتسرّع في التوقعات، يتسرّع أيضاً في النكوص عنها، والعودة مجدّداً إلى التهديد والتلويح باستخدام القوة.
الإيرانيون أكثر صراحة من الأميركيين، ولن تخجل طهران من الكشف عن سقوط طائرة أو التعرّض لأي عمل عدائي أميركي. لذا بادرت طهران إلى اتهام ترامب ومسؤولي الإدارة الأميركية بالكذب، ونفي إسقاط واشنطن طائرة مسيّرة إيرانية في مياه الخليج. ولو كان زعم الأميركيين صحيحاً، لما تردّدت طهران لحظة في إعلان ذلك، وتحويله إلى قضية إعلامية، بل واعتباره اعتداء صريحاً. وكانت ستهرع إلى مجلس الأمن الدولي، لتسجيل موقف قانوني ودبلوماسي ضد واشنطن، وتتهمها بارتكاب عمل استفزازي، من شأنه إشعال مواجهة عسكرية وزعزعة الاستقرار في منطقة الخليج الملتهبة أساساً.
الخميس الماضي، احتجزت إيران ناقلة نفط بريطانية، كانت تمر عبر مضيق هرمز، بذريعة أنها اصطدمت بقارب صيد إيراني، ولم تستجب لنداء الاستغاثة الصادر منه. وبالتوازي مع هذا الادعاء القانوني، لم يخف مسؤولون إيرانيون أن احتجاز الناقلة البريطانية (وهي بالمناسبة فارغة) جاء رداً على احتجاز الناقلة الإيرانية "جريس - 1" في جبل طارق.
اللافت هنا أن الناقلة الإيرانية محتجزة منذ 4 يوليو، أي قبل أسبوعين من تحرّك إيران للرد بالمثل. وبعد بضعة أيام من مكالمة هاتفية طويلة بين وزيري الخارجية الإيراني والبريطاني، أبدى الأخير بعدها تلميحاتٍ بقرب إطلاق الناقلة الإيرانية. والمعنى أن طهران لم تسارع إلى الخطوة المقابلة فور احتجاز ناقلتها، وعندما وجدت أن الاتصالات الدبلوماسية لم تحقق المطلوب، حيث قرّرت محكمة جبل طارق تمديد احتجاز الناقلة 30 يوماً أخرى، انتقلت إلى تطبيق مبدأ "الرد بالمثل". وكما كانت لدى سلطات جبل طارق حجة قانونية بالاشتباه في نقل الناقلة الإيرانية نفطا إلى سورية، قدّمت طهران أيضاً سبباً قانونياً لاحتجاز الناقلة البريطانية.
في الوقت ذاته، لم تكن مصادفة أن يعلن مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى تصميم بلادهم على أن تلك الخطوة جاءت إعمالاً لمبدأ الرد بالمثل. وكان أبرزهم اللواء محسن رضائي رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام (قائد أسبق للحرس الثوري)، إذ هدّد برد مماثل على أي طرفٍ يتحرّك ضد بلاده، "سواء كان ترامب أو إليزابيث".
وسط هذا التصعيد والشد والجذب، تكذّب طهران واشنطن، فيعين ترامب مفاوضاً مع إيران. ويقول إنه لا يريد تغيير النظام في إيران، ويتطلع إلى العمل مع الإيرانيين، فيلمّح جواد ظريف إلى إمكانية التفاوض بشأن القدرات الصاروخية الإيرانية، بما فيها البالستية.
يلعب الإيرانيون الشطرنج، ويستعدون مسبقاً لمختلف الاحتمالات، بينما تمارس إدارة ترامب القفز الحر ثم تنتظر النتائج. والمؤسف أن كليهما يمارس لعبته التي يجيدها فوق الرقعة نفسها، المنطقة العربية.
يمارس ترامب لعبته المفضلة في التصعيد والتهديد، لابتزاز الخصوم، ووضعهم تحت أقصى درجات الضغط. ومع أول بادرة تنازل أو مرونة يتلقاها، يتحول التهديد إلى ترحيب، ويتصور ترامب أنه قد حقق بالفعل انتصاراً. وكما يتسرّع في التوقعات، يتسرّع أيضاً في النكوص عنها، والعودة مجدّداً إلى التهديد والتلويح باستخدام القوة.
الإيرانيون أكثر صراحة من الأميركيين، ولن تخجل طهران من الكشف عن سقوط طائرة أو التعرّض لأي عمل عدائي أميركي. لذا بادرت طهران إلى اتهام ترامب ومسؤولي الإدارة الأميركية بالكذب، ونفي إسقاط واشنطن طائرة مسيّرة إيرانية في مياه الخليج. ولو كان زعم الأميركيين صحيحاً، لما تردّدت طهران لحظة في إعلان ذلك، وتحويله إلى قضية إعلامية، بل واعتباره اعتداء صريحاً. وكانت ستهرع إلى مجلس الأمن الدولي، لتسجيل موقف قانوني ودبلوماسي ضد واشنطن، وتتهمها بارتكاب عمل استفزازي، من شأنه إشعال مواجهة عسكرية وزعزعة الاستقرار في منطقة الخليج الملتهبة أساساً.
الخميس الماضي، احتجزت إيران ناقلة نفط بريطانية، كانت تمر عبر مضيق هرمز، بذريعة أنها اصطدمت بقارب صيد إيراني، ولم تستجب لنداء الاستغاثة الصادر منه. وبالتوازي مع هذا الادعاء القانوني، لم يخف مسؤولون إيرانيون أن احتجاز الناقلة البريطانية (وهي بالمناسبة فارغة) جاء رداً على احتجاز الناقلة الإيرانية "جريس - 1" في جبل طارق.
اللافت هنا أن الناقلة الإيرانية محتجزة منذ 4 يوليو، أي قبل أسبوعين من تحرّك إيران للرد بالمثل. وبعد بضعة أيام من مكالمة هاتفية طويلة بين وزيري الخارجية الإيراني والبريطاني، أبدى الأخير بعدها تلميحاتٍ بقرب إطلاق الناقلة الإيرانية. والمعنى أن طهران لم تسارع إلى الخطوة المقابلة فور احتجاز ناقلتها، وعندما وجدت أن الاتصالات الدبلوماسية لم تحقق المطلوب، حيث قرّرت محكمة جبل طارق تمديد احتجاز الناقلة 30 يوماً أخرى، انتقلت إلى تطبيق مبدأ "الرد بالمثل". وكما كانت لدى سلطات جبل طارق حجة قانونية بالاشتباه في نقل الناقلة الإيرانية نفطا إلى سورية، قدّمت طهران أيضاً سبباً قانونياً لاحتجاز الناقلة البريطانية.
في الوقت ذاته، لم تكن مصادفة أن يعلن مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى تصميم بلادهم على أن تلك الخطوة جاءت إعمالاً لمبدأ الرد بالمثل. وكان أبرزهم اللواء محسن رضائي رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام (قائد أسبق للحرس الثوري)، إذ هدّد برد مماثل على أي طرفٍ يتحرّك ضد بلاده، "سواء كان ترامب أو إليزابيث".
وسط هذا التصعيد والشد والجذب، تكذّب طهران واشنطن، فيعين ترامب مفاوضاً مع إيران. ويقول إنه لا يريد تغيير النظام في إيران، ويتطلع إلى العمل مع الإيرانيين، فيلمّح جواد ظريف إلى إمكانية التفاوض بشأن القدرات الصاروخية الإيرانية، بما فيها البالستية.
يلعب الإيرانيون الشطرنج، ويستعدون مسبقاً لمختلف الاحتمالات، بينما تمارس إدارة ترامب القفز الحر ثم تنتظر النتائج. والمؤسف أن كليهما يمارس لعبته التي يجيدها فوق الرقعة نفسها، المنطقة العربية.