06 نوفمبر 2024
لماذا أوقف ترامب مفاوضاته مع "طالبان"؟
أنهى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بطريقة عصبية، شهورا من المفاوضات مع حركة طالبان، بعد أن أوشك الطرفان على التوصل إلى اتفاق لسحب القوات الأميركية من أفغانستان. وقال إنه فعل ذلك بسبب مقتل جندي أميركي (إلى جانب 11 جنديا حكوميا أفغانيا) في هجوم نفّذته الحركة في كابول الأسبوع الماضي. وتمثلت المفاجأة الأكبر في إعلان ترامب إلغاء اجتماع سرّي كان مقررا أن يستضيف فيه قادة من "طالبان" في منتجع كامب ديفيد يوم الأحد الماضي، للإعلان عن "اتفاق سلام". بدلا من ذلك، أرسل ترامب، كناية عن "تقديره لتضحيته"، وزير الخارجية، مايك بومبيو، لاستقبال جثمان الجندي القتيل في المطار.
وفيما لا يبدو أن ترامب أقنع أحدا أنه أوقف المفاوضات بسبب مقتل جندي أميركي "ملون" من بورتريكو، خصوصا إذا علمنا أن 15 جنديا أميركيا قتلوا خلال المفاوضات الجارية مع "طالبان" منذ نحو عام، فإن دافع قراره التراجع عن لقاء كامب ديفيد قد يكون الاعتقاد أن استقبال قادة "طالبان" في المنتجع الرئاسي قد يمثل كارثة انتخابية، نظرا لتحميلهم المسؤولية عن هجمات "11 سبتمبر" في 2001، علما أن ترامب مولع باللقاءات ذات القيمة الإعلامية العالية، مثل لقاءاته مع زعيم كوريا الشمالية، وسعيه إلى لقاء الرئيس الإيراني. وربما كان ترامب يعوّل على إعلان دراماتيكي باتفاق سلام مع قادة "طالبان"، ينهي الحرب الأطول في التاريخ الأميركي، وأسفرت عن مقتل 2400 جندي أميركي، ونحو ألف من قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وجرح عشرين ألفا آخرين، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة.
يئس ترامب من إمكانية هزيمة "طالبان"، بعد أن جرّب استخدام مستوى أعلى من القوة لإخضاعها. إذ أمر، في شهر إبريل/نيسان 2017، بإلقاء أكبر قنبلة في التاريخ على أفغانستان، دعاها "أم القنابل"، وتعادل قدرتها التدميرية قدرة القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما. كما قام ترامب بتغيير قواعد الاشتباك التي يتبعها الجيش الأميركي، لتقليل الإصابات بين المدنيين، والتي كانت تؤجّج مشاعر الغضب الشعبي. ولأول مرة هذا العام، يقتل الأميركيون عددا أكبر من المدنيين مما قتلت "طالبان". ولكن هذا كله لم يُجد نفعا، إذ تسيطر الحركة اليوم، بحسب الجيش الأميركي، على 45% من أراضي أفغانستان، وعلى نحو ثلث سكانها البالغ 35 مليون نسمة.
وإذا كان إلغاء اللقاء مع قادة طالبان مفهوما، تبقى، بناء على ذلك، أسباب إلغاء نتائج المفاوضات غامضة، خصوصا وأن ترامب بدا مستعجلا لإنفاذ وعده الانتخابي الانسحاب من أفغانستان قبل موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وهذا ما يفسر موافقته على جدول انسحاب من 16 شهرا بدلا من 36.
الآن، يجد ترامب نفسه أمام احتمالين: إما أن يأمر بانسحاب أحادي من دون اتفاق، وهذا ترفضه وزارة الدفاع (البنتاغون) التي تعارض أصلا فكرة الانسحاب من دون ترتيباتٍ تضمن بقاء جزء من القوات في أفغانستان بعد عقدين من القتال لحماية مصالح أميركا فيها، فما بالك بانسحاب أحادي يشعل التنافس الإقليمي، لملء الفراغ بين القوى الخمس الرئيسة صاحبة المصلحة: روسيا والصين والهند وإيران وباكستان. وقد يؤدي ذلك إلى صعود "داعش"، كما حصل في العراق، هذا إذا لم يحصل السيناريو الأقل سوءا، وهو سقوط حكومة أشرف غني وعودة حكم "طالبان". الاحتمال الثاني أن يعود ترامب عن قراره وقف المفاوضات مع "طالبان"، كما عاد عن قراره الانسحاب من سورية، وإنجاز اتفاق السلام.
إذا تركنا ذلك كله جانبًا، يبقى أنه لا نعرف ما إذا كان ترامب يعرف أن أفغانستان تملك أكبر احتياط عالمي لبعض أكثر المعادن ندرة، مثل الليثيوم، عصب صناعة بطاريات الأجهزة الإلكترونية، وتحتكر الصين اليوم إنتاجه وتوريده إلى الولايات المتحدة. نشرت "CNBC" الأسبوع الحالي مقالا مهما يرد فيه أن هدف ترامب من الحرب التجارية مع الصين ليس خفض عجز الميزان التجاري معها، بل إحداث طلاق بائن بين الاقتصادين، الأميركي والصيني، بحيث يتخلص الأول من الارتهان للثاني، في استيراد المواد التي تدخل في صناعة الإلكترونيات. هل لهذا علاقة بقرار وقف مفاوضات أفغانستان؟ ربما، لكن الأكيد أن هذا ما دعا ترامب إلى طلب شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك.
يئس ترامب من إمكانية هزيمة "طالبان"، بعد أن جرّب استخدام مستوى أعلى من القوة لإخضاعها. إذ أمر، في شهر إبريل/نيسان 2017، بإلقاء أكبر قنبلة في التاريخ على أفغانستان، دعاها "أم القنابل"، وتعادل قدرتها التدميرية قدرة القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما. كما قام ترامب بتغيير قواعد الاشتباك التي يتبعها الجيش الأميركي، لتقليل الإصابات بين المدنيين، والتي كانت تؤجّج مشاعر الغضب الشعبي. ولأول مرة هذا العام، يقتل الأميركيون عددا أكبر من المدنيين مما قتلت "طالبان". ولكن هذا كله لم يُجد نفعا، إذ تسيطر الحركة اليوم، بحسب الجيش الأميركي، على 45% من أراضي أفغانستان، وعلى نحو ثلث سكانها البالغ 35 مليون نسمة.
وإذا كان إلغاء اللقاء مع قادة طالبان مفهوما، تبقى، بناء على ذلك، أسباب إلغاء نتائج المفاوضات غامضة، خصوصا وأن ترامب بدا مستعجلا لإنفاذ وعده الانتخابي الانسحاب من أفغانستان قبل موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وهذا ما يفسر موافقته على جدول انسحاب من 16 شهرا بدلا من 36.
الآن، يجد ترامب نفسه أمام احتمالين: إما أن يأمر بانسحاب أحادي من دون اتفاق، وهذا ترفضه وزارة الدفاع (البنتاغون) التي تعارض أصلا فكرة الانسحاب من دون ترتيباتٍ تضمن بقاء جزء من القوات في أفغانستان بعد عقدين من القتال لحماية مصالح أميركا فيها، فما بالك بانسحاب أحادي يشعل التنافس الإقليمي، لملء الفراغ بين القوى الخمس الرئيسة صاحبة المصلحة: روسيا والصين والهند وإيران وباكستان. وقد يؤدي ذلك إلى صعود "داعش"، كما حصل في العراق، هذا إذا لم يحصل السيناريو الأقل سوءا، وهو سقوط حكومة أشرف غني وعودة حكم "طالبان". الاحتمال الثاني أن يعود ترامب عن قراره وقف المفاوضات مع "طالبان"، كما عاد عن قراره الانسحاب من سورية، وإنجاز اتفاق السلام.
إذا تركنا ذلك كله جانبًا، يبقى أنه لا نعرف ما إذا كان ترامب يعرف أن أفغانستان تملك أكبر احتياط عالمي لبعض أكثر المعادن ندرة، مثل الليثيوم، عصب صناعة بطاريات الأجهزة الإلكترونية، وتحتكر الصين اليوم إنتاجه وتوريده إلى الولايات المتحدة. نشرت "CNBC" الأسبوع الحالي مقالا مهما يرد فيه أن هدف ترامب من الحرب التجارية مع الصين ليس خفض عجز الميزان التجاري معها، بل إحداث طلاق بائن بين الاقتصادين، الأميركي والصيني، بحيث يتخلص الأول من الارتهان للثاني، في استيراد المواد التي تدخل في صناعة الإلكترونيات. هل لهذا علاقة بقرار وقف مفاوضات أفغانستان؟ ربما، لكن الأكيد أن هذا ما دعا ترامب إلى طلب شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك.