15 أكتوبر 2024
400 باحث في 6 سنوات
باكتمال أعمال المؤتمر السادس للعلوم الاجتماعية والإنسانية، غداً الاثنين في مقر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا، يكون 400 باحث عربي قد شاركوا في دوراته الست التي انعقد بعضها في المغرب وتونس، تقدّمت أبحاثهم وأوراقهم فيها، برغبةٍ منهم، واستجابةً لدعواتٍ مفتوحةٍ إلى إنجازها وكتابتها في موضوعاتٍ محدّدة، وبعد تحكيمٍ أُخضعت له أجازت لها المشاركة. ولمّا صار معهوداً أن تتوزّع هذه المساهمات البحثية على موضوعين، فإن الحصيلة ستؤشّر إلى توسّعٍ كميٍّ ونوعيٍّ معاً، على ما أوضح رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر، الباحث جمال باروت. ولمّا صار من تقاليد هذا المحفل العلمي السنوي أن تصدر أعماله في كتبٍ، على درجةٍ عاليةٍ من التحرير والفهرسة والتوثيق، فإن المنجز كله يصير مادةً وفيرة القيمة والأهمية في حقل الدراسات الاجتماعية والإنسانية في الأكاديميا العربية. وبذلك، يكون هذا الجهد مبعث تقدير خاص، وهو جهدٌ يُبادر إليه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي ينظم هذه المناسبة السنوية، والتي تضم هذا الجمع من الباحثين والدارسين العرب، من الشباب غالباً، ومن ذوي مقارباتٍ ومرجعياتٍ ثقافيةٍ متنوعة، بدافع المسؤولية التي أناط المركز بها نفسه، منذ التزم رؤيته العامة التي يصدر عنها في عموم مناشطه، وفي تشجيعه البحث العلمي الرزين والمحكّم في ميادين العلوم الاجتماعية والإنسانية، "وعياً بأهميتها في تحقيق نهضة الإنسان العربي"، كما قال محقاً جمال باروت، أمس، في افتتاح المؤتمر السادس.
والظاهر لغير المختص في حقول هذه المشاغل البحثية والعلمية أن موضوعي كل مؤتمر في كل واحدةٍ من دوراته السنوية إنما يختصّان بشأنين، تاريخي وراهن، أو ثقافي محض وآخر سوسيولوجي معاش. ومع إصدار وحدة قياس الرأي العام في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات سنوياً "المؤشر العربي" الذي يعد أضخم مسحٍ للرأي العام العربي في حزمةٍ واسعةٍ من القضايا، فإن الإفادة منه كبيرةٌ في تدعيم البحوث والدراسات الاجتماعية المعنية بالراهن وقضاياه، من قبيل قضية هجرة الشباب التي كشف المؤشر الأحدث، والذي أطلق الأسبوع الماضي، عن نزوعٍ واسعٍ إليها، وقد اختيرت هذه القضية أحد موضوعي مؤتمر العام الجاري. وإلى هذين الأمريْن، وغيرهما كثير، يجوز التنويه إلى دورٍ مفقودٍ لوسائط الإعلام والصحافة الثقافية العربية، الكسولة غالباً، في الالتفات إلى هذه الجهود، ومخرجاتها، فالتقصير فادح في التعريف بما يتم إنجازه من مباحث في هذه الاختصاصات، ليس فقط بفقر المتابعة، النقدية والانتقادية إن لزم الأمر، وإنما أيضا بانعدام أي مطالعاتٍ في الخلاصات الجوهرية التي تقدّمها مساهمات هؤلاء الباحثين، واتصالها بالشأن الثقافي العربي العريض الذي لا يمكن أن تقتصر تفاصيله على الأدبي والفني.
ومن إحالاتٍ ممكنةٍ في شؤون ما يتم التأشير إليه هنا أن المؤسسة الأكاديمية العربية، في أقسام العلوم الاجتماعية مثلا، مدعوّة دائماً إلى الحضور في الفضاء الثقافي العام في المجتمعات العربية، وبأشكال وصيغ مختلفة، منها أن تنشغل علمياً بالأسئلة والقضايا الملحّة المطروحة، ما أمكن. وفي الوسع أن يقال إن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يعمل على هذا الأمر، في مواظبةٍ مشهودة، وبدأبٍ متواصل، ومؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية من شواهد غير قليلة على ذلك. كما أن الجائزة التي يكرّم بها المركز الفائزين سنوياً بالجائزة العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية إسهامٌ آخر منه يشهد على الدور الخاص الذي يضطلع به في تطوير المنتج المعرفي العربي في هذه الحقول. وما كان لهذا كله، وغيره، في ما يخصّ المؤتمر السنوي للعلوم الاجتماعية والإنسانية، وكذا في ما يخص أنشطةً ومنجزاتٍ عديدة يقوم بها المركز، أن تتحقق، من دون فريقٍ أكاديمي وإداري مؤهل، ومدرّب، وعلى كفاءة عالية في بناء هذه الشبكة المتعدّدة الوظائف والمهمات، في المشهد العربي العام، بقيادة الدكتور عزمي بشارة وإشرافه، مع معاونيه من أصحاب الإنجاز والإخلاص في الجهد والعمل.