"استهداف المختبرات البيولوجية في أوكرانيا"... محاولة روسية جديدة لتضليل الرأي العام؟

10 مارس 2022
بدأت الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

عاد إلى الواجهة، في الفترة الأخيرة، الحديث عن مختبرات بيولوجية في أوكرانيا، تدعمها الولايات المتحدة الأميركية، مع الاجتياح الروسي لأوكرانيا، الذي دخل اليوم الخميس يومه الخامس عشر.

وفي أحدث تصريح روسي حول هذا الأمر، اتّهم الناطق باسم وزارة الدفاع إيغور كوناشينكوف، اليوم الخميس، وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بأنها موّلت برنامج بحوث حول أسلحة بيولوجية في أوكرانيا، يهدف إلى إنشاء آلية لانتشار مسببات أمراض قاتلة"، متحدثاً عن "مشروع أميركي لنقل مسببات أمراض من طريق طيور برية مهاجرة، بين أوكرانيا وروسيا ودول مجاورة أخرى".

وتشير المقالات المنشورة عبر الإنترنت ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن المعامل والمختبرات التي تموّلها الولايات المتحدة في أوكرانيا تهدف إلى تطوير أسلحة حرب بيولوجية، مستخدمة هذا الأمر لتبرير الاجتياح الروسي لأوكرانيا.

ما حقيقة الادعاءات الروسية؟

مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، انتشر عبر موقع "تويتر" بشكل واسع وسم "#USBiolabs"، مع تبنّي مجموعة من الناشطين والمغردين "نظرية المؤامرة" الروسية التي تدّعي أن الغزو الروسي لأوكرانيا يركّز في الأساس على المختبرات البيولوجية الأميركية السرية هناك، حيث يُفترض إنتاج أمراض فتاكة، على غرار كوفيد-19؛ إلا أن مسؤولين أميركيين سابقين، وخبراء في منع انتشار الأمراض، يؤكدون أن هذه المختبرات تعمل على اكتشاف الأسلحة البيولوجية ومنع انتشارها، وساعدت في احتواء تفشي الأمراض.

يقول موقع "سنوبس" المتخصص في تدقيق المعلومات، إن القول إن الولايات المتحدة تدير مختبرات بيولوجية سرية في أوكرانيا، "جزء من بروباغندا روسية" بدأت أقلّه منذ عام 2018، ثمّ عادت إلى الواجهة بقوة في فبراير/ شباط الماضي، مع نشر حساب "WarClandestine" عبر "تويتر" تغريدة تذكر أن خريطة الهجمات الصاروخية الروسية تتطابق مع مواقع هذه المختبرات، قبل أن يُعلَّق تعليق الحساب.

"استهداف المختبرات البيولوجية في أوكرانيا"

ووفق الموقع، تظهر مقارنة بين الخريطتين عدم تطابق الهجمات الصاروخية مع مواقع المختبرات البيولوجية المزعومة.

وفي السياق، تقول مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إن هذا الحساب، وحسابات أخرى مرتبطة به، تعود لأميركي اسمه الأول جايكوب، نشر مراراً مقاطع فيديو لنفسه يؤكد فيها أنه خدم في الجيش الأميركي، وهو شارك على مدى العامين السابقين نظريات مؤامرة "كيو أنون" (الحركة اليمينية المتطرفة التي تؤمن بنظرية المؤامرة وتؤيّد الرئيس السابق دونالد ترامب)، قبل أن يُعلَّق حسابه، لنشره معلومات خاطئة.

فضلاً عن ذلك، يشير موقع "سنوبس" إلى أن الحديث عن أن الولايات المتحدة تشغّل مختبرات بيولوجية في أوكرانيا "مبنيّ على فكرة خاطئة"، مفادها أن واشنطن (أو تبعاً لنظريات مماثلة، الصين) بدأت عمداً جائحة "كوفيد-19" بسلاح بيولوجي من صنع الإنسان، ما أسّس لنظرية أن روسيا غزت أوكرانيا لمنع جائحة جديدة.

وتعتقد القنوات المؤيدة لروسيا والمؤمنون بنظرية "كيو أنون" أن الغارات الجوية الروسية على أوكرانيا تستهدف هذه المختبرات، لـ"منع مستشار الصحة لدى البيت الأبيض أنتوني فاوتشي من خلق سلسلة جديدة من فيروس كورونا". ووفق مجلة "فورين بوليسي"، يجري التسويق لهذه النظرية عبر إحدى السفارات الروسية، وقنوات إعلامية في صربيا والصين.

وفي 27 فبراير/شباط الماضي، نشرت السفارة الروسية لدى البوسنة والهرسك عبر "فيسبوك"، وفقاً للإذاعة الصربية "إن 1"، أن الولايات المتحدة كانت تملأ أوكرانيا بمختبرات بيولوجية تستخدم، على الأرجح، لدراسة "طرق لتدمير الشعب الروسي على المستوى الجيني".

وفي هذا السياق، تشير صحيفة "تشاينا دايلي" الصينية إلى أن "الصراع الروسي-الأوكراني" أدّى إلى اكتشافات غير متوقعة، إذ ذكرت وسائل الإعلام الروسية أخيراً أن البنتاغون موّل أكثر من 30 مختبراً بيولوجياً في أوكرانيا، حيث خُزِّنَت كميات كبيرة من الفيروسات الخطرة. ولفتت إلى أن الولايات المتحدة تعتمد على هذه المختبرات من أجل أغراض الحرب البيولوجية، متحدثة عن أن واشنطن تدير 336 معملاً بيولوجياً في 30 دولة حول العالم.

وتقول الصحيفة هنا إنه "لا عجب أن الولايات المتحدة كانت تضغط بشدة من أجل تتبع منشأ تفشي "كوفيد-19" في المختبرات الصينية، وذلك لامتلاكها مختبرات في جميع أنحاء العالم، وهي على دراية بالمخاطر العالية لتسرّب الفيروسات والتسبب بأوبئة".

وتلفت إلى أنه أصبح واضحاً الآن لماذا حاولت الولايات المتحدة، على مدى أربعة عقود منع إنشاء آلية فحص بموجب اتفاقية الأسلحة البيولوجية، مشيرة إلى أنها تريد حماية أسرار مختبراتها البيولوجية الـ336 حول العالم.

وتتحدث "دايلي تشاينا" هنا عن تقارير حديثة تزعم قيام السفارة الأميركية في أوكرانيا، على عجل، بحذف معلومات متعلقة بالمختبرات البيولوجية هناك.

وأسّست الحكومة الروسية لهذه المؤامرة لبعض الوقت، وفق مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، التي قالت إن حساباً باللغة الروسية حذر، في يناير/كانون الثاني الماضي عبر "تلغرام"، من أنه نُشرَت شبكة كاملة من المعامل البيولوجية لدراسة الفيروسات التي تصيب الناس بالفعل بالمرض في كازاخستان، من خلال "منح أميركية".

وتلفت إلى أن صحيفة "إيزفستيا" الروسية نشرت، في مايو/أيار من العام الماضي، قصة قدّمت مزاعم مماثلة، وقد تكررت في مواقع إخبارية أوكرانية موالية لروسيا.

وقد اتّهم مستشار مقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة بتطوير "المزيد والمزيد من المختبرات البيولوجية... على الحدود الروسية والصينية بشكل أساسي".

دعم صيني لنظرية المؤامرة

وقد تلقت نظرية المؤامرة هذه دعماً سابقاً من البروباغندا الصينية، بعدما قالت المتحدثة باسم وزير الخارجية الصيني، هوا تشون يينغ، في مايو/ أيار، رداً على مزاعم في وسائل الإعلام الأسترالية حول برامج الحرب البيولوجية الصينية المفترضة، إن الولايات المتحدة كانت تعمل سرّاً على مختبرات بيولوجية، وإن لديها 16 في أوكرانيا وحدها.

ونشرت وسائل الإعلام الصينية مراراً وتكراراً الادعاءات بأن الفيروس التاجي نشأ من قاعدة للجيش الأميركي في فورت ديتريك، وهي قاعدة كانت مركز برنامج الأسلحة البيولوجية الأميركي بين عامي 1943 و1969.

ودفعت نظرية المؤامرة هذه، في عام 2020، جهاز الأمن الأوكراني إلى دحض المزاعم حول منشآت الأسلحة البيولوجية التي تديرها واشنطن.

هل تمتلك واشنطن حقاً مختبرات بيولوجية في أوكرانيا؟

يشير موقع "سنوبس" إلى أن الشائعات المنتشرة تُعتبر تحريفاً لحقيقة أن وزارة الصحة الأوكرانية ووزارة الدفاع الأميركية أبرمتا اتفاقية عام 2005، في عهد الرئيس الجمهوري الأميركي السابق جورج دبليو بوش، تهدف إلى القضاء على تهديد الإرهاب البيولوجي، من خلال وضع ضمانات على مسببات الأمراض الفتاكة التي يعود تاريخها إلى برنامج أسلحة بيولوجية من الحقبة السوفييتية.

وفي وقت قدّم برنامج الحدّ من التهديدات البيولوجية التابع للبنتاغون بعض التمويل لتحسين المختبرات البيولوجية في أوكرانيا، فإنّ هذه المرافق تديرها الحكومة الأوكرانية، بموجب المبادئ المنصوص عليها في القانون الأوكراني.

وبحلول يوم الثلاثاء، نشرت قناة رسمية تابعة لوكالة "سبوتنيك" التابعة للكرملين، عبر "تلغرام"، وثائق تابعة للحكومة الأميركية، قالت إنها خاصة بالمختبرات البيولوجية الأميركية في أوكرانيا.

وتقول "فورين بوليسي" هنا إن الوثائق التي لا تظهر أي شيء غير عادي، سُحبَت من الإنترنت بحلول بعد ظهر الثلاثاء، مشيرة إلى أن هذه الفكرة عادت إلى الواجهة من جديد عبر وسائل الإعلام الحكومية الصينية، التي قامت بتغطيتها، من دون أن تروّج لها كثيراً.

وجرى تداول الأخبار عن هذه المختبرات والوثائق المفقودة مئات آلاف المرات عبر مجموعة من حسابات "تلغرام" باللغة الروسية، من ضمنها الحسابات التي لها دور كبير بشكل خاص في نشر الدعاية المؤيدة للكرملين منذ بدء الحرب، والتي كانت قبل ذلك تشارك معلومات عن مسيرات رافضة للقاح في الولايات المتحدة وكندا.

وخلص أحد هذه الحسابات، وفق "فورين بوليسي"، إلى أن الولايات المتحدة انخرطت في صنع فيروس قاتل في مختبر بيولوجي في خاركيف، المدينة التي تعرّضت بشكل خاص لحملة قصف روسي وحشي.

الصورة
الاستهداف الروسي لمدينة خاركيف الأوكرانية (أندريا كاروبا/الأناضول)
تعرّضت خاركيف لقصف روسي وحشي (أندريا كاروبا/الأناضول)

وروّجت وسائل إعلام روسية وصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لأخبار تحدثت عن استهداف القوات الروسية المختبرات البيولوجية في مدن أوكرانية، من بينها خاركيف، لوغانسك، دنيبروبتروفسك، والعاصمة كييف، ومدن أخرى، بأوامر مباشرة من الرئيس فلاديمير بوتين.

وتؤكد "فورين بوليسي" هنا أن هذه النظرية لا أساس لها، إذ لا توجد في أوكرانيا مختبرات مصنّفة على أنها "بي أس أل-4"، وهي أعلى درجة تسمح لها بالعمل على أكثر مسببات الأمراض خطورة، فيما تمتلك مختبراً واحداً مصنّفاً "بي أس أل-3".

وتلفت إلى أن الدعم الأميركي لهذه المنشأة ليس سرياً، وهي موّلت الأبحاث في عدد من الأمراض حيوانية المنشأ، كذلك فإنها تموّل أيضاً منشآت في جورجيا، وحتّى أذربيجان وكازاخستان، الصديقتين لروسيا.

ووفق "فرانس برس"، فإن الحكومة الأميركية، بالإضافة إلى مسؤولين سابقين وخبراء، يؤكدون أن هذه الادعاءات يبدو أنها ترتكز على "حملة تضليل روسية طويلة الأمد"، وأن واشنطن تعمل منذ عقود لمنع استخدام الأسلحة البيولوجية.

وتنقل الوكالة عن أندرو ويبر، مساعد وزير الدفاع السابق لبرامج الدفاع النووية والكيميائية والبيولوجية، قوله إن البنتاغون "لم يمتلك يوماً مختبراً بيولوجياً في أوكرانيا".

من جهتها، تشير مديرة مركز الدفاع البيولوجي والقانون والسياسة العامة في جامعة تكساس للتكنولوجيا فيكي ساتون، إلى أن الولايات المتحدة عملت لعقود، مع دول أخرى، للحدّ من الأسلحة البيولوجية، ودفع الأبحاث إلى القضاء على أي مسببات للأمراض، مذكرةً بأن الاتحاد السوفييتي كان يمتلك أكبر برنامج أسلحة بيولوجية أُنشئ على الإطلاق، وهو ما يفسّر الوجود الأميركي في المنشآت للمساعدة في الاستجابة لتفشي الأسلحة البيولوجية.

ونفت الولايات المتّحدة، أمس الأربعاء، الاتّهامات التي وجّهتها إليها روسيا بأنّها تدعم برنامجاً لتطوير أسلحة بيولوجية في أوكرانيا، محذّرة من أنّ الهدف من هذه الاتّهامات الروسية قد يكون التحضير لإمكان أن تستخدم القوات الروسية قريباً مثل هذه الأسلحة في أوكرانيا.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، في بيان، إنّ "الكرملين ينشر عن عمد أكاذيب صريحة مفادها بأنّ الولايات المتحدة وأوكرانيا تقومان بأنشطة أسلحة كيميائية وبيولوجية في أوكرانيا"، مضيفاً أنّ "روسيا تختلق ذرائع كاذبة في محاولة لتبرير أفعالها المروّعة في أوكرانيا".

بدورها، أشارت المتحدّثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، في تغريدة على "تويتر"، إلى أنّ الاتهامات الروسية "منافية للعقل"، قائلة: "إنّنا رأينا أيضاً مسؤولين صينيين يردّدون نظريات المؤامرة هذه".

وأضافت: "أما وقد ادّعت روسيا هذه الادّعاءات الكاذبة... فينبغي لنا جميعاً أن نتنبّه إلى احتمال أن تستخدم روسيا أسلحة كيميائية أو بيولوجية في أوكرانيا، أو أن تستخدمها تحت راية كاذبة"، أي أن تجعل الأمر يبدو وكأنّها ليست هي التي استخدمت هذه الأسلحة.

وفي 6 مارس/ آذار، قالت وزارة الخارجية الروسية، في تغريدة، إنّ القوات الروسية وجدت أدلّة على أنّ كييف حاولت محو آثار برنامج عسكري-بيولوجي في أوكرانيا، مؤكّدة أنّ هذا المشروع تموّله الولايات المتّحدة.

وأمس الأربعاء، طلبت روسيا من الولايات المتحدة أن تفسر للعالم سبب دعمها لما تصفه بأنه برنامج بيولوجي عسكري في أوكرانيا يشمل مسببات لأمراض فتاكة، بما في ذلك الطاعون والجمرة الخبيثة.

وطالبت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، واشنطن بالشفافية بشأن هذا الأمر، الذي نفته كييف. وقالت إنّ روسيا كشفت أدلة على البرنامج المزعوم خلال ما أسمته "عمليتها العسكرية الخاصة" في أوكرانيا التي بدأت يوم 24 فبراير/شباط.