تلوح نُذر أزمة جديدة في الأفق بين المغرب وجبهة البوليساريو، في ظل تخطيط قيادة الجبهة لإغلاق معبر الكركرات الحدودي بين المغرب وموريتانيا في وجه الحركة التجارية والمدنية بشكل نهائي، وذلك في سياق خطوات تصعيدية برزت خلال الأيام الماضية، كان من أبرزها إعلان أميناتو حيدر، أحد أبرز وجوه ما يعرف بـ"انفصاليي الداخل"، عن تأسيس هيئة معارضة للمغرب في قلب مدينة العيون (كبرى حواضر الصحراء). وفي وقت يستعد فيه مجلس الأمن الدولي لدراسة تطورات ملف الصحراء، وإصدار قرار أممي بشأن التمديد للبعثة الأممية في الصحراء "المينورسو"، المرتقب أن تنتهي مهمتها في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تتجه البوليساريو لإعادة أجواء التوتّر إلى معبر الكركرات الحدودي، في ظل تخطيطها لحشد أنصارها القادمين من مخيمات تندوف وموريتانيا أمام البوابة الحدودية للاحتجاج وتعطيل حركة المرور البرية، وذلك بالتزامن مع الحملة الإعلامية التي تخوضها الجبهة منذ أسابيع لإغلاقه.
تخطط البوليساريو لحشد أنصارها أمام البوابة الحدودية للاحتجاج وتعطيل حركة المرور البرية
ووفق وسائل إعلام مغربية، فإن الجبهة قد تُقدم على هذه الخطوة يوم الخميس أو الجمعة المقبلين، من دون أن يصدر موقف رسمي عن البوليساريو بذلك. لكن نشطاء من مخيمات تندوف تداولوا تسجيلات صوتية على تطبيق "واتساب"، مرفقة بصور تظهر شعارات الاعتصام المرتقب في المعبر الحدودي. وتثير الخطوة الجديدة لقيادة البوليساريو تساؤلات عن أهدافها وانعكاساتها على السلم في المنطقة، ولا سيما في ظل حديث عن مخطط لفرض اعتصام بالخيام وسط معبر الكركرات، في خطوة تهدف إلى تكرار سيناريو مخيم "إكديم إيزيك" في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2010. وكان لافتاً كشف وسائل إعلام مغربية عن قيام الجنرال دكوردارمي عبد الفتاح الوراق، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية في المنطقة الجنوبية، مع كبار المسؤولين العسكريين، بزيارة تفقدية للجدار الأمني، أمس الأول الخميس، وذلك بالتوازي مع دعوة نشطاء مغاربة إلى إرسال قوات الجيش إلى المعبر كرد على التصعيد الجديد للبوليساريو.
وتُعتبر منطقة الكركرات منطقة منزوعة السلاح بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في العام 1991، الذي ترعاه الأمم المتحدة، والذي يعتبر الجدار الذي شيده المغرب منتصف الثمانينيات من القرن الماضي خطاً لوقف النار، حيث تنتشر القوات الأممية "المينورسو" لمراقبة تنفيذه. وقد تحوّل معبر الكركرات الحدودي إلى نقطة توتّر منذ صيف 2016، حين بادر المغرب إلى إطلاق حملة تمشيط للمعبر الحدودي الرابط بينه وبين موريتانيا، مستهدفاً شبكات التهريب والاتجار غير المشروع. وحجزت السلطات المغربية حينها ما يربو على 600 عربة غير قانونية، وهو ما ردّت عليه جبهة البوليساريو بإيفاد مجموعة من مسلحيها إلى المعبر، مسبّبة حالة من التوتّر الإقليمي والدولي.
وبعد شهور طويلة من التوتّر الذي خيّم على المنطقة، انتهت الأزمة من الجانب المغربي في فبراير/شباط 2017، حين استجابت المملكة لطلب الأمين العام للأمم المتحدة بسحب قواتها التي دفعت بها نحو المنطقة لمواجهة مسلحي البوليساريو، الذين أتوا إليها من معسكراتهم الواقعة إلى الشمال. لكن الجبهة رفضت الامتثال لذلك الطلب، وبقيت في محيط المعبر الحدودي إلى أن اقترب موعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي نهاية إبريل/نيسان 2017، وقامت بانسحاب جنّبها إدانة رسمية من قِبل المجلس. وعلى الرغم من هذه الانسحابات، إلا أن المعبر بقي نقطة توتّر، لا سيما من جانب جبهة البوليساريو، التي تلوّح بتهديده كلما واجه ملف الصحراء أزمة جديدة.
تحرك البوليساريو في معبر الكركرات لا يخرج عن محاولتها تسجيل نقاط في قرار مجلس الأمن
ومنذ بداية سبتمبر/أيلول الحالي، كثفت البوليساريو من تحركاتها من خلال توجيه زعيم الجبهة رسالة تحذيرية إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تطالبه بضرورة اتخاذ إجراءات، وصفها بـ"الملموسة والجادة من أجل التنفيذ الصارم لخطة السلام" لتمكين الصحراويين "من ممارسة تقرير المصير". وبالتزامن مع التلويح بمرحلة تصعيدية جديدة، والتخلي عن المسار الأممي لحل القضية، كان لافتاً تعزيز الجبهة لتواجدها في منطقة ما وراء الجدار، وتخطيطها لبناء مزيد من المنشآت هناك. وكذلك محاولتها فرض تحد في وجه المغرب بقرار ما يعرف بـ"انفصاليي الداخل"، بتأسيس هيئة جديدة تسمى "الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي". واعتبر ممثل جبهة البوليساريو لدى أستراليا كمال فاضل، في تغريدة أمس الجمعة، أن "فتح معبر الكركرات في جدار العار المغربي يعتبر خرقاً وانتهاكاً لاتفاق وقف إطلاق النار ويجب غلقه".
وفي الوقت الذي تدرك فيه البوليساريو أنّ الظرف الدولي الحالي، المتسم بانشغال القوى الدولية بمكافحة جائحة كورونا وتداعياتها، وأنّ التعقيدات الإقليمية والدولية الراهنة لا تسمح بأي تغيير قد يفضي إلى زعزعة الأمن والسلم الدوليين، يبدو أن الجبهة لجأت، مرة أخرى، إلى توظيف ورقة المعبر من أجل الضغط على المجتمع الدولي، مع اقتراب موعد إصدار القرار الأممي بشأن التمديد لبعثة "المينورسو"، التي من المرتقب أن تنتهي مهمتها في 31 أكتوبر المقبل. في وقت يعرف فيه الملف جموداً وترقباً من جميع أطراف ملف الصحراء المغربية لتعيين مبعوث أممي جديد، بعد استقالة المبعوث السابق هورست كوهلر، في مايو/أيار 2019.
ومنذ استقالة كوهلر لـ"دواعٍ صحية"، لم يغير مجلس الأمن من قراءته للوضع والمخرج السياسي لملف الصحراء، وهو ما بدا جلياً من خلال سعيه، خلال الجلسة المغلقة التي عقدها في إبريل/نيسان الماضي، إلى السعي نحو إعادة الدينامية والزخم إلى العملية السياسية، عبر إحياء آلية "الطاولات المستديرة". وكان كوهلر راهن على هذه الآلية لتحقيق اختراق في جدار نزاع عمر طويلاً، بسبب تباعد وجهات النظر بين أطرافه، خصوصاً بعد أن جدد المجلس التأكيد على المعايير التي حددها بوضوح في قراراته 2414 و2440 و2468 و2494 من أجل التوصل إلى حل نهائي للنزاع حول قضية الصحراء.
ورأى مدير "مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية" عبد الفتاح الفاتحي أن تحرك البوليساريو في معبر الكركرات لا يخرج عن محاولة الجبهة تسجيل نقاط لصالحها في القرار المرتقب لمجلس الأمن الدولي، عبر تحريك ورقة إغلاق طريق التجارة الدولي عند ممر الكركرات، أو عبر تحريك انفصاليي الداخل لمزايدة حقوقية أو سياسية للدفع بمطلب إعادة النظر في اختصاصات بعثة "المينورسو". ولفت، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الرهان على هيئة تنشط سياسياً من خارج قواعد العمل السياسي لقانون الأحزاب، يجعل الغاية منه اختلاق صدامات مع الدولة المغربية لتسجيل مواقف تعيد الورقة الحقوقية إلى واجهة الموقف التفاوضي حول ملف الصحراء، قبيل اجتماع مجلس الأمن الدولي المقبل، لتقييم حصيلة سنة من عمل بعثة المينورسو إلى الصحراء".
وتأتي تحركات جبهة البوليساريو في الكركرات في وقت تؤكد فيه الأمم المتحدة ضرورة "الامتناع عن أي إجراء قد يشكل تغييراً في الوضع القائم في المنطقة العازلة"، ناهيك عن التحذير الواضح الذي وجهه غوتيريس، في يناير/كانون الثاني الماضي، بعد محاولة البوليساريو إعاقة مرور المشاركين في سباق "أفريقيا إيكو ريس" للسيارات. كما كان المغرب قد نبّه، بداية الشهر الحالي، مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن إلى خطورة الأعمال الاستفزازية بشأن عرقلة جبهة البوليساريو الانفصالية حركة المرور في معبر الكركرات الحدودي.