تسعى جبهة سياسية معارضة تضم تيارات عربية وكردية وآشورية في الشمال الشرقي من سورية، إلى فرض نفسها لاعباً رئيسياً في المنطقة التي باتت تُعرف بـ"شرقي الفرات" التي يسيطر عليها حزب "الاتحاد الديمقراطي" من خلال ذراعه العسكرية "وحدات حماية الشعب"، والذي عمل على منع أي مشاركة لباقي المكونات السياسية بالقرار العسكري والأمني والاقتصادي. وأعلنت "جبهة السلام والحرية"، مساء السبت الماضي، أنها عقدت اجتماعاً افتراضياً لـ"استكمال التداول في الشأن التنظيمي الداخلي، ومناقشة اللوائح الداخلية وعمل المكاتب المتخصصة كمكتب العلاقات الوطنية، ومكتب العلاقات الخارجية، ومكتب الإعلام، ومكتب المساعدات الإنسانية"، وفق بيان لها. وأشارت إلى أنّ الاجتماع تطرق أيضاً إلى "إمكان إجراء بعض التعديلات على اللوائح الداخلية التي أعدتها اللجنة التحضيرية، ومن شأنها تطوير آليات العمل داخل الجبهة"، مضيفة: "أوصى المجتمعون بضرورة بذل جميع الجهود لتفعيل عمل مؤسسات الجبهة، واستكمال اللقاءات مع القوى الوطنية السورية، والقوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الشأن السوري".
واعتبرت الجبهة نفسها "نواة وطنية سورية، جاءت تلبية لمشروع وطني يضمن حقوق جميع المكونات العرقية والدينية التي تجاهلت الدساتير السورية السابقة حقوقها ومورست بحقها إجراءات عنصرية". وأملت أن تكون "مشروعاً وطنياً يجسّد ثقافة الحوار التي حرمنا منها لعقود طويلة، ليكون شاملاً تقتدي به جميع المكونات السورية، ومظلة لمختلف القوى السياسية الوطنية"، وفق ما جاء في البيان.
يأتي تفعيل عمل الجبهة في ظل استعصاء سياسي مستحكم بين حزب "الاتحاد الديمقراطي" و"المجلس الوطني الكردي"
وكانت أربعة كيانات سورية معارضة، أعلنت منتصف العام الماضي، تحالفها ضمن ما سمّي بـ"جبهة السلام والحرية"، وهي: المنظمة الآثورية الديمقراطية، والمجلس الوطني الكردي، وتيار الغد السوري، والمجلس العربي في الجزيرة والفرات. وجاء في البيان التأسيسي أن "جبهة السلام والحرية" هي "إطار لتحالف سياسي بين عدد من القوى السياسية السورية التي تسعى إلى بناء نظام ديمقراطي تعددي لا مركزي يصون كرامة السوريين وحريتهم، لا مكان فيه للإرهاب والتطرف والإقصاء بكلّ أشكاله وتجلياته، تعمل وفقاً للمبادئ والأهداف التي تمّ تضمينها في الرؤية السياسية".
ويشكل العرب غالبية السكان في "شرقي الفرات"، إلا أنّ هذه المنطقة تضم العدد الأكبر من الأكراد والآشوريين السوريين. ويسيطر حزب "الاتحاد الديمقراطي" على جل هذه المنطقة من خلال ذراعه العسكرية وهي "وحدات حماية الشعب" والتي تشكل الثقل الرئيسي لـ"قوات سورية الديمقراطية" والمعروفة اختصاراً بـ"قسد"، والتي تضم هي الأخرى مقاتلين من المكونات العرقية للمنطقة، إلا أن القرار بيد قادتها الأكراد. وتتلقى هذه القوات دعماً كبيراً من التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
ويأتي تفعيل عمل الجبهة في ظل استعصاء سياسي مستحكم بين أكبر تشكيلين سياسيين في المشهد الكردي، وهما حزب "الاتحاد الديمقراطي" و"المجلس الوطني الكردي"، إذ فشلا في ردم هوّة الخلاف بينهما لتشكيل مرجعية سياسية واحدة للأكراد السوريين كما تريد الولايات المتحدة التي ترعى حواراً بين الجانبين منذ عام. ولا يزال حزب "الاتحاد" يرفض مبدأ فك الارتباط بحزب "العمال الكردستاني"، كما يرفض عودة "البشمركة السورية" التي تضم مقاتلين سوريين أكرادا إلى الشمال الشرقي من سورية من نقاط تمركزهم في إقليم كردستان العراق.
في السياق، أوضح عضو المكتب السياسي لـ"المجلس العربي في الجزيرة والفرات" محمد شبيب عبد الرحمن، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الجبهة "تحالف قوى سياسية كبرى تمثل قوميات وشرائح من المجتمع السوري"، مشيراً إلى أن "هذا التحالف بحد ذاته هدف". وأضاف: "نتطلع للعب دور فاعل في الساحة السورية وفي الحل السياسي المنشود لحفظ حقوق جميع القوميات في سورية".
عبد الرحمن: نتطلع للعب دور فاعل في الساحة السورية وفي الحل السياسي
وكان قد أُعلن عن تأسيس "المجلس العربي في الجزيرة والفرات" في العاصمة المصرية القاهرة عام 2017، ويضم شيوخ عشائر ووجهاء وفعاليات اجتماعية وثقافية وناشطين سياسيين. بينما أعلن عن تأسيس "تيار الغد" في مارس/آذار عام 2016 في القاهرة كذلك. وكلا التنظيمين السياسيين يتبعان للرئيس الأسبق للائتلاف السوري المعارض، أحمد الجربا.
من جهته، أشار كبرئيل موشي كورية، وهو في الهيئة القيادية في الجبهة، ممثلاً عن "الجبهة الآثورية"، إلى أنّ "مستقبل شرقي الفرات ينطوي على الكثير من التعقيد بسبب التدخل الخارجي في المنطقة وخضوعها لمعادلات الصراع"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أن "كل هذا يجعل المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات". ولفت إلى أنّ "جبهة السلام والحرية، تعمل بوسائل سلمية، وتسعى إلى ترجمة رؤيتها من خلال إعادة الاعتبار للعمل السياسي بعد تراجع العمليات العسكرية في سورية، وتأكيد كل الأطراف أن الحل في سورية سياسي وليس عسكرياً". وأوضح أنّ الجبهة "تسعى لأخذ مكانها في المشهد السوري على صعيد المعارضة الوطنية والتكامل مع قوى المعارضة، ومنها الائتلاف الوطني السوري". وتابع: "نعتقد أنّ الجبهة قادرة على أن تكون جسراً بين مكونات الشمال الشرقي من سورية، ونحن ندعم أي حوار سياسي في شرقي الفرات لترسيخ قيم السلم الأهلي والعيش المشترك وتأسيس إدارة جديدة في المنطقة ذات تعدد ديمغرافي وديني وثقافي".
كورية: الجبهة تسعى لتكون في أطر المعارضة
ولفت كورية إلى أنّ الجبهة "تسعى لتكون في أطر المعارضة؛ سواء الائتلاف أو هيئة التفاوض أو اللجنة الدستورية"، مضيفاً: "وجود الجبهة سيخلق حالة تنافسية وهو من طبيعة العملية الديمقراطية. الجبهة تقدم خياراً آخر لأبناء الشمال الشرقي من سورية". وتأسست "المنظمة الآثورية الديمقراطية"، والمنضوية في الائتلاف الوطني السوري، قبل أكثر من 60 عاماً، وهي "تعمل من أجل تثبيت الحقوق القومية للشعب الآشوري"، وفق أدبياتها السياسية.
بدوره، أكد الكاتب شفان إبراهيم، وهو عضو في مكتب الإعلام في الجبهة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ مكونات الجبهة من عرب وأكراد وآشوريين، "تشجع الحوار الكردي الكردي وتجد في نجاحه نجاحاً لها"، مضيفاً أنّ "التوافق الكردي مصدر قوة لباقي مكونات المنطقة". وبيّن أن انضمام "المجلس الوطني الكردي" إلى الجبهة "لا يعد بديلاً عن الحوار الكردي"، مؤكداً أنّ المجلس "متمسك بالحوار ونجاحه ليفضي إلى إدارة تشاركية بين باقي مكونات الشمال الشرقي من سورية".
وتأسس "المجلس الوطني الكردي" أواخر عام 2011، بعد أشهر من اندلاع الثورة السورية، من ائتلاف للعشرات من الأحزاب الكردية السورية، وشخصيات وطنية مستقلة، وممثلين عن المجموعات الشبابية. ويدعو المجلس المنضوي أيضاً في الائتلاف الوطني السوري لـ"دولة ديمقراطية برلمانية تعددية، والاعتراف الدستوري بالشعب الكردي كمكون رئيسي في البلاد".