انطلقت، اليوم السبت، فعاليات مؤتمر "استمرارية الحروب الأهلية العربية: الأسباب والتحديات"، الذي تعقده وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عن بُعد، ويستمر أربعة أيام.
ويناقش المؤتمر مجموعة من الأسئلة البحثية الراهنة وهي: هل تتّسم الحروب الأهلية العربية بسمات استثنائية من ناحية الأسباب والمدّة والحدّة والحجم والنطاق؟ وما التداعيات الاستراتيجية للحروب الأهلية طويلة الأمد على الأمن الإقليمي والدولي؟ وكيف يمكن أن تؤثّر القوى الخارجية في مسارات هذه الحروب الأهلية؟ وهل تستطيع تحسين الحوكمة في المناطق المنكوبة بالحروب الأهلية؟
كما سيناقش المؤتمر أسئلة: ما أدوار التنظيمات المسلحة من غير الدول بوصفها كيانات عسكرية وسياسية وإدارية ولا تشكّل دولًا؟ وكيف ستؤثر هذه الحروب وتداعياتها في السياسات الإنسانية والبيئية في المنطقة وخارجها؟ وما احتمالات إنهاء الحرب وإدارة الصراع من دون عنف والحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار والإصلاحات في أعقاب هذه الحروب الأهلية؟ وهل ثمّة دروس يمكن الاستفادة منها من حالات غير عربية؟
وأوضح مدير وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي عمر عاشور، في كلمة افتتاحية، أهمية دراسة ظاهرة الحروب الأهلية في المنطقة العربية، التي شهدت حروبا أهلية متعدّدة قبل انطلاق ثورات الربيع العربي عام 2011 وبعدها، لافتا إلى أن مستويات العنف شكّلت ملامح الوعي السياسي والاجتماعي لشعوب المنطقة، ولا تزال ستّ دول عربية على الأقل تعاني اليوم حروبًا داخلية.
وقدم الباحث المختص في الحروب الأهلية ستاثيس كاليفاس، في محاضرته "تأملات في الحروب الأهلية العربية"، تأطيرا نظريا عاما لموضوع المؤتمر وإشكاليات بحث "الحروب الأهلية"، وطرح الأسئلة الفكرية والمنهجية التي تتعلق بـ"خصوصية-استثنائية" الحروب الأهلية العربية، كما ركّز على التصنيف الجغرافي المناسب الذي يمكن استخدامه لبحث حروب المنطقة العربية، والدروس التي يمكن استخلاصها منها.
وألقى الباحث في العلوم السياسية تميم البرغوثي محاضرة بعنوان "حرب واحدة، معارك متعددة". وطرح إشكالية بُعد المقاربات السائدة لمعالجة الظواهر السياسية عن واقع العالم العربي في الكثير من الأحيان. وعرض كيفية ميل الدراسات التي تبحث في الدول الوطنية، أو حتى الجماعات المسلحة ما دون الدولة، إلى تجاهل التعقيدات الثقافية وأوجه الترابط العضوية في المنطقة العربية. وحاول الإجابة عن سؤال رئيس بعنوان: كيف يمكن توظيف الأعراف وأشكال التعبير الثقافية عن الشعور الجماعي في المنطقة العربية في فهم النزاعات السياسية والعسكرية؟
وتمحورت الجلسة الأولى حول "طول أمد الحروب الأهلية العربية و’استثنائيتها‘: الأسباب والتعقيدات والحالات"، وشارك فيها خمسة باحثين. وقدم أستاذ الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة للدراسات العليا سيد أحمد قوجيلي ورقة بعنوان "الفجوات في الأدبيات، ’الاستثناء‘، ومسألة البيانات في الحروب الأهلية العربية". وعرضَ فيها تحليلًا للحروب الأهلية العربية في الفترة 1945-2020، من خلال تحديد قائمة بالصراعات المسلحة الداخلية التي يمكن تصنيفها حروبا أهلية، ومن ثم قارن أنماط هذه الصراعات واتجاهاتها بما توصّلت إليه الأدبيات. ونظر الباحث أيضًا في مسألة "استثنائية" الحروب الأهلية العربية، وأسباب استدامة هذا النوع من الصراعات المسلّحة وتكراره.
وتناول عميد كليّة الإدارة العامة واقتصاديات التنمية في معهد الدوحة حامد التجاني علي، في بحثه "أسباب الحروب الأهلية السودانيّة الطويلة الأمد"، وركز على الحالة في السودان الذي شهد صراعات مختلفة منذ استقلاله عام 1956، من ذلك، الحرب الأهلية مع جنوب السودان في الفترتين 1956-1972 و1983-2004، ونزاع دارفور في الفترة 2003-2018، وغيرهما. وتطرق إلى مجموعة من العوامل التي تقف وراء اندلاع الصراع واستمراريته في السودان، والمتعلقة بالهوية وانعدام المساواة الاقتصادية والإقصاء والتهميش.
وتعرّضَ الباحثان في المركز العربي مجد أبو عامر وهاني عواد، في ورقة عنوانها "ما تعنيه الحرب الأهلية وما لا تعنيه: خلاصات نظرية من حالات عربية"، إلى الفوضى المفهومية التي نتجت من خلاف الباحثين في تعريف هذه النزاعات؛ إذ أصبحَ مفهوم الحرب الأهلية يحيل إلى مفاهيم أخرى في العديد من الأحيان أو يختلط معها، ولحلّ هذه الإشكالية، اقترح الباحثان نموذجا نظريا معياريا يعيد مفهمة الحرب الأهلية على أنّها صراع مسلّح على الدولة الوطنية وضمن حدودها السيادية، يكون أحد أطراف هذه الحرب بالضرورة دولة ضعيفة الشرعية أو أجزاء منها، وذلك نتيجة فشل التسوية بينهما، وفشل الدولة في القضاء على الحركة الاجتماعية أو احتواء فاعليتها السياسية، وفشل الحركة الاجتماعية في تغيير الدولة.
واختتمت الجلسة الأولى بورقة قدمها الأستاذ في جامعة واسيدا في طوكيو عبد الله باعبود، عنوانها "تمرد ظفار المسلح: الأسباب والتداعيات"، وتناول فيها الدور الذي أدّاه تمرّد ظفار (1965-1976) في نشوء سلطنة عمان الحديثة، وكيف تحوّل ما بدأ تمردا قبليا صغيرا، قامت به جبهة تحرير ظفار ضد السلطان سعيد بن تيمور، إلى حركة إقليمية على نطاق أوسع تُعرّف نفسها بأنّها الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل. كما حاول باعبود موقعة التمرّد في سياقه الأوسع، بوصفه أطول وأكبر كفاح مسلّح شهدته شبه الجزيرة العربية من جهة، وآخر حرب استعمارية كلاسيكية في المنطقة من جهة أخرى، إضافةً إلى كونه أحد أبرز معالم الحرب الباردة في الشرق الأوسط.
وتتواصل أعمال المؤتمر حتى يوم الثلاثاء المقبل، ويعقد المشاركون جلسات عمل تتناول" النساء في الحروب الأهلية"، و"دور القوى الإقليمية معطّل، ضامن، أم وسيط تسوية؟"، و"الأجانب في الحروب الأهلية"، "والتداعيات الإنسانية والبيئية للحروب"، وغيرها من المواضيع المتعلقة بالحروب الأهلية في المنطقة العربية.