"دبلوماسية" بايدن.. من أوكرانيا إلى فيينا

17 فبراير 2022
بايدن رفع شعار "الدبلوماسية أولاً"(Getty)
+ الخط -

الشكوك والهواجس كثيرة في واشنطن بشأن الحل في ملفين، بالتحديد تجاه موسكو وطهران. لكن حسابات إدارة الرئيس جو بايدن في مكان آخر. فهي تتطلع إلى "الإنجاز" الموعود ومردوداته في الأزمتين لتقديمه كدليل على صوابية شعار الرئيس "الدبلوماسية أولاً" في التعامل مع النزاعات الدولية.

ويبدو أن الإشارات والوقائع تتوالى لصالح الحل الدبلوماسي في ملفي، الأزمة الأوكرانية ومفاوضات الاتفاق النووي. ساعد في ذلك تهيّب الكلفة من قِبل الأطراف المعنية وتزايد الضغوط المتعددة عليها. 

الحلحلة الأخيرة في أوكرانيا رغم اهتزازها، خففت من ثقل جوّ الأزمة في واشنطن. وتزامن ذلك مع شيء من إيحاء الإدارة بأن مفاوضات فيينا تقترب من "اختراق" وشيك.

في هذا الصدد، قالت وزارة الخارجية الأميركية، أمس الأربعاء، إنّ مفاوضات فيينا دخلت فترة الحسم الأخير ولم تعد سوى "مسألة أيام"، قبل أن يتبيّن موقف إيران لناحية ما إذا كانت "الإرادة السياسية" متوفرة لديها للعودة إلى اتفاق 2015. 

وهذه المرة الأولى التي يتحدث بها المتحدث الرسمي بلغة الأيام لا الأسابيع. كما هي المرة الأولى التي خلا فيها كلامه من لغة الملامة الموجهة إلى إيران وتحميلها مسؤولية المراوحة والتعثر. وكأن العدّ العكسي بدأ لنهاية المفاوضات. 

عزّز هذا الاعتقاد أن إسرائيل أرسلت مسؤول القسم الاستراتيجي في وزارة الخارجية، يوش زرقا، إلى فيينا، والذي أجرى اتصالات مع سائر أطراف التفاوض ما عدا الإيرانيين. كما التقى مع مدير الوكالة الدولية للطاقة النووية، رافائيل غروسي، حسب معلومات يبدو أنه جرى تمريرها عمداً إلى موقع "أكسيوس" الأميركي. 

والرسالة في ذلك أن الدولة العبرية تساورها شكوك من احتمال تقديم تنازلات أميركية في آخر لحظة لإيران.

وفي هذا السياق، يذكر أن بعض أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، كان قد أعرب عن "عدم الارتياح" لما سمعه عن المفاوضات، من المبعوث روبرت مالي خلال جلسة سرية تزامنت مع بدء الجولة الراهنة. 

مع ذلك وعلى الرغم من التحفظات الكثيرة على المسار التفاوضي، لا تبدو الإدارة الأميركية في وارد تحييد النظر عن غايتها الأساسية في تحقيق العودة إلى الاتفاق باعتبار أنّ ذلك لو جرى التوصل إليه، يكون بمثابة إنجاز هام لها، إذا لا لشيء فعلى الأقل لأنها تكون حسب زعمها، قد تمكنت من التغلب على تحديات كبيرة وعديدة تسبب بها انسحاب إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018 وبما أتاح الفرصة لإيران لتحقيق تقدم كبير في برنامجها النووي، كما دأبت أخيراً على ترداده. لكنها وجدت صعوبة في تسويق هذا التسويغ المسبق على ما يبدو، لاتفاق لا تتوفر فيه الشروط التي وعدت بها الإدارة لجهة أن يكون أقوى وأطول مدى.

أما على جبهة الأزمة مع موسكو فإنّ الإدارة تتطلع إلى جائزة أكبر، إذا تطورت الخطوات الدبلوماسية الأولى وانتهت إلى احتواء النزاع أو معالجة جذوره على المدى الأطول.

طبعاً، حتى الآن كفة الشكوك بنوايا موسكو ما زالت غالبة في واشنطن، والإدارة تواصل الحديث عن عدم جدية الروس وغياب أي مؤشرات لخفض التصعيد من جانبهم، بل هي تتهم موسكو بزيادة الحشود العسكرية وتعزيز جاهزيتها للاجتياح، خلافاً لما زعمته عن سحب بعض الوحدات. 

ومثل هذه النغمة وأكثر تتردد في الكونغرس والكثير من منابر الرأي وقراءات الخبراء والعسكريين السابقين الأميركيين. لكن مثل هذا الارتياب متوقع في هذا الطور من التحوّط والتحسب لمفاجآت الرئيس فلاديمير بوتين ومناوراته "المفخخة". فالأزمة وصلت إلى نقطتها الراهنة التي تبدو هشّة، بعد محاولات مكثفة ثمة من يرى أن الكرملين سعى إليها من خلال تشدده الذي ما كان أصلاً بنية الاجتياح بقدر ما كان وسيلة للوصول إلى ضمانات أمنية توقف زحف "الناتو " نحو حدود بلاده. 

حتى في واشنطن كان هناك تحذير من خطر تمدد الحلف. السناتور بيرني ساندرز على سبيل المثال، ربط، أمس، "جذور أزمة أوكرانيا" بهذا التمدد. سبقه إلى ذلك آخرون منهم وزير الدفاع السابق وليام بيري، ومدير الاستخبارات "سي آي إيه" الحالي وليام بيرنز، يوم كان في وزارة الخارجية عام 2008 وغيره.

وعلى أرضية مثل هذا التسليم المزمن بخطر توسيع حلف "الناتو" لا يستبعد أن تكون الأزمة الراهنة قد أدت إلى صحوة جرت ترجمتها بتقديم التزامات ولو مكتومة بوقف التمدد وبما يسحب الذرائع من يد موسكو، على أن يتكامل ذلك مع الدخول في محادثات جدية حول مسائل الحد من الأسلحة ومواضع نشرها وتواجد قوات "الناتو" في أوروبا الشرقية.

الإدارة الأميركية تطمح في الملفين، إلى شحنة زخم تحتاجه، البديل نكسة لا تتحملها. أزمة أوكرانيا حققت فيها بداية يمكنها تجييرها لحسابها وبما قد يساعدها في التعويض والتغطية على اتفاق مع إيران، يتوقع المراقبون أن يأتي منقوصاً إذا أعلنت ولادته. 

المساهمون