قال تقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، صباح اليوم الجمعة، إنّ إسرائيل فوجئت بالتصريحات الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن نيته تحسين العلاقات مع تل أبيب، وكذا كشفه عن اتصالات جارية لترتيب زيارة رسمية للرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، إلى أنقرة.
ولفت التقرير إلى أنّ وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، أجرى أمس الخميس، أول اتصال مع نظيره الإسرائيلي يئير لبيد، للاطمئنان على صحته، بعد إصابة الأخير بفيروس كورونا، موضحاً أنّ أردوغان والمحيطين به وجهوا أكثر من مرة رسائل علنية بشأن رغبتهم بتحسين العلاقات مع تل أبيب، لكن هذه الرسائل قوبلت حتى الآن بريبة وشكوك كبيرة من المستوى السياسي الإسرائيلي.
وقال مسؤول إسرائيلي مطلع على الاتصالات، تحدثت معه الصحيفة: "نحن حذرون"، قبل أن يضيف أنّ "إسرائيل لا ترفض إمكانية وخيار تحسين العلاقات، لكن هذه عملية بطيئة ومحسوبة". وعزت ذلك لكون تل أبيب تخشى بالأساس من "مزاجية شخصية أردوغان والتقلّب في مواقفه، وتأييده للفلسطينيين، ومن احتمال محاولته استخدام الورقة الإسرائيلية لتحسين وضع تركيا الاقتصادي ومكانتها الإقليمية".
ونقلت الصحيفة عن رئيس معهد "متافيم" للدراسات الإقليمية، نمرود غورن قوله: "يعمل الأتراك اليوم على تحسين علاقاتهم مع عدة دول في المنطقة بشكل متوازٍ، والعملية الأهم في هذا السياق بالنسبة لهم هي تحسين العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة. فهم يوقّعون على اتفاقيات مالية ضخمة، فيما يستثمر الإماراتيون في الاقتصاد التركي، وقد طُرحت أفكار لمشاريع ثلاثية تشمل تركيا وإسرائيل والإمارات، وهو ما من شأنه أن يزيد الفائدة التي تجنيها إسرائيل من تحسن علاقاتها مع تركيا وضمان عدم وجود معارضة حقيقية لذلك".
آفاق جديدة للصادرات التركية
وأشار التقرير إلى الاتفاق بين أردوغان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، أخيراً، بشأن استثمار الإمارات نحو 10 مليارات دولار في تركيا التي تعاني من مصاعب اقتصادية، واستثمار 5 مليارات أخرى في مجال تبادل العمل. وقد أعلن أردوغان نيته تحسين العلاقات مع كل من إسرائيل ومصر، لتطوير آفاق جديدة للصادرات التركية.
واستذكر التقرير التقلّبات في العلاقات التركية الإسرائيلية في العقد الأخير، وآخرها الخلافات بعد استشهاد 61 فلسطينياً في العام 2018 خلال التظاهرات في قطاع غزة، حيث غادر السفير التركي تل أبيب، فيما أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي، يئير لبيد (وكان في المعارضة يومها) في ذلك الوقت أنه "لا تصالح مع المعادين للسامية مثل أردوغان".
كما وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي نفتالي بينت، وكان أيضاً في المعارضة، أردوغان بأنّه "غارق بالإرهاب الحماسي"، ورغم إعادة السفيرين الإسرائيلي والتركي، إلا أنه لم يتم فعلياً رفع مستوى العلاقات بين الطرفين.
وبحسب التقرير، فإنّ أردوغان يبدو، في تصريحاته الأخيرة، أكثر "اعتدالاً" فيما يتعلق بالملف الفلسطيني الذي كان محور الخلافات والأزمات بين الطرفين.
ووفق غورن، فإنّ "الخلافات بين إسرائيل وتركيا في الشأن الفلسطيني ستبقى وتغذي التوتر في علاقاتهما طالما لا يوجد تقدّم في العملية السلمية"، لكنه استدرك بالقول إنّ "أردوغان يشير إلى إمكانية تطوير تعاون في قضايا ومجالات أخرى".
وعلى ضوء المواقف المعادية التي أدلى بها كل من لبيد وبينت بحق أردوغان، فإنّ الرئيس الإسرائيلي الحالي إسحاق هرتسوغ، يبدو الشخصية المحورية لتحسين العلاقات بين الطرفين، علماً بأنّ مسألة اعتقال الإسرائيلي موردي وزوجته نتالي أوكنين، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قبل الإفراج عنهما بتركيا شكّل فرصة أمام بينت لكسر جليد العلاقات بينه وبين أردوغان، حيث استغل بينت قضية الاعتقال للاتصال بأردوغان وشكره على الإفراج عن الإسرائيليين، بعد أن اتهما بداية بتصوير قصر ومقر إقامة أردوغان، في عملية تجسس أمنية.
وكان الاتصال الأول بين رئيس حكومة إسرائيلي وأردوغان منذ العام 2013 عندما أجرى رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، تحت ضغوط الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، اتصالاً بأردوغان اعتذر فيه عن جريمة قتل المتطوعين الأتراك على متن السفينة "مافي مرمرة"، التي كانت في طريقها إلى كسر الحصار عن غزة عام 2010، وأدت إلى أزمة وقطيعة بين الطرفين.
في المقابل، يرى غورن أنّ أردوغان، الذي أجرى عدة اتصالات بهرتسوغ، يرى في الأخير عاملاً ومنقذاً لتحسين العلاقات مع إسرائيل، إلا أنّ مسألة ترتيب زيارة لهرتسوغ إلى تركيا ما تزال عالقة وبعيدة عن إقرارها. وبحسب التقرير فإنّ هناك من يحذر من المزاج غير المتوقع لأردوغان الأمر الذي من شأنه أن يلغي الزيارة في اللحظة الأخيرة.
غياب الدافع لتحسين العلاقات
وبحسب غورن، فإنّ البرودة التي تبديها إسرائيل تجاه أردوغان وجهود تركيا لتحسين العلاقات، من شأنها أن تضر بالعلاقات بين الجانبين، وتؤدي إلى "ضياع الفرصة" خصوصاً وأنّ الأتراك يلمّحون منذ عام إلى رغبتهم واستعدادهم لتحسين العلاقات مع إسرائيل، لكن "الحكومة الإسرائيلية تفتقر لشخصية رفيعة المستوى تملك الدافع لتحسين العلاقات مع تركيا واتخاذ قرار حاسم بهذا الخصوص"، وفق المصدر ذاته.
في المقابل، تقول الصحيفة، في تقريرها، إنّ إسرائيل لا تريد أن يؤدي تحسين العلاقات مع تركيا إلى المسّ بعلاقاتها مع اليونان وقبرص.
ونقلت الصحيفة عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله إنّ الدول الثلاث (إسرائيل وقبرص واليونان) تعمل بتنسيق تام بشأن تسخين العلاقات مع تركيا. وأمس الخميس، وصل وزير الدفاع اليوناني نيكولاوس بانايوتوبولوس في زيارة إلى إسرائيل، وقد استغل نظيره الإسرائيلي بني غانتس، الفرصة للتأكيد على الالتزام الإسرائيلي تجاه اليونان والتعاون الأمني معها، وتوسيع هذا التعاون تحت كل الظروف والتطورات في المنطقة.