عادت أزمة نتائج الانتخابات العراقية إلى مربعها الأول بعد قرار الهيئة القضائية للانتخابات، أمس الاثنين، إعادة العد والفرز اليدويين لمحطات اقتراع مطعون بصحة نتائجها، وإلغاء أصوات مراكز انتخابية كاملة في عدد من المدن، وهو ما يعني بطبيعة الحال العودة لمرحلة العد والفرز والتدقيق مرة أخرى، وسط تأكيدات لقيادات وأعضاء بارزين في تحالف "الفتح" (الجناح السياسي للحشد الشعبي) أن مفوضية الانتخابات تتجه لإلغاء 18 في المائة من مجموع محطات الاقتراع، متحدثة عن تغيير جذري في النتائج الحالية.
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر رفيعة في بغداد، أمس الاثنين، أن مفوضية الانتخابات استدعت مجدداً مراقبين وممثلين عن كيانات سياسية وممثلين عن بعثة الأمم المتحدة، استعداداً لبدء فتح محطات الاقتراع التي تقررت إعادة عد أصواتها وفرزها يدوياً. وأعلنت المفوضية عصر أمس أنها قررت إعادة فتح 870 محطة انتخابية وعدّ أصواتها يدوياً، مشيرة إلى تغيير في نتائج الانتخابات. وكانت المفوضية قد سردت في بيان سابق أمس تفاصيل قانونية حول الطعون التي تم ردها وتلك التي قبلتها الهيئة القضائية. كما تحدثت عن 15 قراراً تم اعتمادها وترتب عليها "إعادة العد والفرز اليدويين للمحطات المطعون بها، وإلغاء نتائج بعض مراكز الاقتراع"،(المركز الواحد يضم 6 إلى 10 محطات انتخابية).
قررت المفوضية إعادة فتح 870 محطة انتخابية وعد أصواتها
وجاء بيان المفوضية بعد بيان لزعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، أمس الاثنين، تحدث فيه عن إلغاء نتائج 10 آلاف محطة انتخابية. ونقل البيان عن العامري قوله إن "قرارات الهيئة القضائية ببطلان (نتائج) بعض المحطات التي لم تغلق في الساعة السادسة (مساء يوم الاقتراع في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي) ستؤدي إلى بطلان نتائج أكثر من 6 آلاف محطة، كما ألغي ما يقارب 4 آلاف محطة بسبب وجود بصمات متكررة، ما يعني أن 10 آلاف محطة ستلغى، وهو رقم يشكل ما نسبته 18 في المائة من مجموع المحطات في العراق، التي يصل عددها الى 55 ألف محطة". ووصف العامري هذه الأرقام بأنها "كبيرة ومؤثرة، ومن شأنها أن تحدث فارقاً كبيراً وتغييراً جذرياً في نتائج الانتخابات".
يأتي ذلك في وقت حذر فيه زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر من ممارسة ضغوط على مفوضية الانتخابات، قائلاً في بيان له أول من أمس "ندين ونشجب كل الضغوط السياسية والأمنية التي تتعرض لها المفوضية، كما لا ينبغي التدخل في عمل القضاء والمحكمة وفي تصديقها على النتائج، التي يريد البعض تغييرها لمجاراة (الكتلة الأكبر)، وليتمكنوا من تعطيل (حكومة الأغلبية) التي استاؤوا من بوادر إشراقاتها".
من جهتها، كشفت مصادر سياسية عراقية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عما وصفته باتفاق يقضي بإعادة الهيئة القضائية التابعة لمفوضية الانتخابات اعتماد جميع الطعون المقدمة وتدقيقها، وإلغاء أصوات أي مركز انتخابي ظلّ يعمل بعد الساعة السادسة (وقت انتهاء التصويت)، وكذلك إلغاء نتائج المحطات التي ظهر فيها تباين بين نتائج الفرز الأولي الإلكتروني والفرز اليدوي، وذلك بشكل كامل وليس جزئي". وقال أحد هذه المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن التفاهم يعني إلغاء نتائج آلاف المحطات الانتخابية، وأغلبها في مناطق التنافس السياسي في جنوب العراق والعاصمة بغداد، وهو ما يعني بطبيعة الحال تأثر النتائج كثيراً، إذ إن أكثر من 40 دائرة انتخابية، من أصل 83 دائرة، اعتمد الفوز فيها بين مرشح وآخر على فارق تراوح بين 100 و500 صوت، ما يعني فوز مرشحين ونزول آخرين سبق أن تم الإعلان عن فوزهم في النتائج الأولية. وتوقع المصدر أن تأخذ الإجراءات الجديدة لمفوضية الانتخابات عدة أيام لعد وفرز أصوات المحطات الجديدة، ما يعني أن الموعد المفترض للإعلان عن النتائج قد يكون نهاية هذا الأسبوع.
في السياق، تحدث عضو التيار المدني العراقي أحمد حقي عن "الحلقة الأضعف في المعادلة الحالية، وهي المستقلون والمدنيون"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أن "أولى بوادر هذا الأمر هي الإعلان عن خسارة المرشح المستقل أمير المعموري في بابل، وصعود المرشح صادق مدلول بدلاً عنه. والأخير هو ضمن قوى تحالف الإطار التنسيقي الرافض نتائج الانتخابات الحالية". وأكد حقي أن "أي تسوية لإرضاء القوى الرافضة ستكون أسوأ بكثير من إلغاء الانتخابات بالكامل، لأن رسائل هذه التسوية ستكون زيادة قناعة الشارع بعدم جدوى عمليات الاقتراع التي تجرى وتنتهي بتسويات إرضائية لتقاسم الغنائم بين القوى الرئيسية".
أحمد حقي: الحلقة الأضعف في المعادلة الحالية هي المستقلون
من جهته، قال القيادي في تحالف "الفتح" طاهر الدراجي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "العد والفرز اليدويين كشفا الكثير من المشاكل"، واصفاً الانتخابات بأنها "متلاعب بها". وأضاف الدراجي أن "إلغاء نتائج المحطات الانتخابية المطعون بها والتي ثبت التلاعب بها وتمديد فترات التصويت فيها، وإلغاء الأوراق الانتخابية التي شهدت بصمات متكررة، سيؤديان إلى حل بعض المشاكل الفنية في الانتخابات، وقد ثبت نجاح هذا الأمر في دوائر انتخابية عدة".
في المقابل، اتهم عضو التيار الصدري عصام حسين قوى "الإطار التنسيقي" بأنها "تمارس حرباً نفسية، وتعمل على تسفيه الجهود الديمقراطية، وإشعار المواطنين بأن الانتخابات فوضى ولا جدوى منها". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أن "قرارات الهيئة القضائية التابعة لمفوضية الانتخابات مستغربة، وقد جاءت بسبب الضغط الحزبي على المفوضية، وهي تدل على إفلاس حزبي وسياسي كبير". ولفت حسين إلى أن "المتغيرات طفيفة على نتائج التيار الصدري، وتوجه الكتلة الصدرية لتشكيل حكومة الأغلبية ينتظر المصادقة على نتائج الانتخابات". واعتبر حسين أن "القوى الخاسرة تركت حالياً مطلب العد والفرز اليدويين، وتوجهت إلى طلب إلغاء نتائج المحطات، من أجل دفع التيار الصدري إلى التفاوض وتشكيل حكومة التسوية المرفوضة من قبل السيد مقتدى الصدر".
بدوره، اعتبر عضو الحزب الشيوعي العراقي، أيهم رشاد، أن "الصراع الحالي بسبب نتائج الانتخابات يؤكد أن الأحزاب تواصل الممارسات السياسية المصلحية ذاتها". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإطار التنسيقي يقوم بحراك للقفز على القوانين والأعراف الثابتة للعمل السياسي".
وكانت النتائج الأولية للانتخابات قد كشفت تصدر الكتلة الصدرية التابعة لمقتدى الصدر بـ74 مقعداً من أصل 329، فيما كان تحالف "الفتح" برئاسة العامري أبرز الخاسرين بحصوله على 16 مقعداً فقط، وذلك بعدما حلّ في انتخابات عام 2018 في المركز الثاني بحصوله وقتها على 48 مقعداً.