تدخل تونس مرحلة من الشك بشأن مصير ديمقراطيتها. ومع بلوغ الصراع بين المعارضة والسلطة حالة الجمود، حيث لا غالب واضحاً ولا مغلوب إلى حد الآن، تسيطر على البلاد حالة من الخوف من دخول مرحلة المجهول، خصوصاً أمام رفض الرئيس قيس سعيّد لأي حوار أو تنازل من أي نوع كان، وتوسيع دائرة الملاحقات والاعتقالات، وتضييق الحريات، واستفحال خطورة الوضع، الاقتصادي والاجتماعي.
غير أنّ نقاشاً يطرح منذ فترة بين صفوف المعارضة، شخصيات وأحزاباً، حول هذا الوضع وأسبابه، بمعنى محاولة إطلاق عملية جرد حساب لما مضى، ومحاولة استشراف القادم وفهم طبيعة المعركة.
ويطرح القيادي المستقيل من حركة "النهضة" محمد القوماني، في حديث لـ"العربي الجديد"، مجموعة من الأسئلة المهمة، من بينها: "لماذا لم تنجح النخب السياسية في الحفاظ على الحرية والديمقراطية التي جاءتهم على طبق من فضة في أعقاب ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، ولماذا تهاوت كل مكتسبات عشرية الانتقال الديمقراطي في أقل سنتين بعد 25 يوليو/ تموز 2021؟".
ويضيف، بشكل أكثر صراحة: "لماذا غدر أغلب الديمقراطيين بالديمقراطية؟ بينما دافع كل الطيف السياسي في تركيا عن ديمقراطيته وقت الانقلاب؟". ويتساءل القوماني عن "أسباب الجحود والنكران الذي أبداه الشعب تجاه الطبقة السياسية"، مرجحاً أن يكون "من أسباب ذلك عجز السياسيين عن الولوج إلى مشاكل الشعب الحقيقية".
وأمس الأحد، تحدث أحد مؤسسي "مواطنون ضد الانقلاب" حبيب بوعجيلة، عن خطاب إصلاحي قائم على عملية مزدوجة، النقد الذاتي لثغرات الانتقال واقتراح الحل، للإقناع بأن الديمقراطية حل وليست مشكلاً، يعني أنها تنافس سلمي مع نظام سلطة الأمر الواقع، لإبراز أن الحل عندنا (ديمقراطية الربيع التونسي) أحسن من حل الانقلاب (هيبة الدولة ومركزية السلطة).
ويوضح، في نص مطول نشره على صفحته في "فيسبوك"، أن "هذا تنافس حلّين نخوضه نحن كشارع ديمقراطي بطريقة سلمية عقلانية إصلاحية، وبجُمل هادئة أمام الشعب والرأي العام الوطني والدولي".
والحقيقة أنّ هناك نقاشاً واسعاً يدور حالياً في صفوف النخب التونسية عن طبيعة الصراع ومآلاته وكيفية إدارته. ولكن المشهد يتغير ويميل إلى توطين السلطة واعتبارها، دولياً بالخصوص، أمراً واقعاً ينبغي التعامل معه على هذا الأساس. وربما تفهم زيارة الثالوث الأوروبي، رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته، أمس الأحد في هذا الإطار، لأن الملفات الدولية لا تنتظر. ولكن السؤال الذي سيظل يلاحق أصدقاء تونس، العرب والأوروبيين والأميركيين وغيرهم، ماذا فعلتم مع الديمقراطية الوحيدة في المنطقة؟