بدأت تتكشَّف لائحة أسماء المدعى عليهم بانفجار مرفأ بيروت من قبل المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، الذي قرّر، بناءً على دراسة قانونية أجراها، استئناف مهامه رغم كفِّ يده مؤقتاً منذ ديسمبر/كانون الأول 2021، ورفع سقف المواجهة لخرق الجمود وكسر محاولات عرقلة التحقيقات.
وخرجت إلى العلن اليوم الثلاثاء، أسماء جديدة في خانة الادعاء، أُضيفت إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والمدير العام لجهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا، وهي: رئيس المجلس الأعلى للجمارك العميد أسعد الطفيلي، والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، والمحامي العام التمييزي القاضي غسان خوري، وعضو المجلس الأعلى للجمارك غراسيا القزي، والقاضيان كارلا شواح وجاد معلوف.
كذلك، تتضمن استدعاءات القاضي البيطار شخصيات سياسية وأمنية وعسكرية، أبرزها رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب، وزير الداخلية الأسبق نهاد المشنوق، قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، المدير العام السابق لمخابرات الجيش العميد كميل ضاهر، وآخرون.
وعيّن المحقق العدلي جلسة استجواب الوزير السابق النائب غازي زعيتر (ينتمي إلى حركة أمل بزعامة نبيه بري) المدعى عليه بالقضية، وأحد أبرز مقدمي طلبات ردّ البيطار، ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق في 6 فبراير/ شباط المقبل، وذلك في دعوى الحق العام بجرائم القتل والإيذاء والإحراق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي، والمعطوفة أيضاً على مواد قانونية متعلقة بالإخلال بالواجبات الوظيفية، وقام بتبليغهما لصقاً.
كذلك، عيّن المحقق العدلي جلسة لاستجواب رئيس الحكومة السابق حسان دياب في 8 فبراير/ شباط المقبل، لبيان دفاعه في الدعوى المقامة عليه من الحق العام بالجرائم نفسها المذكورة أعلاه، وقام بتبليغه بالموعد لصقاً.
وقالت أوساط أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت لـ"العربي الجديد"، إن الأهالي بصدد عقد لقاء، اليوم الثلاثاء، مع المحامين لمواكبة التطورات التي حصلت بالملف، وهم يعلمون تماماً أن محاولات الإطاحة بالقاضي البيطار ستتكرر، وكذلك لن يمثل المطلوب استجوابهم أمام القضاء كما رفضوا ذلك في السابق.
وأشارت إلى أن كل فريق معني بالقضية معروف سياسياً انتماؤه، لا سيما للمنظومة التقليدية، وبدأت محاولات الوقوف بوجه قرارات البيطار وتعطيل تنفيذها، سواء من النيابة العامة التمييزية التي سرّبت أنها لن تنفذ القرارات، وكذلك وزير العدل الذي أرسل مقتطفات قرار المحقق العدلي إلى مجلس القضاء الأعلى للاطلاع، ملوحاً بخرق البيطار سرية التحقيق، كما أن مجلس القضاء الأعلى يعاني أصلاً من انقسامات، وتجلى ذلك في الخلاف حول تعيين قاض بديل عن البيطار، مؤكدة أن الأهالي سيكونون بالمرصاد لكل أساليب عرقلة التحقيق.
في المقابل، يقول النائب في كتلة "الوفاء للمقاومة" (تمثل حزب الله برلمانياً) حسين جشي، لـ"العربي الجديد"، إن "ما يحصل اليوم زوبعة في فنجان، والقاضي البيطار مكشوف وضعه، وواضح للعيان الجو السياسي الذي يعمل فيه، ولا فرص له للنجاح".
ويشير جشي إلى أن "هناك تسييسا للقضية، وقضايا مفصلية لم تنكشف في التحقيق أو يتم التطرق إليها، منها كيفية دخول مواد نيترات الأمونيوم واستقرارها وبقائها في المرفأ، وكيف حصل الانفجار، وغيرها من النقاط، في حين ذهب البيطار للشق الأخير المرتكز على الإهمال، علماً أنه حتى في الإهمال هناك تسييس، باعتبار أن أكثر من وزير تعاقب على الوزارات المعنية، لكن المحقق العدلي لم يستدعِ الجميع".
تجدر الإشارة إلى أن الأسماء المطلوب استجوابها لم ترد للمرة الأولى في لائحة المحقق العدلي الذي اقترب كثيراً من إصدار قراره الاتهامي في القضية، بل سبق أن طلب الاستماع إليها والمثول أمامه في أكثر من جلسة حدّدها قبل كفّ يده مؤقتاً، بيد أن غالبيتها "تمرّدت" ورفضت المثول، بما في ذلك رئيس الحكومة السابق حسان دياب، الذي أصدر البيطار مذكرة إحضار بحقه.
وجرت مواجهة طلبات المحقق العدلي بطلبات لردّه ونقل الدعوى منه، وقد توسّعت رقعة الدعاوى لتطاول القضاة الذين تحال إليهم دعاوى رد البيطار، وقد استغل المدعى عليهم التعيينات القضائية المعلَّقة بفعل الصراع السياسي على المواقع لإطالة أمد تعليق مهام المحقق العدلي، كما ضغط "حزب الله" و"حركة أمل" لرحيل البيطار، من خلال تعليق جلسات الحكومة والتلويح باستقالة وزرائهما، ولجوئهما إلى الشارع، فكانت مواجهات مسلحة في منطقة الطيونة– بيروت في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 رفضاً لقرارات المحقق العدلي.
واتهم الثنائي "حزب القوات اللبنانية" (بزعامة سمير جعجع) بالوقوف وراء الأحداث، وتنفيذ كمين كان من شأنه أن يودي بالبلاد إلى حرب أهلية. كذلك، ضج قصر العدل في بيروت قبل أشهر، بقيام مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في "حزب الله"، وفيق صفا، بتهديد القاضي البيطار بـ"قبعه"، أي إزاحته عن الملف.
وسرّبت أمس أسماء موقوفين في الملف قرّر البيطار الموافقة على إخلاء سبيلهم، وهم شفيق مرعي المدير السابق للجمارك، سامي حسين مدير عمليات في مرفأ بيروت، متعهّد أعمال الصيانة في المرفأ سليم شبلي، المهندس ميشال نحول مدير المشاريع في إدارة المرفأ، إضافة إلى عامل سوري يدعى أحمد الرجب يعمل مع شبلي، مع الإشارة إلى أن القاضي البيطار سبق وأخلى سبيل عددٍ من الموقوفين في القضية قبل كف يده مؤقتاً وبقي 17 موقوفاً، لينخفض العدد إلى 12 في حال تنفيذ إخلاءات السبيل الجديدة.
وسارعت أوساط النيابة العامة التمييزية، التي باتت بدورها في مرمى الادعاء، وكانت اتهِمَت من قبل حقوقيين وأهالي ضحايا الانفجار بعرقلة التحقيقات، إلى التأكيد بأن قرارات القاضي البيطار لن تنفذ من جانبها، وستعبرها "كأنها لم تكن"، علماً أن المحقق العدلي ذكر في الدراسة القانونية التي استند إليها عدم حاجته للاستحصال على أذونات من أحد، وهو ماضٍ في إجراءاته وتحديد جلسات استجواب، الأمر الذي يشي بمواجهة قضائية مرتقبة.
وتُتهم السلطات السياسية في لبنان بعرقلة سير التحقيق في أحد أكبر الانفجارات غير النووية في تاريخ العالم، والذي تسبب بمقتل أكثر من 220 شخصاً، وإصابة ما يزيد عن 7 آلاف جريح وتشريد آلاف المواطنين، عدا عن الأضرار المادية الجسيمة التي طاولت الممتلكات.
ومن جهتها، حثت الولايات المتحدة الأميركية السلطات اللبنانية على استكمال التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت "المروّع"، وإجرائها بشكل سريع وشفاف.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، إن ضحايا انفجار الرابع من أغسطس/آب 2020 يستحقون العدالة، ويجب محاسبة المسؤولين.
.@StateDeptSpox: We support and urge Lebanese authorities to complete a swift and transparent investigation into the horrific explosion at the Port of Beirut.
— U.S. Embassy Beirut (@usembassybeirut) January 24, 2023
ووثقت منظمات دولية مجموعة من العيوب الإجرائية والمنهجية في التحقيق المحلي، بما في ذلك التدخل السياسي الصارخ، وحصانة مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى، وعدم احترام معايير المحاكمة العادلة، وانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة.
وقالت "هيومن رايتس ووتش"، في بيان سابق لها، إن سياسيين مشتبه بتورطهم بالقضية قدّموا 25 طلباً لإقالة القاضي البيطار الذي يقود التحقيق، وعزل غيره من القضاة المشرفين على القضية، مما تسبب في تعليق مجريات التحقيق مراراً وتكراراً أثناء الفصل في القضايا.
وأدت سلسلة من الطعون القانونية المقدمة ضد القاضي البيطار إلى تعليق التحقيق منذ 23 ديسمبر/كانون الأول 2021.