تتضارب المعطيات الصادرة من الساحة الليبية حول إمكان الخروج بحل سياسي ينهي الأزمة التي تمر بها البلاد منذ تعطّل المسار الدستوري وتأجيل الانتخابات التي كان مقرراً أن تحصل في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وفي ظل تنازع السلطة بين حكومتين.
ففي حين تتحدث معطيات عن جهود دولية لدفع حل للنزاع، بالتوازي مع انعقاد اجتماعات أعضاء لجنة المسار الدستوري في القاهرة، فإن تطوراً سلبياً برز من سرت أمس الأربعاء بموافقة البرلمان على ميزانية لحكومة فتحي باشاغا، بما قد يعمّق الخلاف مع حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة.
بديل لباشاغا والدبيبة؟
وفي سياق الجهود لحل الأزمة الليبية، قالت مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد" إن "الاتجاه هو نحو حل يقضي بتفاهمات تنهي وجود كل من الدبيبة وباشاغا في المشهد، في ظل قناعة لدى الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في ليبيا بأن الرجلين باتا يمثلان عبئاً وتحوّلا إلى عقبة في وجه الحل السياسي، خصوصاً بعد توسع كليهما في تأجيج حالة الاستقطاب والاعتماد على المليشيات غير المنضبطة"، على حد تعبير أحد المصادر.
وأكد المصدر أن "ما شهدته طرابلس أخيراً، من حالة انفلات متعلقة بالمليشيات المسلحة، عزز فكرة الحديث عن بديل يحظى بتوافق بين القوى الفاعلة والمؤثرة في المشهد الليبي".
وعلى صعيد الموقف التركي الداعم لحكومة الدبيبة، في ظل وجود قوات تركية في غرب ليبيا، قال مصدر غربي إن أنقرة "لا تنحاز للدبيبة بشكل مطلق، وهي في النهاية مع من يحافظ على مصالحها، ما يعني أن أنقرة لن تعارض أي حكومة أو شخصية ستحافظ على الخطوط العامة للمصالح التركية".
في غضون ذلك، قال مصدر دبلوماسي غربي آخر في القاهرة، إن الدبيبة "أبدى إمكانية تسليم السلطة إلى رئيس حكومة جديدة لا يكون باشاغا، على أن يكون مشاركاً في اختياره". واعتبر المصدر أن ذلك "بمثابة تطور كبير في الموقف، ربما يكون نتيجة الضغوط الدولية، وتوجّه تركي جديد بعدم مواصلة دعم شخص الدبيبة".
غير أن المتحدث الرسمي باسم حكومة الوحدة الوطنية، محمد حمودة، نفى لـ"العربي الجديد" وجود مقترح لتسليم السلطة، أو أن يكون قد تم عرضه على الدبيبة. وقال حمودة إن "رؤية حكومة الوحدة الوطنية لحل الأزمة الليبية واضحة، وهو توافق مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة حول قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات في أقرب وقت لإنهاء وجود كل الأجسام السياسية الحالية، بما فيها حكومة الوحدة الوطنية".
المتحدث باسم حكومة الدبيبة نفى تلقي مقترح لتسليم السلطة
لكن الدبلوماسي الغربي الذي تحدث لـ"العربي الجديد" قال إن "هناك شخصية ترددت كثيراً في أوساط متعددة معنية بالحل، وهو رئيس تكتل "إحياء ليبيا" عارف النايض، الذي قدّم أوراق ترشحه عقب فتح باب التقديم للانتخابات الرئاسية التي كان مقرراً لها نهاية ديسمبر الماضي، والذي شغل منصب سفير ليبيا لدى الإمارات".
وشهدت الأيام القليلة الماضية لقاءات بين النايض والمستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، ستيفاني وليامز، وكذلك مع السفير الأميركي والمبعوث الخاص لبلاده إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، تخللها التباحث حول آخر المستجدات في ليبيا مع قرب انتهاء الإطار الزمني لخريطة الطريق الحالية، وسبل استعادة زخم العملية الانتخابية، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة.
وأوضح الدبلوماسي الغربي أن "طرح النايض ربما يكون نتاج حالة التقارب الأخيرة بين الإمارات وتركيا، بخلاف تمتعه بعلاقات طيبة مع مصر"، لافتاً إلى أن "ما يعزز خيار حكومة جديدة برئاسة النايض هو عدم ارتباطه بعلاقات وطيدة بمراكز ثقل مع المكونات العسكرية في ليبيا سواء في الغرب أو الشرق، فيما علاقته بـ(قائد مليشيات شرق ليبيا) خليفة حفتر كانت عبر البوابة الإماراتية".
وفي إطار التهدئة وظهور بوادر انفراجة، أكد الدبيبة أن البلاد "لن تنزلق مجدداً إلى الاقتتال والحرب". وقال في مقابلة مع مجلة "جون أفريك" الفرنسية نشر أول من أمس إن "إجراء الانتخابات ممكن خلال شهرين إذا ما تم الاتفاق على قانون انتخابي".
وعن مرحلة ما بعد 21 يونيو/ حزيران الحالي، وهو موعد انتهاء خريطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة لحكومته، قال الدبيبة: "نحن جميعاً متأخرون عن الجدول الزمني، وننتظر أيضاً المجلس الأعلى للدولة والبرلمان، اللذين اجتمعا في القاهرة تحت رعاية المستشارة ستيفاني وليامز، لإنهاء مهامهما، حتى يمكننا التحضير للانتخابات".
واعتبر الدبيبة أن "المشكلة لا تكمن في الحكومة، بل في الصراع الدائر بين مجلسي النواب والأعلى للدولة وحتى لو تم تغيير الحكومة واستبدالها بحكومة فتحي باشاغا، فهذا لا يعني صدور قانون الانتخابات والقاعدة الدستورية"، على حد تعبيره.
مجلس النواب يدعم حكومة باشاغا
مقابل ذلك، كان مجلس النواب الليبي يعقد جلسة برئاسة عقيلة صالح في مدينة سرت أمس، أعلن بعدها المتحدث الرسمي باسم المجلس، عبد الله بليحق، في بيان على "فيسبوك"، إقرار ميزانية تجاوزت 89,6 مليار دينار ليبي (نحو 18,6 مليار دولار) لحكومة باشاغا، من دون أن يوضح عدد النواب المشاركين في الجلسة.
من جهته، أثنى صالح، في افتتاح جلسة البرلمان، على حكومة باشاغا، معتبراً إياها "الوحيدة القادرة على إزالة القوة القاهرة التي أدت لتعثر الانتخابات".
صالح: حكومة باشاغا الوحيدة القادرة على إزالة القوة القاهرة التي أدت لتعثر الانتخابات
وقال إن هذه الحكومة "لم تُشكّل في المنفى أو لغرض فرضها على الليبيين قصراً، بل شُكّلت ومُنحت الثقة تحت قبة مجلس النواب، وبناء على توافق ليبي-ليبي، ولا يحق لأحد الاعتراض عليها". وحذر مخالفي الحكومة بتحمّل نتيجة أفعالهم قانونياً وأخلاقياً ووطنياً.
وحضر الجلسة عدد من أعضاء المجلس الأعلى للدولة الداعمين لباشاغا، كانوا قد التقوه يوم الثلاثاء، في مقر حكومته المؤقت في سرت، لمناقشة تطورات المشهد السياسي في البلاد.
كما كان عدد من النواب الممثلين لمجلس النواب في المفاوضات الدستورية المنعقدة في القاهرة، قد غادروا إلى مدينة سرت، للمشاركة في جلسة أمس، وهو ما أكدته عضو اللجنة عن مجلس النواب، أسماء الخوجة، لـ"العربي الجديد". وأوضحت الخوجة أن هؤلاء سيعودون إلى القاهرة نهاية اليوم (أمس) لاستئناف اجتماعات اللجنة اليوم الخميس.