أصدرت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، الأحد الماضي، الحكم في القضية رقم 1552 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا، المعروفة إعلامياً بـ"قضية أعضاء التنسيقية المصرية للحقوق والحريات" (تهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية وتمويلها)، وتراوحت الأحكام بين خمس سنوات حتى السجن المؤبد، حيث حُكم بالسجن 5 سنوات على الحقوقية هدى عبد المنعم، و10 سنوات على عائشة خيرت الشاطر وسمية ناصف، و15 سنة على المدير التنفيذي للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، عزت غنيم، والمحامين الحقوقيين محمد أبو هريرة وطارق السلكاوي، وبالمؤبد على عدد آخر من المدانين بالقضية.
ومحكمة أمن الدولة العليا طوارئ هي محكمة استثنائية، ليس فيها أي درجات للتقاضي من تقديم الطعون والاستئنافات والنقض كما في المحاكم العادية، وتصبح أحكامها نهائية ونافذة بمجرد تصديق رئيس الجمهورية عليها، ولا يحق للمتهمين سوى تقديم تظلم إلى الحاكم العسكري، الذي قد يقبل التظلم أو يرفضه.
محكمة أمن الدولة العليا طوارئ هي محكمة استثنائية، لا تقبل الطعون
ولم يعد أمام المحكوم عليهم إلا تقديم التماس للحاكم العسكري، أو عدم تصديق رئيس الجمهورية (عبد الفتاح السيسي) على الحكم وإصدار عفو عنهم، وهو ما يروج له البعض من وقت لآخر في مثل هذه القضايا.
وبعد ساعات قليلة من الحكم القضائي، أعلن الشاعر جلال البحيري، في رسالة مسرّبة من سجن بدر 1، إضرابه عن الطعام، احتجاجاً على إتمامه 5 سنوات في السجن. وذكر البحيري: "النهارده اخترت إني أمارس حقي الدستوري والآدمي في الاعتراض على هذا الوضع غير الآدمي، بالإضراب مبدئياً عن الطعام دون الشراب، وعن علاج القلب وأقراص الاكتئاب، وتدريجياً بالامتناع حتى عن الشراب، وسيستمر الإضراب لحد ما أسترد حريتي بالخروج حي أو مش حي!".
تدوير المعتقلين مستمر
كما تم تدوير الناشط السياسي، عضو حركة 6 أبريل، محمد عادل، يوم السبت الماضي، على ذمة القضية رقم 2981 لسنة 2023، وإحالته للمحاكمة، وهي القضية الرابعة التي يتم التحقيق فيها مع عادل خلال 4 سنوات و8 أشهر، هي مدة حبسه الاحتياطي. مع العلم أنه طوال الشهور الماضية، تلقت حركة 6 أبريل وعوداً أمنية بالإفراج عن عادل، بحسب ما أعلنت زوجته رفيدة حمدي، وما صرحت به مصادر داخل الحركة لـ"العربي الجديد"، لكنهم صدموا بإحالة الناشط السياسي للمحاكمة على ذمة قضية جديدة.
وجاءت هذه الأحكام والتطورات فيما تروج أجهزة في الدولة المصرية أخيراً لتوجهاتها بالإصلاح السياسي عن طريق "الحوار الوطني"، وفي ظل انتظار القوى السياسية للإعلان عن موعد انطلاقه رسمياً. كما يرسل النظام مؤشرات عن جديته في الإصلاح السياسي. وأخيراً، أعلن عضو لجنة العفو الرئاسي، طارق الخولي، قرب إخلاء سبيل دفعة جديدة من المحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا سياسية. وفي السياق ذاته، أعلن المحامي الحقوقي وعضو لجنة الحوار الوطني، نجاد البرعي، قبل أيام، "قرب الإفراج عن عدد من المسجونين، من بينهم الناشط السياسي أحمد دومة".
مصر... الحوار الحقيقي غائب
ويقول الناشط السياسي، رامي شعث، لـ"العربي الجديد"، إن "الأحكام بحق التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، ظالمة ولا علاقة لها بالقانون، وتؤكد على استمرار نهج إهدار القضاء، واعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان بلا محاكمات حقيقية وبلا منطق".
ويرى شعث أن مصر تشهد استمراراً للاستبداد والقمع والانتهاكات داخل السجون، "الأمر الذي أدى إلى حالات انتحار داخل سجن بدر 3، وإلى فقدان المعتقلين للأمل في الحياة، وإلى دخول جلال البحيري في إضراب عن الطعام، بعدما فقد الأمل في أي قدر من العدل لإنهاء مأساته ومأساة آلاف المعتقلين".
الشاعر جلال البحيري باشر إضراباً عن الطعام احتجاجاً على إتمامه 5 سنوات في السجن
ويضيف شعث: "هذه الأحكام رسالة واضحة إلى النخب السياسية والنشطاء والأحزاب السياسية التي تتعامل مع ما يُدعى حوار وطني، فلا وجود لحوار حقيقي مع استمرار الاستبداد، كما أنها رسالة للمدافعين عن حقوق الإنسان، أنهم معرضون لخطر ومصير أعضاء التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، كذلك رسالة ترهيب للمجتمع المصري، ودليل على اقتران القمع والدموية بوجود هذا النظام، واقتران الفشل السياسي والاقتصادي والإفلاس والإفقار باستمرار النظام الحالي".
وبرأي شعث، فإنه "لا يمكن أن يوجد حوار وطني حقيقي في ظل استمرار سجن عشرات الآلاف من المعتقلين، يجب فوراً الإفراج عنهم، والتمسك بإنهاء السياسات القمعية قبل الحديث عن أي حوار مستقبلي".
بدوره، يقول الصحافي حسام الصياد، إنه لا يؤمن بجدية الحوار الوطني وما سيسفر عنه، ويعتقد بأنه "لا توجد إرادة سياسية حقيقية لدى السلطة لتصحيح الجرائم التي ترتكبها في ملف المعتقلين".
ويصف الصياد ما حدث مع أعضاء التنسيقية بـ"النمط المتكرر الذي يستخدمه النظام المصري منذ ما يقارب 8 سنوات، وهو منح الوعود بانفراجة سياسية وشيكة، وتصدير الشعور بأن الملف السياسي في طور الحل، ثم الإفراج عن عدد قليل من السجناء، من بينهم أسماء بارزة، وبعد ذلك يتم إصدار أحكام مجحفة في حق مجموعات أخرى، ثم التلاعب بوهم العفو الرئاسي عن المتهمين".
وبرأيه، فإنه "بدا واضحاً للجميع أن السيناريو متكرر ومحفوظ، وبعيد عن إمكانية تحقق العفو الرئاسي على أعضاء التنسيقية، غير أن هذا السلوك ينطوي على إجابة عن سؤال كيف يرى عبد الفتاح السيسي نفسه؟ هو الآمر الناهي، جامع كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية".
ويعتقد الصياد أن "لهذا الحكم تأثيرا كارثيا على المشهد العام في مصر، فهو انسداد أكبر لأي طريق لحل أزمات الوضع السياسي المصري، كما أنه فضح كل الأكاذيب التي يروّج لها النظام عن تحسين وضع حقوق الإنسان في مصر، والانفراجة السياسية المزعومة"، على حد قوله.
ويعتبر الصياد أن "الرسالة الأساسية التي يصدرها النظام المصري في هذه الحالة، وكما في حالات سابقة مثل طريقة التعامل مع قضية الناشط السياسي علاء عبد الفتاح، هي أن النظام المصري لا ينصاع للضغوط الخارجية، وأن القضاء كأي مؤسسة أخرى داخل البلاد، يقع تحت سيطرة الأجهزة الأمنية وأهوائها".