شرع الجانب التركي في تنفيذ خطة وضعها أخيراً لإعادة هيكلة الجيش الوطني السوري المعارض في شمال سورية، والذي طالما عانى من التناحر الفصائلي، ما أدى إلى تفجر خلافات دامية بين فصائل المعارضة، وهو ما استدعى تدخّل أنقرة.
خطوة أولى لترتيب أوضاع الجيش الوطني
وعيّن وزير الدفاع في "الحكومة السورية المؤقتة" التابعة للمعارضة السورية، العميد الطيّار حسن حمادة، أول من أمس السبت، فهيم عيسى، قائداً لـ"الفيلق الثاني" في الجيش الوطني، في خطوة أولى لترتيب الأوضاع داخل الفيالق الثلاثة في هذا الجيش.
ويتحدر عيسى، وهو قائد لفرقة "السلطان مراد"، من بلدة الراعي ذات الغالبية التركمانية من السكّان وتقع على الحدود السورية التركية. وزار وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، أمس الأحد، المنطقة الصناعية في بلدة الراعي.
وذكرت مصادر في الجيش الوطني، لـ"العربي الجديد"، أن الفيلق الثاني "أعاد السبت فصيلي فرقة السلطان سليمان شاه المعروفة بـ"العمشات"، وفرقة "الحمزة" المعروفة بـ"الحمزات"، إلى صفوفه، بعد أكثر من عام على فصلهما من الفيلق". وبيّنت المصادر أن "حركة التحرير والبناء" التي تضم فصائل "أحرار الشرقية" و"جيش الشرقية"، و"الفرقة 20"، و"صقور الشام" (قطاع الشمال)، بدأت بحلّ نفسها، تنفيذاً للخطة التركية التي عُرضت على فصائل المعارضة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الحالي في اجتماع عقد في مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا.
بدأت بعض الفصائل بحلّ نفسها تنفيذاً للخطة التركية
وأشارت المصادر إلى أن فصائل وتشكيلات المعارضة بصدد حلّ أجهزتها الأمنية لتشكيل جهاز أمني واحد يرتبط بوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة التي من المتوقع، وفق الخطة التركية، أن يكون لها سلطة اتخاذ القرار في الشمال السوري. وأكدت أن فصائل المعارضة بدأت بتسليم المحتجزين لديها إلى جهاز الشرطة العسكرية التابع للجيش الوطني.
وكان الجانب التركي قد طالب فصائل المعارضة بـ"إفراغ وإلغاء جميع حواجز المنطقة وتسليمها إلى الشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني"، إضافة إلى "تسليم جميع المعابر من أجل إدارتها من فريق عمل اقتصادي متفق عليه، وتوحيدها مالياً في صندوق واحد". وطالب بـ"حلّ جميع الأجهزة الأمنية ضمن الفصائل، وإنشاء جهاز أمني واحد لكل المنطقة، وإغلاق جميع السجون التابعة لهذه الفصائل في الشمال، وإنهاء جميع التشكيلات العسكرية الموجودة حالياً، وحلّ الفصائل الصغيرة، والالتزام بالعمل فقط ضمن الفيالق العسكرية الثلاثة".
ولوّح الجانب التركي بفرض عقوبات على قادة الفصائل في الشمال السوري، في حال عدم الالتزام بالخطة التي تهدف إلى تشكيل مرجعية عسكرية واحدة لها، للحد من الفوضى في المناطق التي تقع ضمن نفوذ أنقرة في شمال سورية، سواء غربي الفرات أو شرقه.
تطورات إيجابية في الشمال السوري
وجاء التحرك التركي إثر خلاف بين فصائل المعارضة في ريف حلب الشمالي الشهر الماضي، والذي استغلته "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) لتتقدم وتسيطر على منطقة عفرين شمال غربي سورية بمساعدة وتسهيل من بعض فصائل المعارضة. وكادت الهيئة تطيح بفصائل المعارضة في المنطقة، لولا التدخّل التركي الذي أجبر الهيئة على التراجع إلى مواقعها في شمال غربي سورية.
وقال الفاروق أبو بكر، وهو قيادي في فصائل المعارضة في شمال سورية، لـ"العربي الجديد"، إن "الأيام القليلة المقبلة ستشهد إلغاء المسميات الفصائلية، وإعادة تفعيل فيالق الجيش الوطني الثلاثة، وإصلاح بعض الأخطاء الموجودة في المؤسسات، ورفع رواتب المقاتلين في هذا الجيش". كما أشار إلى أنه "سيجري إلغاء المكاتب الأمنية في الفصائل وتوجيه نشاطها إلى ملف الإرهاب فقط". ومن شأن هذه الخطوات، برأيه، ضبط المنطقة، والإسهام في الحد من الوضع المعيشي السيئ وتنظيم المؤسسات". وأعرب عن اعتقاده بأن الشمال السوري "مقبل على تطورات إيجابية".
وفي السياق، أشار هشام اسكيف، من مكتب العلاقات في الفيلق الثالث التابع للجيش الوطني، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى "أننا نتجه إلى مرحلة جديدة في تنظيم الجيش الوطني وتطويره للتخلص من الحالة الفصائلية، ليقترب أكثر من كونه مؤسسة عسكرية في الشمال"، معتبراً أن "إعادة ترتيب صفوف الفيالق تشكّل بداية مرحلة مهمة".
ويضم الجيش الوطني السوري المعارض، الذي كان تأسس بدعم تركي أوائل عام 2017، وفُعّل أواخر عام 2019 من خلال اندماج "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضم فصائل المعارضة في محافظة إدلب مع هذا الجيش، ثلاثة فيالق، هي: الأول، والثاني، والثالث. ويضم الفيلق الأول: جيش الشرقية، وأحرار الشرقية، والفرقة 20، وصقور الشام قطاع الشمال، وجيش النخبة، وفرقة سمرقند، ولواء الفاتح، ولواء الوقاص، واللواء 113.
طالبت أنقرة بالعمل فقط ضمن الفيالق العسكرية الثلاثة
بينما يضم الفيلق الثاني: فرقة السلطان مراد، وفرقة المعتصم، وفرقة الحمزة، وفرقة السلطان سليمان شاه، وفيلق الرحمن، والفرقة التاسعة، ولواء الشمال، واللواء 112، وفيلق الشام قطاع الشمال، ولواء ثوار الشام، وفرقة المنتصر بالله، ولواء صقور الشمال، وفرقة ملكشاه، وجيش المجد. أما الفيلق الثالث فيضم: الجبهة الشامية، وجيش الإسلام، وفيلق المجد، والفرقة 51، ولواء السلام.
وأشار الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات وائل علوان، وهو المواكب للمشهد الفصائلي في الشمال السوري، إلى أن "طبيعة الهيكلة للجيش الوطني لم تتضح معالمها كاملة بعد"، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، إلى أنها "تهدف إلى تنظيم جميع فصائل الجيش الوطني ضمن فيالق تابعة لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، بعيداً عن فوضى التجمعات التي حصلت خلال الأشهر الماضية".
وانبثقت عن الجيش الوطني تشكيلات عسكرية عدة، ما أدى إلى إضعاف دور هذا الجيش وفشله في القضاء على ظاهرة التناحر الفصائلي التي تدفع باستمرار إلى صدامات دامية من أجل النفوذ في منطقة محدودة الموارد ومكتظة بالسكان. وأبرز التشكيلات التي من المتوقع أن تختفي وفقاً للخطة التركية: حركة البناء والتحرير، وهيئة ثائرون للتحرير، وغرفة عمليات عزم.
ويسيطر الجيش الوطني على منطقة "درع الفرات" في ريفي حلب الشمالي والشمالي الشرقي، والتي تضم العديد من المدن والبلدات، أبرزها الباب وجرابلس ومارع. كما ينتشر في مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي، وعلى منطقة "غصن الزيتون" التي تضم منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية، وتحتضن عشرات الآلاف من النازحين والمهجرين. وفي شرقي نهر الفرات، يسيطر الجيش الوطني على شريط حدودي بطول 100 كيلومتر، وبعمق 33 كيلومتراً، وهو ما بات يُعرف بـ"منطقة نبع السلام" والتي تضم منطقتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي.