وسط غموض يلف جلسة كانت مقررة في وقت سابق للبرلمان العراقي، يوم غد السبت، أغلقت قوات الأمن العراقية بوابات المنطقة الخضراء بشكل كامل مع إضافة المزيد من الكتل الإسمنتية والعوارض الحديدية بمحيطها، وذلك بالتزامن مع صدور إشارات لأعضاء وقيادات بالتيار الصدري بإمكانية اقتحام المنطقة مرة أخرى، في حال أقدم البرلمان على عقد جلسة جديدة لتمرير منصب رئاسة الجمهورية، والذي يتولى بدوره وفقاً للدستور النافذ في البلاد تكليف مرشح "الإطار التنسيقي" محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة.
وعقب اجتماع عقده رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي استمر حتى ساعة متأخرة من مساء الخميس، مع عدد من القيادات الأمنية في العاصمة بغداد، شوهدت شاحنات ضخمة تقوم بنقل كتل إسمنتية وأسلاك شائكة وإنزالها بمحيط المنطقة الخضراء، قبل أن تبدأ قوات أخرى مع رافعات كبيرة بإغلاق مداخل المنطقة الخضراء بشكل كامل، إلى جانب إغلاق جسر "السنك" المؤدي إلى المنطقة الخضراء على نهر دجلة.
وقال مسؤول أمني رفيع في بغداد لـ"العربي الجديد"، إنه تم الإبقاء على باب واحد من جهة الجسر المعلّق، وتم تجهيز قوات الأمن بسيارات رش المياه لتفريق المتظاهرين وتجهيزها أيضاً بقنابل مسيلة للدموع تحسباً من محاولات اقتحام المنطقة مرة أخرى.
وأضاف أن الخطة الجديدة شملت أيضاً تعزيز أمن البعثات الدبلوماسية الأجنبية والمؤسسات الحكومية داخل المنطقة الخضراء، كإجراءات أمنية إضافية في حال تم اقتحام المنطقة مرة أخرى.
وأصدر قادة التيار الصدري في بغداد عدة إشارات فهم منها عزمهم على اقتحام المنطقة الخضراء، السبت، في حال تم عقد الجلسة، كانت أبرزها للقيادي البارز في التيار حازم الأعرجي، الذي كتب عبارة "السبت جاهزون".
كما توعد مدير مكتب الصدر في بغداد إبراهيم الموسوي بعبارة "أليس السبت بقريب". كما تبنت منصات على مواقع التواصل الاجتماعي يديرها ناشطون وأعضاء في التيار الصدري، توجيه دعوات للاستعداد لاقتحام المنطقة الخضراء في حال تم عقد جلسة للبرلمان يوم غد السبت.
في هذه الأجواء، أكدت مصادر في البرلمان العراقي ضمن الدائرة القانونية له، اليوم الجمعة، عدم وجود أي قرار بعقد جلسة يوم غد السبت، وقال مسؤول فيها باتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنهم لم يتلقوا لغاية الآن أي توجيهات بالتحضير لعقد جلسة للبرلمان.
في هذه الأثناء، أعلن تحالف "السيادة"، الممثل السياسي عن العرب السنة في العراق، أنه لن يحضر جلسة البرلمان المقبلة ما لم يتم التفاهم على مطالب جماهيره وحلفائه في الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، وكذلك التيار الصدري.
وقال بيان للتحالف إن زعيم التحالف الشيخ خميس الخنجر أبلغ "تحالف الإطار التنسيقي ممثلاً بنوري المالكي والحضور أن تحالف السيادة لن يحضر جلسة البرلمان المقبلة إلا بعد اتفاق ملزم وتوقيع رسمي على ورقة تحالف السيادة لضمان حقوق جمهوره ومطالبهم، وبعد التوافق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وضمان استحقاقاته السياسية"، وأكد البيان على "ضرورة إيجاد تفاهم وطني شامل قبل الدخول في أي تفصيلات تتعلق بالحكومة القادمة"، كما أكد على "ضرورة مبادرة الإطار التنسيقي بخطوات حقيقية لإثبات حسن النوايا مع الجميع، واحترام توجهات التيار الصدري، وأن منطق التفرّد لن يجلب للعراق إلا المزيد من عدم الاستقرار والفوضى".
وفي هذا السياق، قال نائب في البرلمان العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني لـ"العربي الجديد"، إن هناك تنسيق مواقف عالياً بين تحالف السيادة وحزبه في ما يتعلق بجلسة البرلمان المقبلة، مضيفا أن "التحول لثلث معطل لمنع تمرير أي حكومة أو رئيس جمهورية رغم رغبة الطرفين (تحالف السيادة والديمقراطي الكردستاني) هو خيار مطروح حالياً بقوة".
وتابع طالباً عدم ذكر اسمه، أن "الإطار التنسيقي يفتقد لوجود ضامن لأي تعهدات سيقطعها لنا، وهناك تاريخ لدى قادته في النكث بالوعود، لذلك لا يمكن التعويل على أي اتفاقات معه يمكن أن ينقلب عليها بعد تمكنه من تمرير الحكومة التي يريدها".
وكان تحالف "الإطار التنسيقي"، الذي يضم القوى الحليفة لإيران، قد أعلن، أمس الخميس، عن تشكيل فريق تفاوضي للتباحث مع القوى السياسية بخصوص تشكيل الحكومة.
وذكر في بيان أن "الإطار التنسيقي شكّل فريقاً تفاوضياً للتباحث مع جميع القوى السياسية بخصوص تشكيل الحكومة وإكمال الاستحقاقات الدستورية"، مضيفاً أن "الفريق سيبدأ جولاته الحوارية الجمعة".
في السياق ذاته، انتقد القيادي في التحالف ذاته عمار الحكيم نزول أنصار التيار الصدري إلى الشارع واقتحامهم مبنى البرلمان في المنطقة الخضراء، معتبراً أنها تجاوزت "الإطار القانوني".
وأكد أن "الإطار التنسيقي أجمع على مرشحه محمد شياع السوداني، وأعلن ذلك وسيمضي بخطوات تشكيل الحكومة، وأن الموضوع الآن يتركز في الساحة الكردية للاتفاق على مرشح لرئاسة الجمهورية". وتابع الحكيم أن "التيار الصدري لديه وجهة نظر بمرشحي الإطار، قد يعترض على أي مرشح آخر إن تم تغيير السوداني. ومن غير المعقول أن نغير مرشحنا كلما خرجت تظاهرة، لا سيما أن الساحة العراقية شهدت الكثير من التظاهرات سابقاً".
ومنذ أكثر من تسعة أشهر تتواصل واحدة من أعقد الأزمات السياسية في العراق، عقب إجراء الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، والتي أفرزت نتائج غير تقليدية لتوزيع القوى السياسية داخل البرلمان.
وحلّ التيار الصدري أولاً في نتائج الانتخابات، وهو ما اعترضت عليه معظم القوى المدعومة من إيران، والتي اعتصم أنصارها أمام المنطقة الخضراء في بغداد، وعطلّ نوابها استحقاقات أساسية في البرلمان، ليطلب الصدر من نوابه الاستقالة، في محاولة لإنهاء حال الانسداد السياسي.