وقعت منطقة شرقي نهر الفرات في شمال شرقي سورية، تحت وطأة حصار جزئي، بعد إغلاق معابر تربطها مع مناطق النظام السوري، وإغلاق قيادة إقليم كردستان العراق لمعبر، يعد البوابة الأهم بين هذه المنطقة والعالم، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ويعمّق الحالة المعيشية الصعبة لملايين السوريين في شرقي الفرات.
وأغلقت قوات النظام السوري، الأربعاء الماضي، معبر الطبقة في ريف الرقة الغربي، الذي يربط بين مناطق سيطرة هذا النظام والشمال الشرقي من سورية الخاضع لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، في خطوة لا تعكس توتراً سياسياً بين الطرفين، بحسب مصدر مقرب من "قسد".
ولم يستبعد المصدر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تكون الخلافات بين مليشيات قوات النظام على تقاسم الإتاوات سبباً إضافياً في إغلاق المعبر، متوقعاً أن يعود للعمل في أي لحظة.
إغلاق إقليم كردستان العراق لمعبر سيمالكا سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الأدوية بشكل كبير
كما أغلقت قوات النظام معبراً آخر، وهو معبر السبخة في ريف الرقة الشرقي، الذي يربط محافظة الرقة، التي يقع أغلبها تحت سيطرة "قسد"، مع محافظة دير الزور في شرقي سورية.
معبر سيمالكا شريان رئيسي لـ"الإدارة الذاتية"
وتزامن هذا الإغلاق من جانب النظام مع إغلاق إقليم كردستان العراق لمعبر سيمالكا غير النظامي، الذي يربط مناطق سيطرة "قسد" مع الإقليم، الذي أقدم على هذه الخطوة بعد محاولة تنظيم "الشبيبة الثورية"، التابع لحزب "الاتحاد الديمقراطي"، اقتحام بوابة المعبر، والاعتداء على الموظفين في الجانب العراقي.
ولفت المحلل الاقتصادي يونس الكريم، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن معبر سيمالكا "يعتبر الشريان الرئيسي للإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية". وأضاف: "من خلاله تصدّر الإدارة الذاتية وتستورد السلع والمواد الغذائية".
وبيّن أن إغلاق هذا المعبر "سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الأدوية بشكل كبير، فالحصول عليها يتم عبر هذا المعبر"، مضيفاً: "ربما نشهد أزمة غذائية، خصوصاً أن النظام أغلق هو الآخر معابره من دون سبب واضح، وهو سيضاعف من معاناة الناس".
وأشار الكريم إلى أن "إغلاق معبر سيمالكا سينعكس سلباً على المرضى والمصابين"، مضيفاً: "كانت الإدارة ترسل الحالات الصعبة بين المرضى إلى مشافٍ في إقليم كردستان العراق".
بعد سياسي لإغلاق المعابر
ورأى الكريم أن لإغلاق المعابر بعداً سياسياً واضحاً. وقال: "هذا الأمر يضعف موقف الإدارة الذاتية في المفاوضات مع النظام السوري، ويجبرها على تقديم تنازلات، وهذا يعد كارثة على المعارضة السورية بشكل عام".
وأشار إلى أنه "يجب على المعارضة استغلال إغلاق المعابر، خصوصاً سيمالكا، لفتح حوار حقيقي مع الإدارة الذاتية لتحصيل مكاسب سياسية منها. هناك الآن تياران في الإدارة الذاتية، الأول يقوده قائد "قسد" مظلوم عبدي، لديه ميل واضح نحو المعارضة، والثاني يدفع باتجاه التفاهم مع النظام". واعتبر أن على المعارضة المبادرة لدعم التيار الأول وتقويته.
وتسيطر "قسد"، التي تتبع لها "الإدارة الذاتية"، على جل منطقة شرقي الفرات التي ترتبط بحدود دولية مع العراق وتركيا، وعلى مناطق في غربي نهر الفرات، أبرزها مدينة منبج وريفها في ريف حلب الشمالي الشرقي.
وعلى الجانب التركي لا توجد أي معابر حدودية، ما خلا تلك التي تربط منطقتي رأس العين وتل أبيض، الخاضعتين للنفوذ التركي وتسيطر عليهما فصائل المعارضة السورية، ما يعني أن منطقة شرقي نهر الفرات محاصرة من الشمال بشكل كامل.
وعلى الجانب العراقي لا يوجد سوى معبر سيمالكا غير النظامي والمغلق حالياً، إضافة إلى معبر الوليد النظامي، والذي يستخدمه التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، لإدخال الأسلحة والإمدادات لقواعده في شمال شرقي سورية.
وتأسس معبر سيمالكا في 2012، وجرى مد جسر حديدي على نهر دجلة يُستخدم لمرور المسافرين، وإدخال أو اخراج البضائع والمواد الغذائية، كما يستخدم لنقل النفط الخام من سورية إلى العراق. وكان معبر الوليد يستخدم لإدخال المساعدات الدولية إلى الشمال الشرقي من سورية منذ العام 2014، لكنه أغلق في 2020 بسبب الاعتراض الروسي.
معابر بين مناطق "قسد" والمعارضة السورية
وفي غربي نهر الفرات، هناك أكثر من معبر يربط بين مناطق "قسد" و"الجيش الوطني"، التابع للمعارضة السورية، أبرزها معبر عون الدادات، ومعبر الحمران الذي تمر من خلاله المحروقات والنفط الخام من شرقي نهر الفرات إلى مناطق فصائل المعارضة.
يونس الكريم: على المعارضة السورية استغلال إغلاق المعابر لفتح حوار حقيقي مع الإدارة الذاتية
وكان "الحمران" تعرض للقصف من قبل الطيران الروسي أكثر من مرة، آخرها في مارس/آذار الماضي. ويربط "عون الدادات" بين منطقتي جرابلس ومنبج، لكنه يغلق بين فترة وأخرى من قبل فصائل المعارضة السورية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المحروقات والخضار في الشمال السوري.
ومن جانب النظام هناك العديد من المعابر، منها "شعيب الذكر" غربي مدينة الطبقة، ويربط بين ريف الرقة الغربي وريف حلب الشرقي، ويستخدم بشكل أساسي لحركة المدنيين، خصوصاً للطلاب والمرضى.
وإلى الجنوب الشرقي منه بنحو 20 كيلومتراً، هناك معبر الطبقة الذي يربط بين ريف حماة الشرقي ومناطق سيطرة "قسد"، وهو من المعابر التجارية المهمة، وتسيطر عليه من جانب النظام الفرقة الرابعة، التي يقودها ماهر الأسد، وتفرض إتاوات عالية على السيارات التي تحمل بضائع ومواد غذائية من وإلى مناطق سيطرة "قسد".
وإلى الشرق من معبر الطبقة بنحو 30 كيلومتراً، هناك معبر الهورة، لكنه الأقل أهمية كونه يقع على أطراف البادية التي تخلو حالياً من السكان لوقوعها تحت سيطرة قوات النظام والمليشيات الإيرانية، فضلاً عن كونها مسرح عمليات نشطة لتنظيم "داعش".
وفي ريف الرقة الشرقي هناك معبر السبخة، وهو من المعابر المهمة، والذي يستخدم خصوصاً من قبل التلاميذ في منطقة شرقي الفرات الذين يقصدون مناطق سيطرة النظام لتقديم الامتحانات في المدارس التابعة للنظام. وتزامن إغلاقه، منذ أيام، مع فترة تسجيل طلاب الشهادة الثانوية بين 15 و28 ديسمبر/كانون الأول الحالي، ما دفع بعضهم إلى سلوك طرق التهريب للوصول إلى بلدة السبخة مكان التسجيل.
معابر نهرية بين ضفتي الفرات
وفي ريف دير الزور هناك العديد من المعابر النهرية بين ضفتي نهر الفرات تربط مناطق "قسد" مع مناطق النظام. لكن هذه المعابر تتعرض بشكل دائم للإغلاق من قبل "قوات سورية الديمقراطية"، والتحالف الدولي، الذي يقيم أكثر من قاعدة في المنطقة.
وتؤكد مصادر محلية أن عمليات التهريب من منطقة "شرقي الفرات" وإليها، نشطة، على الرغم من تشديد "قسد". وتشير إلى أنه يتم تهريب كل شيء عبر المعابر النهرية، من البشر إلى النفط الخام والخضروات، والدخان والأدوية والقمح، وحتى السلاح.
ويستخدم المهربون عبّارات نهرية متوسطة الحجم، وفق المصادر، التي أشارت إلى أن هناك مستفيدين من قادة الميلشيات الإيرانية، أو قياديين في مجلس دير الزور العسكري التابع إلى "قسد" جراء عمليات التهريب هذه.