تواجه عمليات إنزال المساعدات جواً لأهالي غزة الانتقادات
يرى كثيرون أن هذه الخطوة لا يمكن أن تتم بدون التنسيق مع الاحتلال
هناك تراجع كبير في كميات المساعدات التي تدخل إلى غزة عبر المعابر
يتوالى منذ الأسبوع الماضي الإعلان عن إنزال المساعدات جواً لأهالي غزة من قبل عدد من الدول، بينها مصر والأردن، إلى جانب الولايات المتحدة. وفيما يضع كثر ما يجري في إطار الاستعراض، يلفت آخرون إلى أن هذه الخطوة لا يمكن أن تتم من دون تنسيق مع الاحتلال، بما في ذلك ما تقوم به مصر.
انتقادات لعمليات إنزال المساعدات جواً لأهالي غزة
كما تواجه عمليات إنزال المساعدات جواً لأهالي غزة الانتقادات، إذ أكد عاملون في مجال الإغاثة أن هذه العملية "طريقة مكلفة وغير فعالة لإيصال المساعدات إلى السكان، وأن الشحنات التي يتم نقلها الآن غير كافية لتلبية احتياجات أكثر من مليوني شخص محاصرين داخل قطاع غزة، خصوصاً أن حمولة الطائرة لا تتعدى حمولة شاحنة واحدة من آلاف الشاحنات المكدسة عند معبر رفح البري".
حسام شاكر: إنزال المساعدات جواً يعطي انطباعاً بوجود جدية في الاستجابة للاحتياجات الإنسانية
وفي السياق، قال المتحدث باسم هيئة المعابر والحدود في غزة، هشام عدوان، لـ"العربي الجديد"، إن هناك "تراجعاً واضحاً في كميات المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة عبر المعابر، في ظل إجراءات الاحتلال ومسيرات المستوطنين". وأوضح أن "المعدل الشهري لدخول الشاحنات انخفض بنحو 1000 شاحنة مقارنة بالشهور السابقة".
من جهته، قال مصدر مصري رفيع المستوى إنه "من المحال أن تقوم مصر بتسيير رحلات جوية إلى قطاع غزة، تقوم بإسقاط المساعدات جواً من دون التنسيق مع الجيش الإسرائيلي"، وذلك رداً على ما تداولته وسائل إعلام عالمية بشأن إمكانية أن "تسقط مصر المساعدات جواً على غزة، بغض النظر عن موافقة إسرائيل".
وأوضح المصدر أن "مصر ملتزمة بمعاهدة سلام مع إسرائيل، ولذلك لن تدخل طائرات عسكرية إلى المجال الجوي لقطاع غزة، من دون تنسيق مع الجيش الإسرائيلي".
وتعليقاً على ذلك، قال الكاتب والمحلل في الشؤون الأوروبية والدولية، حسام شاكر، لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أننا لا نتحدث عن عملية إنقاذ جدية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والذي واجه حرب تجويع".
وأوضح أن "ما يجري عبارة عن عملية إنزال مساعدات وليس جسراً جوياً. وثمة فارق هنا، فالجسر الجوي هو عبارة عن إمدادات سلاح وذخيرة بشكل متواصل للاحتلال بكميات ضخمة، أما ما يجري فهو عملية استعراضية ضخمة لا تلبي النزر اليسير من حاجات الجمهور في قطاع غزة تحت وطأة المجاعة".
وتابع: "عملياً هي تمثل نوعاً من ذر الرماد في العيون بالمعنى الواقعي، لأنها تمنح الانطباع بأن ثمة جدية في الاستجابة للاحتياجات الإنسانية، لكن في الواقع، ما يجري لا يلبي الحد الأدنى".
خيارات أفضل من إنزال المساعدات جواً
وأضاف شاكر: "في تقديري توجد خيارات أفضل، وهي الدفع بالمساعدات نحو قطاع غزة. والمعلوم أيضاً أن أي عملية إنزال تجري بالتنسيق مع جيش الاحتلال الذي أعلن من جانبه أنه شريك في هذه العمليات".
وأشار إلى أن "هذا الأمر يطرح تساؤلات: لماذا لا يتم التنسيق مع جيش الاحتلال لإدخال المساعدات براً، مع العلم أن الشاحنات مكدسة، سواء في المعابر أو عند الموانئ ولا يسمح بدخولها. وبالتالي ما يجري للأسف لا يعبر عن استجابة حقيقية، لكنه يعبر عن حاجة دول لإظهار ذاتها بصفة المتنصل من حرب التجويع القائمة لا أكثر".
وحول الاستجابة الإنسانية التي يمكن أن تنقذ سكان قطاع غزة، قال شاكر إنها "تحتاج ضغطاً على الاحتلال، والولايات المتحدة تستطيع ذلك، لكنها لم تفعل بعد. كما أن الدول العربية تستطيع أن تقوم بمبادرات إقليمية ودولية منسقة لفرض إدخال المساعدات إلى قطاع غزة. ويوجد أكثر من خيار وفكرة مطروحة في هذا الشأن منذ شهور، لكن من دون القيام بشيء حقيقي".
السياسي المصري والرئيس السابق لحزب الدستور، علاء الخيام، وصف موضوع إنزال المساعدات جواً لأهالي غزة بـ"العبثي".
وقال الخيام، لـ"العربي الجديد": "أولاً نحن لدينا حدود مباشرة مع فلسطين من خلال معبر رفح المصري، والسيادة الكاملة عليه لمصر، وهناك مئات الشاحنات تنتظر المرور، محملة بآلاف الأطنان من المعونات والمساعدات الإنسانية التي يحتاجها أهلنا في غزة، ولا يمنع مرورها سوى قرار سياسي بتجويع أهل فلسطين".
رخا أحمد حسن: إنزال المساعدات جواً يأتي للحد من خطة إسرائيل للإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة
وأضاف الخيام أن "مصر هي المتحكمة في معبر رفح، ومع ذلك المساعدات لا تمر، برغم أن الكيان المحتل بنفسه أقر، في جلسة محكمة العدل الدولية، أن مصر هي المسؤولة عن تأخير إدخال المساعدات، وهو ما أكده الرئيس الأميركي (جو بايدن) بنفسه في تصريح مباشر. ومن المفترض أن يكون هناك رد عملي بالسماح بإدخال المساعدات واستقبال الجرحى والمصابين".
من ناحيته، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير رخا أحمد حسن، لـ"العربي الجديد"، إن "لجوء مصر وعدة دول أخرى إلى تقديم المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة عن طريق الإنزال الجوي، إنما يرجع إلى انتشار الجوع والمرض بشكل كارثي، مع استمرار إسرائيل في عرقلة دخول الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية، من مأكولات وأدوية وأجهزة ومستلزمات طبية أخرى ووقود، إلى قطاع غزة".
الحد من خطة إسرائيل إبادة الفلسطينيين
وأضاف أن "ذلك يتم للحد -قدر الإمكان- من خطة إسرائيل للإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة، بالقتل المباشر والتجويع والمرض والتهجير القسري من مكان لآخر، ما جعل قطاع غزة مكاناً مدمراً تصعب فيه الحياة، وهذا كله بشهادة المنظمات الدولية المختلفة والتي لا يمكن اتهامها بالتحيز، وهي تؤكد أن إسرائيل ترتكب كل أنواع الجرائم ضد الإنسانية وتنتهك كل القوانين الدولية، وفي مقدمتها حقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب".
وتابع: "إزاء ذلك كله، كان محتماً اللجوء إلى توصيل المساعدات بالإنزال الجوي، حتى وإن كان ذلك يظل غير كاف بأي حال من الأحوال لمواجهة الكوارث الإنسانية في قطاع غزة نتيجة للعدوان الإسرائيلي الوحشي بلا توقف".
بدوره، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير حسين هريدي، لـ"العربي الجديد"، إن إنزال المساعدات جواً لأهالي غزة "جاء لتعويض انخفاض عدد الشاحنات التي دخلت قطاع غزة خلال فبراير/شباط" الماضي.
واعتبر أنه "بالنسبة للولايات المتحدة، ونيتها المعلنة عن توفير المزيد من المساعدات عن طريق الإنزال الجوي، تريد الإدارة الأميركية التقرب إلى الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، وأيضاً إلى الجاليات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة، والتي أعربت عن استيائها من موقف هذه الإدارة إزاء مساندتها التامة لإسرائيل".