كشف المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، لوكالة "مهر" الإيرانية شبه الرسمية، عن أن بلاده قد بدأت بالفعل، اليوم الإثنين، تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 20 في المائة، في منشأة "فوردو" النووية جنوبي العاصمة طهران.
وأضاف ربيعي أنه "قبل ساعات، وبعد اتخاذ إجراءات أولية مثل إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالأمر، وتسليم استمارة لها بناء على التزامات البلاد، بدأت عملية ضخ الغاز (إلى أجهزة الطرد المركزي)".
وقال إن بدء تخصيب اليورانيوم بهذه النسبة جاء بعدما أصدر الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال الأيام الماضية، "تعليمات لتدشين التخصيب بنقاء 20 في المائة".
وعزا الأمر إلى تطبيق الحكومة مشروع القانون الذي أقرّه البرلمان الإيراني بعنوان "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات الأميركية" خلال الشهر الماضي.
وفيما عارضت الحكومة الإيرانية إقرار هذا القانون الملزم، إلا أن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية أكد أنها "ستلتزم بتنفيذه"، مشيراً إلى أن حديث الحكومة سابقاً عن أن "القانون ليس في مصلحة البلاد، وأنها لم تستشر بشأنه ووجهت له انتقادات، لا يؤثر على التزامها بتنفيذ هذه القوانين".
وكان رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، قد كشف، السبت، عن أن بلاده أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في رسالة بأنها ستبدأ بتخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 20 في المائة في منشأة "فوردو" جنوب العاصمة الإيرانية طهران.
وكان البرلمان الإيراني قد أقرّ، يوم 1 ديسمبر/كانون الأول، مشروعاً حمل عنوان "الإجراء الاستراتيجي لإلغاء العقوبات الأميركية". ويعني المشروع الذي تحوّل إلى قانون، بصريح العبارة، الانسحاب من الاتفاق النووي، إذ إنه يُلزم الحكومة الإيرانية بتنفيذه بعد شهرين، وينصّ على خطوات نووية تنهي هذا الاتفاق، مثل إلزام الحكومة بإنهاء العمل وفق البروتوكول الإضافي الأممي الذي تعهدت بموجبه طهران "طوعاً" بإخضاع منشآتها لـ"رقابة صارمة" من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلاً عن رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة أو أكثر منه، "إذا استدعت الضرورة".
وتعني مهلة الشهرين التي منحها البرلمان الإيراني لبقية أطراف الاتفاق النووي لتنفيذ تعهداتها ورفع العقوبات، أن هذا القانون ورقة ضغط إيرانية على هذه الأطراف لإجبارها على الامتثال لمطلب إلغاء العقوبات الشاملة والتاريخية قبل التوجه نحو "اللاعودة" في برنامجها النووي.
دلالات الخطوة
وتشكل الخطوة الإيرانية تصعيداً في الملف النووي، وسط أجواء تصعيد متبادل تشهدها المنطقة، على خلفية ارتفاع نذر المواجهة العسكرية بين طهران وواشنطن، إثر التحشيد العسكري الأميركي والاستعدادات العسكرية الإيرانية.
كما تظهر الخطوة محاولة إيران العودة بأنشطتها النووية إلى مرحلة ما قبل التوصل إلى الاتفاق النووي، حيث كانت تخصّب اليورانيوم بهذه النسبة، وذلك بعد أن كسرت الحدّ المسموح بتخصيبه وفق الاتفاق، أي 3.67 في المائة، خلال عام 2019، في المرحلة الثانية لإنهاء تعهدات نووية ضمن خمس مراحل، اتخذتها خلال العامين الماضيين. مع ذلك، لم تتجاوز إيران نسبة 4.5 في التخصيب، للحؤول دون إغضاب الأطراف الأوروبية الشريكة في الاتفاق، وحثهم على اتخاذ خطوات عملية ضد العقوبات الأميركية الشاملة التي صفرت منافع طهران من الاتفاق النووي.
لكن هذه الأطراف لم تفعل شيئاً في هذا الاتجاه، وعلى العكس من ذلك، صعدت من مواقفها خلال الشهور الأخيرة، وبالذات بعد فوز المرشح الديمقراطي الأميركي جو بايدن في الانتخابات الأميركية الأخيرة.
إلى ذلك، ركزت التصريحات الأميركية (لبايدن وفريقه) والأوروبية، خلال الفترة الأخيرة، على طرح برنامج إيران الصاروخي وسياساتها الإقليمية للنقاش والتفاوض، بغية الوصول إلى الاتفاق الشامل، وكان آخر هذه التصريحات، هو ما أدلى به مرشح بايدن لمنصب مستشار الأمن القومي الأميركي في الإدارة المقبلة، جيك ساليفان، لقناة "سي أن
أن" الأميركية، الأحد، حيث ربط عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي بعودة طهران إلى الاتفاق عبر الالتزام المجدد بتعهدات نووية أوقفتها، فضلاً عن تأكيده على ضرورة إخضاع البرنامج الصاروخي الإيراني للتفاوض خلال المفاوضات المتوقعة بعد بدء الإدارة الأميركية المقبلة أعمالها.
وبناءً على هذه المعطيات، بدا أن إيران تحاول من خلال تدشين تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، وهي نسبة عالية، والتلويح بالذهاب إلى أبعد منها، أولاً التأكيد في آخر أيام ولاية الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب أن استراتيجية "الضغوط القصوى" التي مارسها ترامب بعد انسحابه من الاتفاق النووي عام 2018 لم تحقق أهدافها في إجبارها على اتفاق شامل، وأنها اليوم تتخذ مواقف هجومية في ما يرتبط بالملف النووي. وثانياً أنها من خلال الخطوة تضغط، على ما يبدو، على بايدن لدفعه نحو اتخاذ مسار مغاير لمسار ترامب، وصرفه والدول الأوروبية الثلاث، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، الشريكة في الاتفاق، عن المطالبة المتكررة بضرورة التفاوض بشأن برنامجها الصاروخي وسياساتها الإقليمية.
وهنا إيران، من خلال هذا التصعيد اللافت، تحاول أن تفرض أجندتها الخاصة على أي مفاوضات محتملة في عهد بايدن، بحيث لا تتجاوز الموضوع النووي الذي يمكنه تقديم تنازلات بشأنه، مثل التخلي عن هذه الخطوات النووية والعودة إلى التزاماتها مقابل إلغاء العقوبات، حيث إنها تعتبر أن برنامجها الصاروخي "خط أحمر" لن تقبل بأي تفاوض حوله.
وفي المقابل، يبقى السؤال الأبرز أنه هل ستتجاوب إدارة بايدن المقبلة مع متطلبات هذا التصعيد الإيراني، أو أنها والأطراف الأوروبية سيذهبون باتجاه تصعيد مماثل عبر الإصرار على طرح البرنامج الصاروخي الإيراني في أي مفاوضات محتملة، وتشكيل إجماع عالمي ضد إيران فشلت إدارة ترامب فيه.