يُعقد في مدينة العلمين المصرية، اليوم الأحد، اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بدعوة من الرئيس محمود عباس، لمناقشة المشهد السياسي والاتفاق على برنامج مشترك بين مختلف القوى الوطنية والإسلامية، التي قاطع بعضها الاجتماع احتجاجاً على الاعتقالات السياسية في الضفة الغربية المحتلة.
وأعلنت حركة "الجهاد الإسلامي" تغيبها عن الاجتماع بعد تعثر كل الوساطات والجهود التي بذلتها أطراف فلسطينية وشخصيات مستقلة للإفراج عن المعتقلين لدى الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية المحتلة، إلى جانب تغيّب قوى أخرى مثل "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" و"منظمة طلائع حرب التحرير الشعبية" (قوات الصاعقة) لذات الموقف.
في المقابل، تسيطر حالة من التشاؤم على المشهد الشعبي الفلسطيني الداخلي حول إمكانية نجاح هذا اللقاء نظراً للأجواء السلبية المحيطة به وحالة التراشق الإعلامي في الفترة الأخيرة، وعدم وجود أجندة واضحة للقاء، إلى جانب عدم حضور فصائل للقاء.
في موازاة ذلك، تعزز التسريبات التي خرجت عن لقاء أنقرة، الذي جمع عباس برئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية الثلاثاء الماضي، حالة التشاؤم في الأوساط السياسية والشعبية، نظراً للتباين الكبير في المواقف بين طرح خيار تشكيل حكومة وحدة وطنية ترتكز على قرارات الشرعية الدولية، والطرح الموازي له المتمثل في الاتفاق على برنامج وطني يقوم على خيار المقاومة الشاملة.
اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية
ويُعدّ اجتماع الأمناء العامين للفصائل الأول من نوعه منذ الاجتماع السابق الذي عقد في 3 سبتمبر/أيلول 2020 في رام الله والعاصمة اللبنانية بيروت عبر تقنية الفيديو كونفرنس، والذي شهد سلسلة من الاتفاقيات والتوافقات على خطط للعمل المشترك إلا أنها لم تطبّق حتى الآن.
حينها، تقرر تشكيل لجنة تضم شخصيات وطنية وازنة تقدم رؤية استراتيجية لإنهاء الانقسام، والشراكة في ظل منظمة التحرير الفلسطينية، على اعتبار أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، خلال مدة لا تتجاوز خمسة أسابيع، على أن تُقدّم توصياتها للجلسة المقبلة للمجلس المركزي الفلسطيني.
كما توافق المجتمعون على ضرورة التأسيس لنظام سياسي ديمقراطي واحد، وسلطة وقانون واحد، على قاعدة التعددية السياسية والفكرية، والتداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل. وأكد البيان الختامي التمسك بهدف إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967، وعاصمتها القدس المحتلة، وأن لا دولة في غزة ولا دولة من دونها، وحل قضية عودة اللاجئين على أساس القرار 194.
لكن أياً من هذه الاتفاقات لم يجد طريقه للتطبيق. شعبياً، لا تبدو اليوم أي حالة من الاهتمام أو التعويل على اللقاء نظراً للتاريخ السلبي الطويل الخاص باتفاقيات المصالحة التي وُقّعت في عدة عواصم عربية ومناطق فلسطينية، ولم ينجح أي من هذه الاتفاقيات في جسر الهوة بين طرفي الانقسام "فتح" و"حماس".
منذر الحايك: تغيب حركة الجهاد الإسلامي عن الاجتماع غير مبرر
ويقول المتحدث باسم حركة "فتح" منذر الحايك إن تصور حركته للاجتماع يتمثل في رؤية منظمة التحرير الفلسطينية القائمة على تجنيد العالم تجاه القضية الفلسطينية، خصوصاً بعد التعديلات القضائية التي مررها الائتلاف الحاكم في إسرائيل.
ويضيف الحايك، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تغيب حركة الجهاد الإسلامي عن الاجتماع هو أمر غير مبرر، إذ إن جميع الاعتقالات التي جرت في الضفة الغربية لا تتجاوز الخمسة أسماء، وجميعهم لهم علاقة في موضوع التعدي على القانون العام وخصوصاً مراكز الشرطة.
ويرى المتحدث باسم "فتح" أن المصالحة يجب أن تكون واضحة وبشكلٍ جلي على خيار تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على توحيد مؤسسات السلطة الفلسطينية من أجل إنهاء الانقسام، إلى جانب انضمام الجميع تحت إطار منظمة التحرير الفلسطينية.
من جهته، يؤكد المتحدث باسم حركة "حماس" عبد اللطيف القانوع حرص حركته على إنجاح لقاء الأمناء العامين للفصائل واتخاذ قرارات تتناسب مع حجم الخطر المحدق بالقضية الفلسطينية، ومواجهة حكومة اليمين المتطرفة في ضوء حالة التصعيد القائمة.
ويقول القانوع لـ"العربي الجديد" إن "أولويات حركة حماس في هذه المرحلة الحرجة وحالة الخطر التي تعصف بالقضية ومحاولة تصفيتها من قبل الحكومة الحالية، بناء استراتيجية نضال موحدة وقيادة وطنية لقيادة المقاومة الشاملة والتصدي لحكومة المستوطنين".
ويضيف: "شعبنا الفلسطيني وتضحياته الجسيمة والمخاطر المحدقة بالقضية وفاشية حكومة المستوطنين تتطلب خطة وطنية شاملة لتمتين جبهتنا الداخلية وبناء استراتيجية نضال موحدة، وإعادة تشكيل مؤسساتنا الوطنية بدءاً من المجلس الوطني مروراً بالرئاسة والتشريعي وانتهاءً بالحكومة".
أما عضو المكتب السياسي لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" اكتمال حمد، فتعتقد أن هناك أهمية لاجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية من أجل الوصول إلى مرحلة يعاد فيها بناء المؤسسات الوطنية الداخلية وتُعزّز الوحدة والشراكة.
وتقول حمد في حديثٍ مع "العربي الجديد" إن هذا اللقاء مهم بالنسبة للفلسطينيين ومن شأنه أن يعيد تصحيح "البوصلة" الداخلية، في ضوء تصاعد الهجمة من قبل الحكومة الإسرائيلية التي تمارس "فاشيتها" على الفلسطينيين من خلال سلوكها الميداني القائم على القتل والاستيطان.
وتلفت إلى رؤية "الجبهة الشعبية" التي جرى إبلاغها لجميع الفصائل خلال الأيام القليلة الماضية، المتمثلة في تعزيز الشراكة والوصول إلى اتفاق يقوم على تبني خيار المواجهة الشاملة وإلغاء اتفاق أوسلو وكل ما يترتب عليه من التزامات أمنية وسياسية واقتصادية.
خضر حبيب: لا قيمة لهذا الاجتماع، لا سيما أن مدته ستكون يوماً واحداً فقط
رهانات وغياب "الجهاد الإسلامي"
وتغيب حركة "الجهاد الإسلامي" للمرة الأولى عن اجتماع وطني فلسطيني. وعن ذلك يقول القيادي في الحركة خضر حبيب إن "الجهاد" قررت مقاطعة الاجتماع الخاص بالأمناء العامين للفصائل في ضوء عدم الاستجابة لطلبها بالإفراج عن المعتقلين والمقاومين الملاحقين من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
ويشير حبيب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن السلطة الفلسطينية حكمت مسبقاً بالفشل على هذا الاجتماع في ضوء عدم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والمقاومين المطاردين، وعدم الاستجابة لكل الجهود والوساطات التي بُذلت خلال الأيام الأخيرة.
ويرى "أنه لا قيمة لهذا الاجتماع، لا سيما أن اللقاء ستكون مدته يوما واحدا فقط، وبعد ذلك سيصدر بيان كُتب مسبقاً ولن يقدّم أي جديد يذكر، خلافاً لرغبة الفصائل الفلسطينية التي كانت تريد التوصل إلى استراتيجية وطنية تعمل على ترتيب البيت الداخلي".
ومن وجهة نظر حبيب وحركة "الجهاد"، فإن "الاجتماع سيكون بروتوكولياً فقط، ولن يقدّم أي جديد يذكر على الأرض، لا سيما أن الرئيس محمود عباس يريد هذا المشهد المتمثل في عقد اجتماع يجمعه مع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية من دون أي نتائج حقيقية تسمح بالخروج من المأزق الفلسطيني".