احتجاجات الشمال السوري: الشارع المعارض يرفض "مصالحة القاتل"

إدلب

عامر السيد علي

avata
عامر السيد علي
ريف حلب

عدنان الإمام

avata
عدنان الإمام
مراسل من سورية
باريس

عدنان أحمد

عدنان أحمد
13 اغسطس 2022
مظاهرات رافضة للمصالحة مع النظام
+ الخط -

كانت بضع كلمات من وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، عن ضرورة المصالحة بين النظام السوري والمعارضة، كافية لإشعال غضب الشارع السوري المعارض، الذي خرج في تظاهرات حاشدة أمس الجمعة، مؤكداً رفضه مثل هذه المصالحة، وأن الخيار الوحيد للسوريين هو الاستمرار بالثورة حتى إسقاط نظام بشار الأسد وأركانه.

ومع فورة الغضب الواسعة، التي تخللها إحراق العلم التركي في مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي، وصدام محدود مع عناصر الجيش التركي في القاعدة العسكرية التركية في معسكر "المسطومة"، غربي محافظة إدلب، خرجت وزارة الخارجية التركية ببيان أكدت فيه أنها تسعى "لحل للنزاع في سورية يتماشى مع تطلعات الشعب السوري"، مشددة على التزامها بالقرار الأممي 2254.

جاووش أوغلو يشعل غضب الشارع السوري

وأثار قول جاووش أوغلو، مساء أمس الأول الخميس، إنه "علينا أن نجعل النظام والمعارضة يتصالحان في سورية، وإلا لن يكون هناك سلام دائم"، غضباً واسعاً في الشارع السوري المعارض، خصوصاً في مناطق شمالي البلاد الخارجة عن سيطرة النظام، والتي شهدت أمس تظاهرات رافضة لأي مصالحة مع النظام، فيما صدرت مواقف رافضة أيضاً من معظم أطياف المعارضة.

وتظاهر آلاف السوريين تحت مُسمى "لن نصالح" في أكثر من 35 مدينة وبلدة ضمن مناطق سيطرة المعارضة، شمال غربي سورية، رداً على تصريحات الوزير التركي، ورفضاً للمصالحة بين النظام والمعارضة، وتأكيداً على مطالب الثورة السورية وثوابتها.

شملت التظاهرات أكثر من 35 مدينة وبلدة في الشمال السوري

وشارك الآلاف في الاحتجاجات بعد صلاة الجمعة أمس في مدن إدلب، الباب، إعزاز، الراعي، عفرين، جرابلس، مارع، اخترين، سرمدا، المسطومة، حزانو، صوران، احتيملات، إضافة إلى بلدتي سلوك وتل أبيض، شمالي الرقة، وغيرها من المناطق. وأكد المشاركون في التظاهرات رفض المصالحة مع نظام بشار الأسد، وأن الخيار الوحيد للسوريين هو الاستمرار بالثورة حتى إسقاط النظام وأركانه.

كما حاول بعض المحتجين تسلق جدران القاعدة العسكرية التركية في معسكر "المسطومة"، غربي محافظة إدلب، ما دفع عناصر الجيش التركي لإطلاق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين أمام القاعدة، وفق مراسل "العربي الجديد". وجاء ذلك بعدما اعترض محتجون رتلاً للجيش التركي على طريق قرية كفرجنة في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي. كما تخلل التظاهرات إحراق العلم التركي في مدينة إعزاز، بريف حلب الشمالي، الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطني السوري" المدعوم من أنقرة، ليل الخميس.

وفي سياق تأكيد رفض أي مصالحة مع النظام، استهدفت فصائل "الجيش الوطني السوري"، أمس الجمعة، بالرشاشات والصواريخ، مواقع ومقرات عسكرية لقوات النظام على جبهة تادف القريبة من مدينة الباب الواقعة ضمن ما يُعرف بمنطقة "درع الفرات"، شمال شرقي محافظة حلب.

وعلى الرغم من أن تركيا هي الداعم الرئيسي للمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، إلا أن التشكيلات الرئيسية للمعارضة لم تستطع تجاوز تصريحات جاووش أوغلو، وصدرت مواقف رافضة بدرجات مختلفة، من مختلف تشكيلات المعارضة، بما فيها المقيمة في تركيا.

وقال الائتلاف الوطني السوري، في بيان له أمس، إن "الشعب السوري اختار طريق الثورة وحدد أهدافه منذ 11 عاماً، وبذل في سبيل ذلك مئات الآلاف من الشهداء وملايين المصابين والمعتقلين والمهجّرين، سعياً للوصول إلى الحرية والكرامة والعدالة، بعيداً عن نظام الأسد المجرم"، وأضاف أن "نظام الأسد هو نظام إبادة ارتكب آلاف جرائم الحرب بحق الشعب السوري الأعزل"، مشدداً على "ضرورة العمل الجاد من كل دول العالم الحر من أجل بناء تحالف دولي لمحاسبة نظام الأسد الكيماوي".

واعتبر الائتلاف أن تظاهرات الشمال "أظهرت أن الثورة ما زالت مشتعلة في نفوس الأحرار"، لكنه أكد "رفض ما حصل من تجاوزات وحرق لعلم دولة شقيقة اختلط دم أبنائها بدمنا في تحرير الأرض ومحاربة المليشيات الإرهابية".

من جهته، قال وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة العميد حسن حمادي، في تغريدة على "تويتر": "عند أول صيحة الشعب يريد إسقاط النظام، هي نقطة اللاعودة للوراء"، مشيراً إلى أن "الثورة السورية لم تكن مرتبطة بالمواقف الدولية، بل هي ثورة من أجل استعادة حق السوريين التاريخي".

كما قالت إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني السوري، في تغريدة، إن "نظام الأسد خطر على الشعب السوري والتركي والمنطقة، وهو مخلب إيران وذيل روسيا، وراعي الإرهاب الداعشي والقسدي". وقال مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش حسن الدغيم: "نصالح عندما تحيا سورية ويسقط بشار الأسد"، مؤكداً استحالة الصلح مع نظام الأسد.

كما قال القائد العام لـ"فرقة الحمزة" سيف بولاد: "لا شأن لنا في موازين السياسة وتقلباتها، لا كلمة لنا إلا ما صدحنا بها من أول يوم في ثورتنا، لن نركع ولن نصالح المجرمين، لن نجالس قتلة الأبرياء، لن نتنازل عن حقوقنا في الحرية والكرامة، بشار هو رأس الإرهاب الكبير ومنبع للتنظيمات الأخرى". فيما قال أبو حاتم شقرا، نائب قائد "حركة التحرير والبناء" (وهو فصيل قوي يعتمد عليه الأتراك في منطقة نبع السلام، شمال شرق سورية): "لا نصالح ولن نرضى أن نضع ثورتنا، ثورة الكرامة التي استمرت على مسافة مليون شهيد، بأي كفة دولية لا تساوي ثمن هذه الدماء".

حاول محتجون تسلق جدران القاعدة التركية في المسطومة

كما رفضت الهيئة السياسية التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً)، في بيان لها أمس، تصريحات الوزير التركي، معتبرة أنها "أساءت للشعب السوري".

وإزاء المواقف الشعبية والسياسية والعسكرية الرافضة لتصريحات جاووش أوغلو، أصدرت وزارة الخارجية التركية بياناً أمس، أكدت فيه أن أنقرة ستواصل جهودها من أجل إيجاد حل دائم للنزاع في سورية بما يتماشى مع تطلعات الشعب السوري.

وقال المتحدث باسم الوزارة تانجو بيلغيتش، أمس الجمعة، إن تركيا تدعم الحل السياسي في سورية وفق القرار الأممي 2254، وأنها "منذ بداية الأزمة في سورية هي أكثر الدول التي عملت على دعم حلول للأزمة تقوم على تحقيق مطالب الشعب المشروعة". وأضاف: "في هذا الإطار، تركيا كانت في مقدمة الأطراف التي عملت على ترسيخ قف إطلاق النار ميدانيا، وساهمت في مساري أستانة وجنيف، وبناء اللجنة الدستورية، وقدمت الدعم الكامل للمعارضة وهيئة التفاوض".

ولفت بيلغيتش إلى أن "المسار السياسي لا يشهد تقدماً حالياً بسبب مماطلة النظام"، مشدداً على أن هذا هو ما أشار إليه جاووش أوغلو في تصريحاته، الخميس. وأكد أن "تركيا التي توفر الحماية المؤقتة لملايين السوريين، تسعى إلى توفير الشروط المناسبة لعودة طوعية آمنة للاجئين، وتؤكد على إيجاد الحل السياسي وفق خريطة الطريق التي أقرتها الأمم المتحدة وفق القرار 2254، وستنشط فاعلة لتحقيق ذلك".

وختم بيلغيتش بالقول "تركيا تعمل مع جميع الأطراف الدولية للتعاون من أجل إيجاد حل للخلاف بما يتناسب مع مطالب الشعب، ويكون حلاً دائماً، وستواصل جهودها ودعمها من أجل التوصل لهذا الحل، وستواصل تضامنها مع الشعب السوري".

رسائل الحراك إلى المعارضة وأنقرة

وفي قراءة لهذا الحراك الشعبي، قال المحلل السياسي درويش خليفة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن التظاهرات كانت بدافع شعبي ثوري جماهيري، معتبراً أن الأعداد التي خرجت لا يمكن أن يحركها أي شخص من القياديين في المعارضة السورية.

وأضاف أن التحركات جاءت أيضاً نتيجة الضغوط التي تحصل على سكان الشمال السوري، مشيراً إلى أن هذا الحراك يحمل رسائل من السوريين المناهضين للنظام إلى المعارضة بشقيها السياسي والعسكري، وإلى تركيا، مغزاها أن لا مصالحة ولا تقارب مع نظام الأسد إلا من خلال القرارات الدولية، والذهاب باتجاه القرار الدولي 2254 وتطبيقه وفق تسلسل بنوده، بداية بهيئة الحكم الانتقالية ثم إنشاء دستور جديد للبلاد والعودة الطوعية لمن أراد أن يعود، ومحاسبة كل من انتهك حقوق السوريين من جميع الأطراف.

من جهته، اعتبر المحلل السياسي شادي عبد الله أن تصريحات الوزير التركي على أهميتها، "لا تشكل نقلة نوعية حتى الآن في السياسة التركية إزاء القضية السورية، لكنها قد تمهد لذلك إذا توفرت مجموعة من الظروف المساعدة".

وأضاف عبد الله، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "بهذا المعنى، فإن ما حصل حتى الآن، تصريح جاووش أوغلو وقبله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هما مجرد جس نبض للنظام السوري الذي التزم الصمت حتى الآن، وربما للشارع السوري الذي أظهر من خلال التظاهرات الحاشدة، والمواقف المتتالية، الرفض الواسع لهذا التوجه، وهو ما قد يستدعي من تركيا إعادة تقييم موقفها".

ورأى عبد الله أن تركيا لا تستطيع المجازفة بخطوات كبيرة في قضية حساسة استثمرت فيها خلال السنوات الماضية الكثير من الجهد والدبلوماسية والمال، فضلاً عن تضحيات الجيش التركي، وهي ربما تحاول المناورة مع روسيا وربما مع الولايات المتحدة لكي توسع من نطاق خياراتها، خصوصاً مع الولادة العسيرة للعملية العسكرية التي تلوح بها في الشمال السوري، ورأى أن المواقف القوية الرافضة للتوجه نحو النظام، سيكون لها ولا شك أثرها في خطوات تركيا المقبلة.

ذات صلة

الصورة
الهلال الأحمر القطري يفتتح قريتين سكنيتين شمال غرب سورية، 18 نوفمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تواصل منظمة الهلال الأحمر القطري العمل في الإسكان الإنساني في مناطق شمال غربي سورية، حيث افتتحت قريتين في منطقة كفر جالس غربي مدينة إدلب.
الصورة
النازح السوري محمد كدرو، نوفمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

أُصيب النازح السوري أيمن كدرو البالغ 37 عاماً بالعمى نتيجة خطأ طبي بعد ظهور ضمور عينيه بسبب حمى أصابته عندما كان في سن الـ 13 في بلدة الدير الشرقي.
الصورة
فك الاشتباك جندي إسرائيلي عند حاجز في القنيطرة، 11 أغسطس 2020 (جلاء مرعي/فرانس برس)

سياسة

تمضي إسرائيل في التوغل والتحصينات في المنطقة منزوعة السلاح بين الأراضي السورية ومرتفعات الجولان المحتلة، في انتهاك لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974.
الصورة
معاناة النازحين في سورية، 12 نوفمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تواجه عائلة علي إدريس واقعاً قاسياً في ظل الفقر المدقع الذي تعيشه، ذلك بعد نزوحها من مدينة معرة النعمان في ريف إدلب جنوبي سورية قبل خمسة أعوام
المساهمون