تطوّق "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، السجن المركزي والمعروف بـ"سجن الصوامع"، في مدينة الرقة، شرقي سورية، ما يشير ربما إلى أنها تتحسب من هجوم محتمل من قبل تنظيم "داعش" على السجن، في محاولة لإطلاق سراح محتجزين تابعين له، في تكرار لسيناريو جرى في مدينة الحسكة، شمال شرقي سورية، مطلع العام الحالي (الهجوم على سجن غويران).
"قسد" تطوق سجن الصوامع في الرقة
وكانت "قسد" استقدمت أول من أمس الأحد، عربات مصفحة إلى محيط السجن، كما أغلقت جسر الصوامع ومحيط السجن والشوارع المؤدية إليه أمام حركة السيارات بكتل إسمنتية وسواتر ترابية. كما نشرت قوات "قسد" حواجز ثابتة في الشوارع والحارات السكنية المحيطة بالسجن.
وتأتي الإجراءات المشددة التي تقوم بها "قسد" بعد حملة اعتقالات طاولت عشرات الأشخاص في مدينة الرقة، وفق مصادر محلية مقربة من هذه القوات، تحدثت إليها "العربي الجديد". ورجحت المصادر أن يكون التحقيق مع بعض المعتقلين دلّ إلى أن تنظيم "داعش" ربما يتحضّر لشنّ هجوم على السجن. وبيّنت المصادر أن السجن يضم قياديين وعناصر من "داعش"، إضافة إلى سجناء محكومين بقضايا جنائية، وفق المصادر التي فضّلت عدم ذكر اسمها لأسباب تتعلق بسلامتها.
يضم سجن الرقة قياديين من داعش، لكن ليس من الصف الأول
وفي السياق، بيّن أحد ناشطي المدينة، والذي فضّل هو الآخر عدم ذكر اسمه، أن السجن الموجود إلى الشمال من الرقة "يضم قياديين من التنظيم، ولكن على الأغلب ليسوا من قياديي الصفين الأول والثاني". وأوضح أن سجن الرقة "يضم أيضاً عناصر ومناصرين للتنظيم"، مشيراً إلى أن "قوات قسد كانت اعتقلت بعد سيطرتها على المدينة وريفها عدداً غير معروف من الأشخاص بتهمة التعاون مع التنظيم".
ولفت إلى أن "البعض منهم خضع لمحاكمات غير مكتملة الأركان". واستبعد الناشط أن يكون لدى التنظيم قدرة على الوصول إلى داخل مدينة الرقة، موضحاً أن محافظة الرقة مترامية الأطراف ويخضع جلّها لسيطرة "قسد"، باستثناء مناطق في ريفها الجنوبي الشرقي، وفي أقصى الريف الغربي خاضعة لسيطرة النظام السوري الذي يسيطر أيضاً على بادية المحافظة الخالية تقريباً من السكان.
وأشار الناشط في الرقة إلى أن لتنظيم "داعش" نشاطاً كبيراً في بادية الرقة الواسعة، لكن لا يرى "أن داعش قادر على التسلل من البادية إلى داخل مدينة الرقة، إلا إذا تلقّى تسهيلات من قوات قسد نفسها". وأعرب الناشط عن اعتقاده بأن التنظيم "ليس لديه خلايا نائمة أو نشطة داخل محافظة الرقة، كما هو الحال في ريف دير الزور الشرقي، كما لم يسبق له أن شنّ عمليات داخل القسم الذي تسيطر عليه قوات قسد من محافظة الرقة". وبرأيه، فإنه "عملياً لم يعد هناك وجود للتنظيم في الرقة".
خلايا نائمة وهجوم من البادية
وفي السياق، أعرب الباحث السياسي سعد الشارع، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن هجوم تنظيم "داعش" على أي سجن، ومنه سجن الرقة، "ممكن، لأن السجون أهداف ثابتة، والحركة حولها دورية واعتيادية وهذه نقطة الضعف التي يمكن أن يستفيد منها التنظيم".
سعد الشارع: التنظيم يمكن أن يعتمد على خلاياه النائمة
وأشار الشارع إلى أن التنظيم "يلجأ إلى شراء عناصر من الحماية على السجون". وبرأيه، فإنه "من الأكيد أن سجن الرقة ليس أصعب من سجون في العراق اقتحمها التنظيم خلال السنوات الماضية". كما رأى الشارع أن التنظيم "في حال خطّط لاقتحام سجن الرقة، يمكن أن يعتمد على خلاياه النائمة في المنطقة، أو أن يشن هجوماً من مواقعه في البادية، جنوب الرقة". غير أنه اعتبر أن قوات قسد "يمكن أن تروّج إعلامياً لهجوم محتمل من التنظيم على سجن الرقة للحصول على دعم إضافي من التحالف الدولي، أو لتحقيق غايات سياسية"، وفق اعتقاده.
وكان يُنظر إلى مدينة الرقة في شرقي سورية على أنها العاصمة الثانية لتنظيم "داعش" بعد مدينة الموصل في شمال العراق، حيث ظلّت تحت سيطرة التنظيم من بداية عام 2014 حتى نهايات 2017. وكانت قوات "قسد" التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي وتتلقى دعماً كبيراً من التحالف الدولي ضد الإرهاب، أعلنت في أكتوبر/تشرين الأول 2017 سيطرتها على مدينة الرقة بعد معارك على مدى 4 أشهر مع التنظيم. وأدى قصف جوي من طيران التحالف بقيادة الولايات المتحدة إلى مقتل وإصابة عشرات الآلاف من السكان وتدمير أغلب أحياء هذه المدينة.
وكان تنظيم "داعش" شنّ مطلع العام الحالي هجوماً واسع النطاق من خلايا نائمة له في منطقة شرقي الفرات، على سجن غويران المركزي في مدينة الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي من سورية، لتحرير قياديين وعناصر من التنظيم كانوا محتجزين في السجن. وأدى الهجوم إلى مقتل المئات من السجناء ومن عناصر "قسد" التي بوغتت بالهجوم فارتبكت في طريقة التعامل معه قبل أن يتدخل التحالف الدولي بقيادة أميركية ويساعد هذه القوات في الحيلولة دون هروب سجناء التنظيم بشكل كامل.
ووفق معلومات غير مؤكدة، أدى الهجوم حينها إلى هروب عدد من قياديي التنظيم أُعيد اعتقال البعض منهم من قبل قوات "قسد"، في حملة مطاردة قامت بها في محيط مدينة الحسكة، عقب القضاء على الاستعصاء داخل السجن الذي سبق الهجوم، وسهّل للمهاجمين اقتحام السجن.
وتؤكد "قسد" أنها تحتجز مسلحين من تنظيم "داعش" من جنسيات مختلفة، وتطالب المجتمع الدولي بمساعدتها في إرجاعهم إلى بلدانهم أو تشكيل محاكم خاصة يمثلون أمامها لتجاوز هذا الملف.
وتدير قوات "قسد" بمساعدة مباشرة من التحالف الدولي، العديد من السجون، بعضها سرية، يُحتجز داخلها قياديون وعناصر من التنظيم وقعوا في يد هذه القوات أثناء القتال أو استسلموا لها على مدى السنوات التي خاضت خلالها حرباً طويلة ضد التنظيم، بدأت منذ تشكيل هذه القوات في 2015 وانتهت أوائل 2019، حين سيطرت على معقل التنظيم الأخير شرقي نهر الفرات، وهو بلدة الباغوز في أقصى الشرق السوري في ريف دير الزور.