اجتذبت المخيّمات الفلسطينية اهتمام الوسائل الإعلامية على مدار الشهرين المنصرمين، في مشهدين مختلفين جذريين بجميع تفاصيلهما الظاهرة، الأول مشهد اعتداء جيش الاحتلال الصهيوني على مخيّم جنين بداية الشهر المنصرم، والثاني مشهد الاقتتال داخل مخيّم عين الحلوة في الشهر الحالي. لكن وعلى الرغم من اختلاف المشهدين، إلّا أنّ هناك قواسم مشتركةٌ بينهما، فكلّا المشهدين يعبران عن استهداف المخيّمات من قبل أعداء المخيّم، أو بالأصح أعداء تحرير فلسطين وشعبها، فمخيّمات الفلسطينيين قاطبةً نابضةٌ بخزانٍ بشريٍ لا ينضب، مستعدٌ دائمًا لتقديم كلّ ما يملك في سبيل التحرر والتحرير الكامل، والعودة إلى أرض الوطن، فلسطين.
هذه ليست مجرد كلماتٍ خطابيةٍ عابرةٍ، بل هي تعبيرٌ حقيقي عن واقع المخيّمات الفلسطينية، وعن دورها النضالي منذ بداية النكبة المستمرّة منذ 1948، إذ رفدت مخيّمات دول الطوق حركة التحرر الوطنية بمئات الفدائيين منذ بداياتها في ستينات القرن المنصرم. كما قدّمت المخيّمات داخل فلسطين آلاف الفدائيين والمناضلين والشهداء على مدار سنوات الاحتلال الطويلة، خصوصًا في الانتفاضتين الأولى والثانية. لذلك تميز سكان المخيّمات الفلسطينية بالشجاعة والفدائية، وباتت المخيّمات رمزًا للصمود والتصدّي داخل الوطن وخارجه، ليس في المخيلة الفلسطينية فقط، بل في مخيلة شعوب المنطقة قاطبةً، وهو ما حوّل مخيّمات دول الطوق، ولا سيّما في سورية إلى حاضنةً سياسيةً للنشاط السياسي والنضالي الثوري؛ فلسطينيًا كان أم سوريًا، وهنا مكمن خطورتها، وسبب استهدافها المتكرر من قبل القوى والنظّم الرجعية والاستبدادية والنهبية.
أحداث مخيم عين الحلوة وسواه من مخيمات الشتات مرتبطةٌ باعتداءات الاحتلال الصهيوني على كلّ المخيّمات
إنّ ثورية المخيّمات وفدائية قاطنيها حوّلتها إلى أهدافٍ أمينةٍ وعسكريةٍ للاحتلال الصهيوني أولاً، ولأنظمة دول الطوق قاطبةً ثانيًا، لذا حاصرها النظام السوري مراتٍ عدةً، وقصفها بشتى أنواع القنابل والمتفجّرات، وزرع فيها تنظيماتٍ فلسطينيةً ظاهريًا وأمنيةً مضمونًا تدين بالولاء له وحده، أبرزها الجبهة الشعبية القيادة العامة، وفتح المنشقين. في حين حاصرت الدولة اللبنانية مخيّمات الفلسطينيين وطوقتها بقواتها الأمنية، كما فرضت تأشيرةً أمنيةً خاصّةً بدخول المخيّم من غير ساكنيه، وكأنها سجونٌ خطيرةٌ أو ربّما سريةٌ. أما الاحتلال الصهيوني فقد استهدف؛ وما زال، كلّ المخيّمات الفلسطينية؛ داخل فلسطين وخارجها، بأقوى القذائف، كما حاول حصارها مراتٍ عديدةٍ، وتكبدت قواته العسكرية والأمنية خسائر فداحةٍ ومتكررةٍ، نتيجة محاولاته المتكررة اقتحام المخيّمات، كما في مخيّم جنين الشهر الفائت، وكما تشهد مخيّمات غزّة وبلاطة وسواها من المخيّمات.
لذا لا يبدو ما حدث؛ وربّما ما زال، في مخيّم عين الحلوة مجرد صراعٍ على النفوذ والسيطرة، بقدر ما يمثل جزءًا من مخطط استهداف المخيّمات، وتقويض طاقتها الثورية والتحررية، بوسائل وأدواتٍ مختلفةً، إذ لم يكتفِ أعداء الحرية بتدمير المخيمات وحصارها، ولا بتفقير ساكنيها، ودفعهم قسرًا نحو الهجرة إلى دولٍ بعيدةٍ، بغرض تأمين أبسط حقوقهم الإنسانية، بل يحاولون بكلّ جهودهم تصفير طاقات المخيّمات الثورية، عبر حرفها عن بوصلتها الثورية أولاً، وتفريغ المنظّمات الفلسطينية من أساسها الثوري والتحرري ثانيًا، ومن خلال زرع بذورٍ فاسدةٍ متطرّفةً ومتخلفةٍ ثالثًا، تعمل على حرف الوعي التحرري الوطني والاجتماعي نحو مفهومٍ مشوهٍ يدعوا إلى مجابهة التطوّر والعلم والعدالة والمساواة، بل والحرية الوطنية والاجتماعية.
الواضح هنا؛ أنّ دخول هذه المجموعات المتطرّفة والرجعية إلى حارات المخيّم عملٌ ممنهجٌ ومدرسٌ، وهو ما يدل عليه إمكانياتها العسكرية والمالية وقدراتها على كسر حصار المخيّم والولوج إليه، فضلاً عن تدريب عناصرها وسواها من الأمور اللوجستية. وهو ما يخدم مصالح الاحتلال الصهيوني، عبر إغراق المخيمات بمشاكل عويصةٍ، وإشغالٍ ساكنيها بأزماتٍ يوميةٍ، من تأمين لقمة العيش، والبحث عن فرصة عملٍ أو دراسةٍ، وسواها من الأزمات المفتعلة بفعل سياسات النظم العنصرية والفاسدة والنهبية.
لذا يعتبر كاتب المقالة أنّ أحداث مخيم عين الحلوة وسواه من مخيمات الشتات مرتبطةٌ باعتداءات الاحتلال الصهيوني على كلّ المخيّمات، وتحديدًا على المخيّمات داخل فلسطين في الآونة الأخيرة، لأنّها جزءٌ من تقويض ثورية المخيّمات وإبعادها عن مشروعها الرئيسي، المتمثّل في تحرير فلسطين والعودة إليها وإلى مدنهم وقراهم وأراضيهم التي هجروا منها قسريًا، على يد الاحتلال وعصاباته الإجرامية.