تحوّل الاستياء الشعبي في ريف دير الزور الشرقي، شرقي سورية، والواقع تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، لجهة تهميش العرب سياسياً وإدارياً في المنطقة، إلى حركات احتجاج، ورفض لكل قرارات "الإدارة الذاتية" ذات الطابع الكردي.
تظاهرة لوجهاء ريف دير الزور ضد "قسد"
وطالب وجهاء ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات، والواقع ضمن ما يُعرف بمنطقة شرقي الفرات، أول من أمس الثلاثاء، بـ"انتخابات لرئاسة المجلس المدني"، مؤكدين رفضهم لوجود "كوادر" من حزب العمال الكردستاني تتحكم بالمنطقة ذات الوجه العربي الخالص.
طالب وجهاء ريف دير الزور الشرقي بانتخابات لرئاسة المجلس المدني
وقال أحد وجهاء المنطقة، الذين خرجوا بتظاهرة يوم الإثنين الماضي، تندد بقرار تعيين أحد الأشخاص رئيساً لمجلس دير الزور المدني، من قبل قوات "قسد"، إن "بعض الكوادر تتسلط علينا وهذا الأمر مرفوض ولا نقبله بشتى الوسائل".
ونفّذ المئات من أهالي ريف دير الزور وقفة احتجاجية الإثنين أمام مقر مجلس دير الزور المدني، في منطقة المعامل، مطالبين بتفعيل دور العرب في مؤسسات الإدارة الذاتية، ورافعين لافتات منددة بالمدعو "باران" وهو من كوادر حزب العمال المتحكمين بالمنطقة. وحذّر المحتجون من انفجار شعبي واسع النطاق في كامل شرقي الفرات، في حال لم يأخذ التحالف الدولي، وهو الداعم لـ"قسد"، مطالبهم بالاعتبار.
وتعد الوحدات الكردية الثقل الرئيسي في قوات "قسد" التي تسيطر على منطقة شرقي الفرات، التي يشكل العرب غالبية سكانها، إلا أنهم على هامش الحياة السياسية والإدارية في مناطقهم.
وينتمي كلّ سكان ريف دير الزور الواقع تحت سيطرة "قسد" إلى قبائل عربية معروفة، وكذلك سكان محافظة الرقة التي يقع القسم الأكبر منها تحت سيطرة هذه القوات، التي تسيطر أيضاً على جلّ محافظة الحسكة التي يشكل العرب أيضاً غالبية سكانها.
ومنذ سيطرة "قسد" على منطقة شرقي الفرات، بدءاً من عام 2016، وحتى بداية عام 2019، حين أعلن التحالف الدولي القضاء على تنظيم "داعش" في المنطقة، همّشت هذه القوات المكون العربي الذي يفتقد إلى مرجعية سياسية واحدة يمكن أن تمثّله. واعتمدت هذه القوات على أشخاص من المكون العربي بلا وزن شعبي ودفعتهم إلى الواجهة، في ظلّ محاولات مكشوفة لفرض ثقافة دخيلة على المنطقة.
استياء واسع من ممارسات "قسد"
ويرى محمد جدعان، وهو أحد المشاركين في تظاهرة منطقة المعامل، أن التظاهرات ستستمر طالما أن "قسد" لم تضع حداً للفساد في كل مفاصل إدارات المناطق العربية. وأضاف جدعان في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "من حقنا أن ندير مناطقنا بأنفسنا، وأن تتم محاسبة من يخطئ".
وشدّد جدعان على أن "الواقع الآن، هو أن قسد تعيّن أشخاصاً فاسدين من كوادر حزب العمال، يأتون لنهب المنطقة وابتزاز الناس ونشر ثقافة الفساد". وتابع: "نطالب المكون العربي في قسد بأن يقف إلى صفنا في مطالبنا المحقة، لا أن ينفذ ما يطلب منه".
وتعليقاً على ذلك، أوضح مدير مركز "الشرق نيوز"، فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الاستياء الشعبي في ريف دير الزور الواقع تحت سيطرة قسد ليس جديداً"، لافتاً إلى أنه "منذ سيطرة هذه القوات على المنطقة والاستياء والغضب الشعبي موجود وتجلى أكثر من مرة باحتجاجات كبيرة".
وعزا علاوي هذا الاستياء لـ"عدم قدرة قسد على إدارة جميع الملفات في المنطقة"، موضحاً أن سكان هذا الريف "عرب بشكل كامل، ومن ثم ليس هناك قبول شعبي لوجود هذه القوات". وأضاف أن "هناك فسادا على نطاق واسع وعدم انضباط أمني واعتقالات من قبل قسد بتهم غير صحيحة"، مشيراً إلى أن "أي شخص ينتقد هذه القوات يُتهم على الفور بالانتماء لداعش ويُعتقل".
ونبّه مدير مركز "الشرق نيوز" كذلك، من أن "قسد تعمد إلى دعم كتلة عشائرية معينة على حساب الكتل الأخرى، وهو ما سبّب احتقاناً بين عشائر المنطقة". ورأى أن هذه القوات "تحاول اللعب على وتر الخلافات بين العشائر لتفرقة صفوفها".
وأعرب علاوي، وهو من أبناء ريف دير الزور، عن اعتقاده بأن ما يجري "مقدمة لانفجار شعبي، ولكن من غير الواضح ما إذا كان هذا الانفجار سيكون عنيفاً، أم سيقتصر على الاحتجاجات والتظاهرات".
ورأى علاوي أن "على التحالف الدولي التحرك لإنصاف أهل المنطقة، وإشراكهم على الأقل في إدارتها، وحلّ ملف المعتقلين وتحسين الحالة المعيشية". ورجّح أنه "لو جرى انسحاب أميركي من المنطقة، فسيحدث انفجار كبير في حال بقاء الأوضاع على ما هي عليه اليوم".
خشية من عودة النظام
ولطالما حاول النظام السوري استغلال الاستياء العربي من سلطة الأمر الواقع المتمثلة بقوات "قسد" وإدارتها الذاتية، إلا أن "سكان المنطقة يرفضون بالمطلق أي عودة للنظام تحت أي ذريعة كانت"، بحسب ما أكد أحد الكتّاب في مدينة الرقة، والذي فضّل عدم ذكر اسمه.
فراس علاوي: قسد تعمد إلى دعم كتلة عشائرية معينة على حساب الكتل الأخرى
وأشار الكاتب في حديث مع "العربي الجديد"، إلى "السياسة التي تتبعها قسد في شمال شرقي سورية، وهي تكرار لنفس السيناريو الذي مارسه النظام على مدى 50 عاماً، والقائم على تهميش وإقصاء أهل محافظات الرقة ودير الزور والحسكة".
واعتبر الكاتب أنه "يجب على هذه القوات أن تعي أن محاولات فرض ثقافة حزب العمال الكردستاني لن تنجح في محيط عربي خالص، له رموزه التي يعتز بها". وأشار إلى أن "غالبية سكان المنطقة يغضون الطرف عن هذه المحاولات، خشية حدوث انفجار يستفيد منه النظام وأعوانه"، لكنه شدّد على أنه ينبغي على الإدارة الذاتية "مراجعة سياساتها قبل فوات الأوان، واستبعاد كل الكوادر القادمة من وراء الحدود".
وفي السياق، أوضح الباحث السياسي سعد الشارع، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "مصطلح المكون العربي في شرقي الفرات ليس دقيقاً، كون العرب هم غالبية السكان، وليسوا مجرد مكون، بل أهل المنطقة مع وجود أقليات من كرد وتركمان وسريان".
ولفت الشارع إلى أن "قوات قسد تمكنت خلال السنوات الماضية من نزع أوراق القوة لدى العرب وتحجيم دورهم إن صح التعبير"، مشيراً إلى أن "مجلس دير الزور العسكري تابع لقوات قسد وتتحكم به كما تريد".
وأوضح الباحث السياسي، أن هذه القوات "أنشأت مجلساً للعشائر في شمال شرقي سورية، ويبدو أنها استحوذت على قراره"، مبيناً أنه "ليست هناك قوة دولية داعمة للعرب في منطقة شرقي نهر الفرات".
وفي هذا الخصوص، ذكّر الشارع بأن "التحالف الدولي عقد جلسات مع الوجهاء في المنطقة وهم يعرفون أن العرب مهمشون ولكنهم لم يقدموا حلولاً ناجعة".
وأعرب الشارع عن اعتقاده بأن "واشنطن تريد إبقاء قسد الجهة المسيطرة على منطقة شرقي نهر الفرات في الوقت الراهن". وبرأيه، فإن "انفجاراً واسعاً لن يحدث في المنطقة لأن الظروف غير مهيأة لذلك، ولأن الناس يتخوفون من عودة ما للنظام ودخول للمليشيات الإيرانية في حال حدوث اضطرابات".
وبيّن الشارع أن "منطقة شرقي الفرات هي الأغنى في سورية حيث الثروة النفطية والزراعية، لكن قوات قسد تستحوذ على هذه الثروات وهو ما يخلق أزمات معيشية خانقة للسكان". لكنه استبعد حدوث ثورة شعبية على الإدارة الذاتية.