اندلعت اشتباكات في بلدة جاسم بمحافظة درعا، جنوبي سورية، أمس الثلاثاء، بين قوات النظام ومقاتلين محليين مطلوبين للأجهزة الأمنية. وذكر "تجمّع أحرار حوران" (مؤسسة إعلامية مستقلة، تنقل أحداث الجنوب السوري)، أن مدنياً قُتل وأصيب ثلاثة آخرون، بينهم طفل برصاص طائش نتيجة الاشتباكات في الحي الغربي في البلدة.
وبدأت الاشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة عقب مداهمة قوات النظام لمبنى، ذكرت أن مطلوبين للأجهزة الأمنية متمركزون فيه. وذكر الناشط الإعلامي يوسف معربة في حديث مع "العربي الجديد"، أن المجموعة المتحصّنة بالمبنى "عطبت مصفحة لقوات النظام، أدت إلى مقتل وإصابة عدد من عناصرها"، مشيراً إلى أن قوات النظام استقدمت تعزيزات، مهددة بقصف الحي في حال عدم تسليم المطلوبين أنفسهم.
اشتباكات جاسم وذكرى الثورة السورية
وتقع بلدة جاسم في ريف درعا الشمالي الغربي، وهي كانت آخر البلدات التي دخلت اتفاقات التسوية مع النظام أواخر العام الماضي. ولم تؤدِ هذه التسويات إلى استقرار أمني، بل تعمل قوات النظام والأجهزة الأمنية على نشر الفوضى من خلال القيام بعمليات اغتيال واسعة النطاق.
وتزامنت الاشتباكات وتأزم الأوضاع في بلدة جاسم مع إحياء السوريين الذكرى الـ11 لانطلاق الثورة السورية، التي بدأت شرارتها الأولى في دمشق في 15 مارس/آذار 2011، قبل أن تنتقل إلى محافظة درعا في 18 مارس من العام نفسه.
وتشهد مدن وبلدات محافظة درعا فلتاناً أمنياً تؤكد المعطيات على الأرض أن النظام يرسّخه، على الرغم من أن المحافظة أصبحت تحت سيطرته بشكل كامل بعد التسويات التي أجريت أواخر العام الماضي، باستثناء بلدة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي، بسبب وجود اللواء الثامن بقيادة أحمد العودة التابع للجانب الروسي في جنوب سورية.
وتضمّنت الاتفاقات الجديدة تسليم السلاح الفردي وتسوية أوضاع المطلوبين للنظام أمنياً، وعودة المنشقين عن قوات النظام إلى وحداتهم العسكرية في غضون ستة أشهر، وتهجير من يرفض الاتفاق.
النظام يعمل على ترسيخ الفلتان الأمني في درعا
وفي السياق، وثّق مكتب "توثيق الشهداء في درعا" خلال شهر فبراير/شباط الماضي 42 عملية ومحاولة اغتيال، أدت إلى مقتل 30 شخصاً وإصابة 8 آخرين، وفق المكتب الذي أشار إلى أن هذه الإحصائية لا تتضمن الهجمات التي تعرضت لها حواجز وأرتال قوات النظام.
كما وثّق المكتب خلال العام الماضي، ما مجموعه 508 عمليات ومحاولات اغتيال، أدت إلى مقتل 329 شخصاً وإصابة 135 آخرين، بينما نجا 44 شخصاً من محاولات اغتيالهم.
في المقابل، أحصى مكتب التوثيق في "تجمع أحرار حوران"، ما مجموعه "291 عملية ومحاولة اغتيال في العام الماضي، نتج عنها مقتل 226 شخصاً، 131 منهم من المدنيين، و95 من غير المدنيين".
وشهدت محافظة درعا خلال العام الحالي عشرات عمليات الاغتيال التي طاولت بعض الشخصيات من فصائل المعارضة التي خضعت للتسوية، غير الراضين عن اتفاقية التسوية الجديدة التي فرضت على المنطقة. وتشير هذه التطورات إلى أن النظام يستغل عمليات التسوية لتنفيذ عمليات انتقامية بحق معارضيه.
النظام السوري غير معني بترسيخ الاستقرار
وتطاول عمليات الاغتيال أيضاً مدنيين وعسكريين من قوات النظام والأجهزة الأمنية أو متعاونين معها من أبناء المحافظة. والجهات التي تقف وراء عمليات التصفية والاغتيالات غير معروفة.
غير أن الناشط خالد العمار، المقيم في مدينة جاسم، يقول في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن النظام يقف وراء بعضها بينما تقف مليشيات إيرانية وراء بعضها الآخر، مشيراً إلى أن "الفوضى تعمّ محافظة درعا".
واعتبر العمار أن النظام "غير معني على الإطلاق في ترسيخ الاستقرار في المحافظة، بل يعاقبها لأنها بدأت الثورة ضده في عام 2011".
قُتل ما بين 226 و329 شخصاً بعمليات اغتيال العام الماضي
وما يؤكد أن محافظة درعا باتت ساحة لتصفية الحسابات، فقد اغتال مجهولون أواخر الشهر الماضي، الضابط الرفيع في جهاز الأمن السياسي التابع للنظام، الرائد ماهر وسوف، عبر استهداف سيارته بالرصاص على طريق الأوتوستراد الدولي دمشق – درعا، بالقرب من قصر البطل في بلدة صيدا.
ورجحت مصادر محلية أن يندرج مقتل الضابط وسوف في سياق "حرب تصفيات داخل أجهزة النظام الأمنية، أو نتيجة خلاف على شحنات مخدرات". ومنذ سيطرة النظام على محافظة درعا، بما فيها المعابر والحدود مع الأردن، زادت عمليات تهريب المخدرات عبر هذه الحدود.
وتؤكد المعطيات أن الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد تقف وراء هذه العمليات. وأعلنت مديرية التوجيه المعنوي التابعة للقوات المسلحة الأردنية، مطلع العام الحالي، عن إحباط 361 عملية تهريب وتسلل عبر الحدود البرية الأردنية خلال العام الماضي، أحبط فيها الجيش تهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة والممنوعة.