قوبلت عملية اغتيال موظف تابع للأمم المتحدة من قبل مسلحين مجهولين في محافظة تعز اليمنية بإدانات واسعة، أممياً ودولياً، ومحلياً من مختلف الأطياف والتوجهات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الاعتبارية، وسط مخاوف من تأثيرات سلبية على العمل الإغاثي في المدينة المحاصرة من قبل الحوثيين للعام التاسع توالياً.
وأكد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة مقتل موظف تابع له في اليمن يوم الجمعة الماضي، هو الأردني مؤيد حميدي، برصاص مسلحين مجهولين، معتبراً ما جرى "مأساة كبيرة لنا وللعمل الإنساني"، مضيفاً أن "أي خسارة لأي موظف في العمل الإنساني مأساة وأمر غير مقبول".
وأشار بيان البرنامج إلى أن حميدي "وصل أخيراً إلى اليمن لتولّي منصبه الجديد رئيساً لمكتب برنامج الأغذية العالمي في تعز"، موضحاً أنه عمل مع المنظمة الأممية "لما يقرب من 18 عاماً، منها في مناصب سابقة في اليمن وفي السودان وسورية والعراق".
وسارعت السلطات إلى ملاحقة المتورطين والكشف عنهم. وفيما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن حادثة الاغتيال تلك، أعلنت الأجهزة الأمنية بتعز أمس السبت اعتقال اثنين من المشتبه بهم، فضلاً عن اعتقال عشرة آخرين لتورطهم في مقتل مؤيد حميدي.
وسبق ذلك تأكيد السلطات التعرف على هوية منفذي العملية، إذ أورد تعميم موجه من وزارة الداخلية للأجهزة الأمنية والمنافذ أن المطلوب على ذمة القضية هو شخص يدعى "أحمد يوسف الصرة"، من دون مزيد من التفاصيل.
وقال مسؤول أمني في تعز، لوكالة "فرانس برس"، مساء أول من أمس الجمعة، إن "مرتكب جريمة الاغتيال بحق الموظف الأممي في مدينة التربة بتعز مؤيد حميدي هو من أبناء محافظة لحج، منطقة الصبيحة"، مشيراً إلى أنه "موجود في مدينة تعز منذ 2017، بعد أن فرّ من محافظة عدن بسبب الملاحقات الأمنية لعناصر تنظيم القاعدة".
وسارع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى التوجيه بضبط الجناة، مؤكداً "التزام الدولة بضمان كافة الإجراءات لإنفاذ العدالة، وتأمين موظفي الوكالات الإغاثية في المحافظات المحررة، وتسهيل وصول تدخلاتهم الإنسانية الجليلة إلى جميع مستحقيها في أنحاء البلاد".
كما تعهدت الحكومة، في بيان لوزارة الخارجية، "أنها لن تدّخر أي مجهود لتنفيذ توجيهات رئيس مجلس القيادة الرئاسي لإنفاذ العدالة وإلقاء القبض على العناصر الإجرامية التي ارتكبت هذه الجريمة الشنيعة".
مصطفى الجبزي: الجريمة الأخيرة تضاف إلى المتاعب التي تواجه تعز
إدانات من الحوثيين والانتقالي
وأدانت جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) الجريمة. واعتبر المتحدث باسمها محمد عبد السلام، في بيان، أنها مؤشر على الانفلات بمناطق سيطرة الحكومة. كما صدرت بيانات أخرى عن عدة جهات وقيادات تابعة للجماعة بصيغ متقاربة.
كما أدان "المجلس الانتقالي الجنوبي" المطالب بانفصال جنوب البلاد، في بيان صادر عن المتحدث باسمه علي الكثيري، الجريمة، التي أدانها أيضاً المكتب السياسي للمقاومة الوطنية التابع لطارق صالح عبر بيان لفرعه في تعز.
من جانبها، أدانت الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في المحافظة، في بيانين منفصلين، الجريمة. واعتبرها بيان الأحزاب استهداف لـ"قلب تعز المحاصرة ومظلوميتها الكبيرة جراء الحرب والحصار"، وأيضا استهداف لـ"الموقف الإيجابي للمنظمات تجاه تعز ومكاسبها التي حققتها بتضحيات جسيمة في مجال استتباب الأمن وترسيخ مظاهر الدولة واحترام حقوق الإنسان".
وأشار بيان منظمات المجتمع المدني إلى أن "هذا الحادث الجبان يتزامن مع اختيار محافظة تعز نموذجاً لتطبيق مشروع الانتقال إلى المشاريع المستدامة من قبل المنظمات الدولية".
وهو ما أشار إليه رئيس البرلمان، في شقه الموالي للحكومة، سلطان البركاني، الذي علق على الحادثة بالقول إنه "ما كاد العالم يستجيب لمأساة اليمن الإنسانية، ويبدأ أولى الخطوات لتقديم تعز نموذجاً لخروج اليمن من محنته، ليقرر أن تكون ملتقى أممي نموذجي لجهود التنمية، فيستبشر البسطاء والمحرومون، إلا أن قطاع الطرق وعصابات الإرهاب تأبى إلا أن تمارس هواية الدم والدمار باعتدائها على موظف أممي".
وخلال السنوات الماضية، مثّل عمل المنظمات الأممية المعنية بالشأن الإنساني في محافظة تعز المحاصرة، والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة بشكل عام، معضلة، نتيجة وجود الكتل الرئيسية لتلك المنظمات في مناطق سيطرة الحوثيين بصنعاء، ما تعتبره الحكومة بشكل علني أنه رضوخ من قبل تلك المنظمات لضغوط الحوثيين عليها.
خشية من تأثير الاغتيال على النشاط الإنساني في تعز
ويُخشى أن تزيد هذه الحادثة من أزمات النشاط الإنساني والإغاثي في تعز، لا سيما أنها ليست المرة الأولى، إذ سبق أن قتل موظف لبناني يعمل في الصليب الأحمر الدولي بنيران مسلحين مجهولين في منطقة الضباب عند المدخل الجنوبي الغربي للمدينة في إبريل/نيسان 2018، في حادثة أثّرت كثيراً على مسار العمل الإغاثي والإنساني في المدينة، وفقاً لمراقبين وقتها.
ولدى تلقيه اتصالاً من رئيس مجلس القيادة في اليمن، حاول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس طمأنة الجانب اليمني بخصوص ذلك. وقال إن "هذا الحادث الإرهابي لن يؤثر على تدخلات الأمم المتحدة وبرامجها الإغاثية المقدمة للشعب اليمني في مختلف المجالات. كما أكد التزام المنظمة الدولية بمواصلة مساعيها الحميدة من أجل إحلال السلام والأمن والاستقرار في اليمن" وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الحكومية الرسمية (سبأ) الأول من أمس الجمعة.
التأثير على الجانب الإنساني سيكون كارثياً
وقال الكاتب والباحث اليمني المقيم في فرنسا مصطفى الجبزي إن الجريمة الأخيرة "تضاف إلى المتاعب التي تواجه تعز"، مضيفاً، في تغريدة، أن "اغتيال موظف دولي في القطاع الإنساني تأكيد على إرادة قذرة لتجويع المحافظة وحرمانها من أي مساعدة وإمعان في أشكال الحصار".
من جانبه، رأى الكاتب الصحافي أحمد شوقي أحمد أن تأثير الحادثة على الجانب الإنساني "سيكون كارثياً"، مضيفاً أنه "في السابق، كانت هناك حالة تهرب من قبل المنظمات الدولية من العمل في المناطق المحررة، وكانت حادثة اغتيال (اللبناني) حنا لحود في 2018، رغم أنه جاء في زيارة عابرة، ذريعة لعدم انتقال المنظمات إلى مدينة تعز".
أحمد شوقي أحمد: المستفيد من العملية التي حدثت في تعز هو مليشيا الحوثي
واعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "اتصال العليمي بالأمين العام للأمم المتحدة وإبلاغه التعازي، والتعهد بتأمين الموظفين الأمميين، يعني أن هناك قصوراً في عملية التنسيق مع الجهات الأمنية لتأمين المسؤول الأممي، وهو شيء يمكن تلافيه في المستقبل" وفق قوله.
وأشار أحمد إلى "تقصير كبير لبرنامج الغذاء في تقديم المساعدات لتعز في السنوات الماضية"، حيث إن "مليشيا الحوثي نهبت سابقاً شحنات غذائية كانت مخصصة لتعز، بسبب إصرار البرنامج على أن تمر الشحنات المخصصة للمحافظة عبر مناطق تحت سيطرة المليشيات، وبالتالي على برنامج الغذاء أن يستمر في تعز في الفترة القادمة لتلافي تقصير السنوات الماضية".
وعن المستفيد من تلك العملية، قال أحمد إن "المستفيد من العملية التي حدثت في مطعم شعبي بمدينة التربة هو مليشيا الحوثي، وهناك احتمال أن تكون هناك جهات أخرى، مستفيدة بشكل ما، تقف وراء العملية".