- الاتهامات ضد قيادة الفرقة تشمل تحويل الفصيل لشركة تجارية تخدم مصالح عائلة المعتصم وتورطهم في تهريب الأسلحة ونهب المخصصات المالية، ما يعكس تعقيدات إدارة الموارد.
- الأحداث تبرز الحاجة لتدخل تركي لاستعادة الاستقرار وتعكس هشاشة المؤسسة العسكرية بالشمال السوري، مع تأكيد على أهمية فرقة المعتصم كفصيل منضبط ومحترم لحقوق المدنيين.
حُسم الصراع الداخلي في فصيل فرقة المعتصم التابع للمعارضة السورية في شمال البلاد لمصلحة قيادته، عقب تحرك عسكري نفذه قياديون في المجلس العسكري للفرقة، في محاولة لكف يد قيادة الفرقة التي يقودها المعتصم عباس وعدد من إخوته، بعدما وجهوا إليها تهم الفساد والتسلط، لكن ما جرى في الأيام الماضية يعيد التساؤلات حول الفوضى التي تعتري عمل الفصائل المسلحة المعارضة وخطورة الاحتكام إلى السلاح لحل الخلافات.
وكانت اشتباكات اندلعت، ليل الأربعاء- الخميس، الماضي، ضمن مبنى الأركان التابعة لفرقة المعتصم في مدينة مارع الواقعة ضمن ما تُعرف بمنطقة "درع الفرات"، شمالي محافظة حلب، بين مجموعات المجلس العسكري التي يقودها الفاروق أبو بكر ومصطفى سيجري العاملان ضمن الفرقة، وقادة الصف الأول في الفرقة. وسلّم القادة المنقلبون أنفسهم، أول من أمس الجمعة، إلى جهاز الشرطة العسكرية التابع للجيش الوطني المعارض، بعدما أصدر مذكرات اعتقال بحقهم عقب سيطرتهم على مبنى الأركان التابعة لفرقة المعتصم.
وكان هؤلاء وجهوا إلى قيادة الفرقة تُهم فساد وتسلط، في حدث نادر الحدوث في المنطقة الخاضعة للنفوذ التركي خضوعاً مطلقاً. وكان سيجري أبرز القادة المنقلبين (اعتقل الجمعة في مدينة إعزاز)، قد دافع عن تحركهم بالقول إن فرقة المعتصم تحوّلت "من فصيل عسكري ثوري إلى شركة تجارية أمنية خاصة بآل عباس في مارع وبناء ثروة وإمبراطورية مالية هائلة من خلال تهريب شحنات ضخمة من الأسلحة الأميركية النوعية والأسلحة والذخائر الروسية من سورية إلى ليبيا وبيعها وتقدر بملايين الدولارات". كما اتهم على منصة إكس، الخميس الماضي، قيادة الفرقة بـ"إخفاء كامل العائدات المالية الخاصة بالفرقة وسرقتها وتقدر بملايين الدولارات"، وبـ"نهب رواتب المقاتلين الآتية من تركيا وسرقتها، وكذلك المخصصات الشهرية من المعابر الداخلية والخارجية والمشاريع الاقتصادية وتقدر بمئات الآلاف من الدولارات شهرياً". كما ساق العديد من التُّهم الأخرى من بينها "إدارة شبكات تهريب البشر والمواد الممنوعة ومشاريع التنقيب عن الآثار والتي تقدر بملايين الدولارات شهرياً".
من جانبه، قال المعتصم عباس، على "إكس" الخميس الماضي، إن "القضاء سيأخذ مجراه في محاسبة المجرمين القتلة الذين يدّعون الثورية وهم بعيدون عنها بسفكهم للدماء مقابل السلطة والمال بالغدر والخيانة".
انشقاق داخل فرقة المعتصم
من جهته وصف الباحث في مركز جسور، وائل علوان، المتابع للمشهد الفصائلي بشمال سورية، ما جرى بـ"الانشقاق الداخلي"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تراكم الخلافات حول الإدارة أوصل الأمر إلى هذا الحد". ولفت إلى أن سيجري "يقول إنه حصل على معلومات تفيد بامتلاك قائد الفرقة وإخوته لأملاك كثيرة، فضلاً عن تصرفه بأموال الفصيل من دون علم المجلس العسكري"، موضحاً أنه يتعين على "الجانب التركي وقادة فصائل حل الإشكاليات وحصرها في نطاق محدد وإلا فستصل إلى الصدام والانقسام الداخلي".
واعتبر أن "الجانب التركي يريد الاستقرار للشمال السوري، لذا بادر إلى محاولة حل المشكلة، لكن الشرخ كان كبيراً ما أدى إلى اشتباك مسلح". ورأى أن محاولة المجلس العسكري في فصيل فرقة المعتصم حسم الأمر عسكرياً "تنذر بفوضى عارمة في الشمال السوري"، فيما "سيتم فصل الانقلابيين من الفصيل وعزلهم عن العمل العسكري، لأن المبادرة باستخدام السلاح ستكون حجة عليهم حتى لو امتلكوا الوثائق التي تدين قيادة الفصيل".
العقيدي: ما حدث يدلّ على هشاشة المؤسسة العسكرية في الشمال السوري
من جهته، رأى المحلل العسكري والقيادي السابق في الجيش السوري الحر، العقيد عبد الجبار العقيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ما حدث "دليل على هشاشة المؤسسة العسكرية في الشمال وهشاشة الجيش الوطني والحكومة المؤقتة التابع لها" وعلى أنه "لا تأثير لوزارة الدفاع على الفصائل المشكلة للجيش الوطني"، مشيراً إلى أن الصراع الداخلي في فرقة المعتصم "دليل على أن الفساد نخر الكثير من الفصائل التابعة للجيش الوطني". وأضاف: "هنا لا أعمم، إذ يوجد فصائل جيدة لكن في الوقت نفسه هناك الكثير من الفصائل الفاسدة"، معتبراً أنه "في الشمال السوري لا دور حقيقياً لوزارة الدفاع والشرطة العسكرية والقضاء"، إذ "كان يجب على الوزارة التدخل مباشرة وتعيين ضابط لقيادة الفرقة مشهود له بالنزاهة".
وتأسس فصيل فرقة المعتصم في عام 2015 في بلدة مارع شمال شرقي مدينة حلب من مقاتلين محليين خاضوا معارك طاحنة في عام 2016 مع تنظيم داعش، والذي فشل في السيطرة على البلدة رغم سيطرته على أغلب ريف حلب الشمالي في ذلك العام. وكان الفصيل يتلقى مساعدات عسكرية من وزارة الدفاع الأميركية؛ وهي أسلحة خفيفة ومتوسطة، وفق ما أكد قياديون فيه، عام 2017، وذلك لمواجهة تمدد "داعش" وقتاله. ووصفت مصادر محلية في حديث مع "العربي الجديد" فصيل فرقة المعتصم بـ "المنضبط"، مشيرة إلى أنه "من الفصائل القليلة التي لا تتدخل في حياة المدنيين ولا تمارس تجاوزات بحقهم في أماكن تمركزه بالشمال السوري".
وبعد تأسيس الجيش الوطني المعارض في عام 2019، انضم الفصيل إليه، وبات من فصائل الفيلق الثاني فيه، والذي يضم أيضاً كلّاً من فرقة السلطان مراد، وفرقة الحمزة، ولواء صقور الشمال، وجيش الإسلام، وفيلق الرحمن. ولكن هذا الجيش لم يحقق هدفه وهو تجاوز الحالة الفصائلية في الشمال السوري، إذ احتفظ كل فصيل بسلاحه وقيادته وقراره باستثناء قراري الحرب والسلم، سواء مع النظام أو مع الوحدات الكردية، والذي بات لدى الجانب التركي بالكامل.