بدّدت التصريحات التي أطلقها قادة عسكريون وسياسيون أردنيون مقرّبون من مركز صناعة القرار، المخاوف التي سرت في أعقاب إعدام تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً، عن دور مرتقب للقوات المسلّحة الأردنية في المعركة البرية المرتقبة ضد التنظيم، حين أعلنوا صراحة وضمنياً أن بلادهم لن تكون طرفاً في تلك الحرب.
لكن مصدراً حكومياً أردنياً ترك الباب موارباً على احتمالات المستقبل، وقال لـ"العربي الجديد" إنه وحتى هذه اللحظة فـ"الجهد البري لمواجهة التنظيم مرتبط بالجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية، لكن حتى إقرار موعد بدء العملية البرية ستتم إعادة دراسة مقتضيات الوضع العسكري لتلك القوات، حينها ستتم صياغة استراتيجية بناءً على الوضع القائم، وتقييم الأوضاع الميدانية".
ورأى المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، "أن التلويح بالخيارات المتعددة للتحالف الدولي سيجعل التنظيم في حالة قلق دائم، يحرمه من تطوير استراتيجية للتعامل مع ما ينتظره".
استبعاد المشاركة البرية عبّر عنها رئيس مجلس الأعيان الأردني عبد الرؤوف الروابدة، وهو شخصية مقرّبة من القصر والدوائر الأمنية في الأردن، حين أعلن، الأربعاء الماضي، بشكل واضح أن "الأردن لن يدخل حرباً برية"، وهو ما أعقبه بعد ساعات تأكيد رئيس هيئة الأركان الأردنية، مشعل الزبن، من العاصمة بغداد التي زارها لساعات، أن "القوات المسلّحة الأردنية تضع جميع إمكانياتها لمساعدة العراقيين في مجال التدريب والتسليح"، وهو ما فسّره مصدر عسكري لـ"العربي الجديد" بقوله إن "المساعدة الأردنية لا ترتقي إلى مستوى المشاركة في العمليات البرية".
وكشف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن المساعدة الأردنية للقوات العراقية في مجال التدريب ستبدأ في غضون الفترة المقبلة، بناء على اتفاق بين وزارتي الدفاع الأردنية والعراقية، يتم بموجبه تدريب عناصر الجيش العراقي في مركز خاص في الأردن، على محاربة التنظيمات الإرهابية.
التوجّه العراقي إلى الاستعانة بالخبرات الأردنية في مجال التدريب العسكري، تبلور خلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، إلى عمّان في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
أما تصريحات المسؤولين الأردنيين التي نأت بالبلاد عن احتمالات المشاركة البرية، حملت في ثناياها تصميماً أردنياً على مواصلة الحرب على تنظيم "داعش"، ضمن صفوف التحالف الدولي، كما حملت إشارات إلى تحصين حدود الأردن عسكرياً ضد الأخطار المحتملة من التنظيم.
الروابدة أرجع الحرب إلى الرغبة الأردنية في "التصدي للإرهاب الذي يسيء للإسلام"، وهو السبب نفسه الذي أعلنه رئيس هيئة الأركان الأردني، الذي نقل رسالة إلى العبادي من الملك الأردني عبدالله الثاني مفادها أن "الأردن والعراق في خندق واحد في محاربة خطر العصابات الإرهابية".
هذا الخندق الواحد يقول المصدر العسكري نفسه لـ"العربي الجديد" إنه "لا يرتقي إلى مشاركة القوات الأردنية في الحرب البرية، التي ستُناط بالقوات العراقية، وبإسناد من التحالف".
وأكد المتحدث باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، التزام بلاده بمواصلة الحرب على "داعش"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "الأردن جزء من التحالف الدولي، وهو مصمم على القضاء على الإرهاب، ونتعاون مع أشقائنا وحلفائنا ونتشاور، من أجل الطريقة الأمثل لذلك".
وأوضح أن "أي تفاصيل مرتبطة بالعمليات العسكرية، سيتم الإعلان عنها من خلال المؤسسات المعنية فيها، وبحسب التقديرات العسكرية التي تراعي مصلحة الدولية العليا".
لكن المحلل العسكري الأردني، اللواء الركن المتقاعد محمود أرديسات، استبعد وجود دور أردني في الحرب البرية المتوقعة على التنظيم. وقال لـ"العربي الجديد" إن "الحرب الأردنية على "داعش" لا تزال حتى الآن حرباً استباقية، تستوجب تحصين الحدود الأردنية في مواجهة أي خطر قادم من الخارج"، لافتاً إلى أن "الدور الأردني سيكون جزءاً من كلٍ، وبالتالي فإن القوات الأردنية لن تكون رأس حربة في أي جهد عسكري يتم الاتفاق عليه".
وبحسب أرديسات، فإن التدخل البري في حال كان ضمن فرضيات التحالف الدولي، فيجب أن يُشكَّل من وحدات من جميع الدول المشاركة في التحالف، بناءً على استراتيجية وخطة عسكرية واضحة، مشدداً على أن هذا التوجّه ليس من ضمن استراتيجية التحالف حتى الآن، في ظل رهانه على الجيش العراقي وقوات البشمركة لمواجهة "داعش" براً في العراق، من دون أن يطور استراتيجية واضحة للتعامل مع التنظيم في سورية، بسبب تعقيدات الحالة السورية.