رغم الإعلانات المتكررة من جانب "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) بشأن السيطرة على الوضع في سجن الثانوية الصناعية، وحي غويران الذي يقع فيه السجن، في مدينة الحسكة شمال شرقي سورية، إلا أن كثيراً من المعطيات تشير إلى تواصل الاشتباكات في محيط السجن مع عناصر تنظيم داعش الفارين، وسط معلومات أيضاً عن عدم تمكن "قسد" من السيطرة على مبنى السجن نفسه الذي ما زال عناصر داعش يحتجزون فيه عشرات الرهائن من حراس السجن والموظفين.
وذكرت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن الاشتباكات تواصلت اليوم السبت في محيط السجن، فيما تحلق طائرات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة على علو منخفض فوق حي غويران، بعدما دمرت أمس بعض المنشآت في المدينة، منها مبنى المعهد التقني، بحجة أن عناصر داعش الفارين لجأوا إليها.
وذكر موقع "الخابور" المحلي أن "قسد" لم تتمكن من سحب عدد كبير من الجثث من محيط السجن الذي ما زال يشهد استعصاء عناصر تنظيم الدولة بداخله، مشيراً إلى أن قوات "قسد" أعدمت ميدانياً عدداً من سجناء داعش.
130 فاراً من سجون داعش
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن عدد الفارين الذين ألقي القبض عليهم وصل حتى الآن إلى 130 سجيناً من داعش، بينما لا يزال العشرات فارين ولا يعلم العدد الحقيقي للسجناء الذين تمكنوا من الهرب من السجن، حيث فر المئات خلال ليل أمس الأول وفجر الأمس، ولا يزال مصيرهم مجهولاً.
وأضاف المرصد أن حصيلة القتلى منذ بدء الهجوم على السجن مساء أمس الأول بلغت حتى الآن 78 قتيلاً، هم 45 من تنظيم "داعش" و28 من قوات "الأسايش" وحراس السجن وقوات مكافحة الإرهاب، التابعة لقسد، إضافة إلى 6 مدنيين.
كما أن مصير العشرات من موظفي وحراس السجن ما زال مجهولاً، في ظل مواصلة عناصر داعش السيطرة على المباني الداخلية في السجن، بينما ينتشر عناصر قسد في باحات السجن الداخلية وعند أسواره الخارجية، بالتزامن مع تواصل عمليات التمشيط لحي غويران وحي الزهور ومناطق في محيط السجن بحثاً عن عناصر داعش المهاجمين وسجناء التنظيم الفارين من السجن.
وقالت "قسد"، أمس، إنها ألقت القبض على نحو 110 من معتقلي داعش الفارين، في حين نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر عسكري أن "قسد" قتلت 23 عنصراً من التنظيم في الاشتباكات المستمرة بمحيط السجن.
وكان الرئيس المشترك لمكتب الدفاع في "الإدارة الذاتية" زيدان العاصي قد ذكر، في وقت متأخر من ليلة أمس، أنه سيطر على السجن وعلى حي غويران بالكامل.
ونقلت وكالة "هاوار" الكردية عن العاصي قوله إنه "لم يتبق سوى بعض الأفراد الفارين تدور معهم اشتباكات متقطعة".
وطالب العاصي المجتمع الدولي بـ"خطوات أكثر فاعلية للقضاء على تنظيم داعش الذي يحاول إعادة نشاطه في سورية والعراق". كما طالب بدعم قسد لأنها "الأكثر فاعلية في مواجهة الإرهاب" على حد قوله.
وسيطر مئات السجناء من تنظيم "داعش" مساء الخميس الماضي على سجن الصناعة بحي غويران، بعد هجوم شنته خلايا التنظيم من خارج السجن بسيارة ملغمة استهدفت محيط السجن، بالتزامن مع استعصاء من جانب السجناء الذين تمكنوا من الوصول إلى أحد مخازن السلاح، وهرب العشرات وربما المئات منهم خارج السجن، فيما سيطر البقية على المباني الداخلية للسجن واحتجزوا الحراس والموظفين رهائن.
الهجوم الأعنف والأضخم
ويقع السجن على أطراف حي غويران، وهو أحد السجون التي تحتجز فيه "قسد" آلاف المعتقلين الذين ينتمون لتنظيم "داعش" من 50 دولة، ويضم ما بين 3500 و5000 سجين.
ويعتبر هذا الهجوم من جانب داعش الأعنف والأضخم من نوعه منذ الإعلان عن القضاء على التنظيم كقوة مسيطرة على مناطق مأهولة بالسكان في مارس/ آذار 2019.
من جهته، قال نائب مدير "مركز المصالحة الروسية" في مطار حميميم أوليغ جورافليوف إن "تورط القوات الأميركية" في القضاء على عناصر تنظيم داعش الفارين من سجن غويران قد يؤدي إلى مقتل مدنيين.
ونقلت وكالة "تاس" الروسية عن جورافليوف قوله، في مؤتمر صحافي عقده أمس الجمعة، إن "الاستهداف الجوي الأميركي من المرجح أن يؤدي إلى تدمير منشآت للبنية التحتية للمدينة وسقوط ضحايا بين السكان المدنيين".
ورأى أن الأوضاع في شمال شرقي سورية "تثير قلقاً كبيراً"، ودعا "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية إلى التخلي عن المواجهة مع النظام السوري لضمان أمن السكان المدنيين والمنشآت العامة في المنطقة.
بدوره، اعتبر المتحدث الرسمي باسم الإدارة الذاتية، لقمان أحمي، أن الهجوم على سجن الثانوية الصناعية "عملية مركّبة تشارك فيها عدة أطراف، وهدفها إفشال الإدارة الذاتية".
وأضاف أحمي في تصريح لتلفزيون "روناهي" الكردي أن الطرف الأول هو "خلايا داعش السريّة، التي تحاول رفد عناصرها عن طريق المعتقلين في سجن الصناعة، وكذلك السلطة في دمشق عندما وصفت هذه الخلايا الإرهابية بأنها مجموعات المقاومة الشعبية ودعمها لهم إعلامياً ولوجستياً، والطرف الآخر هو النظام التركي ومرتزقته" وفق تعبيره.
لمتابعة آخر التطورات الخبرية على الشاشة، شاهد العربي أخبار:
ما وراء هروب عناصر داعش؟
غير أن الناشط الإعلامي سامر الأحمد اتهم "قسد بالتواطؤ أو غض الطرف على الأقل، عن هجوم داعش الذي استهدف السجن، بهدف تركيز الأنظار على خطر داعش، واستجداء تواصل الوجود الأميركي في المنطقة، في ضوء تخمينات بأن الإدارة الأميركية ربما تفكر في سحب أو تقليص قواتها في مناطق شرق سورية".
وأضاف الأحمد في تصريح، لـ"العربي الجديد"، أن هناك تساؤلات حول كيفية تمكن عناصر داعش من تنفيذ هذه العملية الضخمة المنسقة ما بين عناصر داعش داخل السجن وخارجه، لولا وجود تعاون أو اختراق لعناصر ومسؤولين في قسد. وأشار بشكل خاص إلى تمكن داعش من إدخال سيارات مفخخة إلى هذه المنطقة الحساسة أمنياً، فضلاً عن وجود تواصل بين عناصر داعش في السجن وخارجه.