لم تبقَ على الانتخابات الإسرائيلية، الرابعة في أقل من عامين، سوى 24 يوماً قبل حلولها في 24 مارس/آذار المقبل، فيما تبيّن استطلاعات الرأي العام، نوعاً من الثبات في قوة حزب "الليكود" بقيادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تتراوح بين 28 و29 مقعداً، بشكل عام، بما يجعله الحزب الأكبر في إسرائيل، لكن من دون قدرة على تشكيل حكومة ائتلاف بتأييد 61 نائباً من أصل 120 نائباً في الكنيست. في المقابل، فإن معارضي نتنياهو يصلون مع ضمّ أصوات القائمة الثلاثية المشتركة للأحزاب العربية، إلى تشكيل جسم مانع يحول دون تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة. لكن ذلك لا يعني قدرة هؤلاء المعارضين على ضمان تكليف أحد منهم لتشكيل حكومة تحصل على 61 مقعداً، عند استبعاد أصوات القائمة المشتركة، خصوصاً في حال تزعم معسكر معارضي نتنياهو، غدعون ساعر، زعيم حزب "تكفاه حداشاة" الذي كان انشق عن "الليكود" قبل أكثر من شهرين بقليل.
حاول نتنياهو إبراز يئير لبيد باعتباره خصمه الرئيسي
وقد حاول نتنياهو أخيراً، إبراز زعيم حزب "ييش عتيد"، يئير لبيد، باعتباره خصمه الرئيسي، وأن التصويت لحزب ساعر أو حزب نفتالي بينت (يمينا) يعني تشكيل حكومة يسار يقودها يئير لبيد، وتعتمد على دعم خارجي من النواب العرب، بينما يسعى نتنياهو لتشكيل حكومة يمين "كاملة" من اليمين ومن دون أي جهات وسط أو يسار. لكن تركيز نتنياهو على شخص لبيد كخصم رئيسي له في المعركة الانتخابية، أدى إلى تحرك مغاير من قبل كل من غدعون ساعر، ونفتالي بينت، توج أول من أمس الخميس، بإعلانهما أنهما لن يقبلا بأن يشاركا في حكومة تحت رئاسة لبيد، بينما يقبلان بأن يكون لبيد شريكاً في حكومة يترأسها أحدهما.
وأدى هذا الإعلان إلى حالة تخوّف كبيرة في صفوف "الليكود" من أن يكون الاثنان يعتزمان، بعد ظهور نتائج الانتخابات، تشكيل كتلة موحّدة في الكنيست يفوق عدد أعضائها عدد كتلة "الليكود"، وبالتالي سد الطريق أمام إمكانية تكليف لبيد. ما يعني أيضاً سد الطريق في الوقت نفسه أمام "الليكود" ليكون زعيم هذا التكتل ما بعد الانتخابات المرشح لتشكيل حكومة. وهو ما قد يشجع كتلاً حريدية من معسكر نتنياهو للانضمام إلى حكومة تحت قيادة هذا التشكيل الجديد، وسحب البساط كلياً من تحت أقدام نتنياهو الذي راهن حتى الآن على حالة الخصومة حتى العداء بين يئير لبيد والحريديم، بما يحول دون انضمام الحريديم إلى حكومة بقيادة لبيد.
ويعني التشكيل الجديد المعلن بحسب تصريحات نفتالي بينت وغدعون ساعر، تقديم خيار يميني أشد تطرفاً، ومقبول من حزبي الحريديم، "شاس و"يهدوت هتوراة"، وهو ما يفسر رفض "يهدوت هتوراة"، في اليومين الماضيين، التوقيع على تعهد بعدم الانضمام إلى حكومة إلا إذا كان نتنياهو رئيسها. كما رفض بتسليئل سموطريتش، الذي انفصل عن حزب "يمينا" تحت ضغط من نتنياهو، هو الآخر التوقيع على مثل هذه الوثيقة. ويشير الرفضان عملياً، خلافاً للمعارك الانتخابية الثلاث الماضية، بدء تشكل خيار يميني جديد غير نتنياهو، يمكنه أن يجند تأييد 61 نائباً من أصل 120 نائباً في الكنيست. ورأى محرر الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس" يوسي فيرتر، أن هذا الكابوس بات يقض مضاجع نتنياهو الذي فشل في الأسبوع الأخير من تثبيت معسكر موالٍ له في كل الظروف.
وتعني هذه التطورات في ظل حصول معسكر نتنياهو بحسب الاستطلاعين الأخيرين لقناة البث العامة، كان 11، وقناة 12، على 48 مقعداً فقط، احتمال كسر حالة التوازن، أو الشلل الحزبية في إسرائيل، خصوصاً في حال قرر زعيم حزب "يمينا" نفتالي بينت الذي تمنحه الاستطلاعات 11 مقعداً، الاتجاه للتحالف مع ساعر، رسمياً، وضم باقي القوى المحسوبة على المعسكر المعارض لنتنياهو باستثناء الأحزاب العربية. ويوفر هذا الأمر لأحد حزبي الحريديم فرصة للانضمام إلى تشكيل حكومي جديد، خصوصاً أن ساعر وبينت، خلافاً ليئير لبيد، مقبولان من أحزاب الحريديم. فالأول يعرض نفسه كيهودي محافظ، يحرص على زيارة الكنيس أسبوعياً والصلاة فيه أيام السبت، أما الثاني فهو يسعى لتمثيل التيار الديني الصهيوني. وفي مثل هذه الحالة فقد ينشأ وضع يكون فيه أحد حزبي الحريديم في المعسكر المناهض لنتنياهو.
لكن المشكلة الرئيسية في الاستطلاعات الإسرائيلية، على الرغم من ثبات النتائج المتعلقة بقوة حزب "الليكود"، هي في حالة التضارب في النتائج المتعلقة بباقي أصوات أحزاب اليمين الإسرائيلي، مثل "كاحول لفان" و"هتسيونوت هدتيت"، لجهة نجاحها تارة في اجتياز نسبة الحسم، أو بقائها تارة أخرى تحت هذه النسبة (3.25 في المائة من الأصوات الصحيحة) التي تقدر بنحو 140 ألف صوت. والأمر ذاته ينطبق أيضاً على حزبي "ميرتس" والقائمة العربية الموحدة التي انشقت عن القائمة المشتركة. وفي حال عدم اجتياز نسبة الحسم لأي من هذه الأحزاب، فإن ذلك يعني خسارة المعسكر الذي تنتمي له، بشكل فوري، لأربعة مقاعد حتى لو كان ما ينقص أيا منها بضع عشرات من الأصوات.
انشقاق القائمة المشتركة يهدد بانخفاض التصويت العربي
في المقابل، يتضح من صورة الوضع الحالي، أن انشقاق القائمة المشتركة للأحزاب العربية وخوضها هذه الانتخابات في قائمتين منفصلتين، يهدد بانخفاض نسبة إقبال الفلسطينيين في الداخل على المشاركة في الانتخابات وبالتالي خفض عدد النواب العرب من 15 مقعداً إلى أقل من ذلك وقد لا يتجاوز عددهم الـ12 مقعداً في حال حصلت القائمة المشتركة الحالية على 8 مقاعد وتمكنت القائمة العربية الموحدة من اجتياز نسبة الحسم والحصول على أربعة مقاعد. أما في حال فشلت القائمة العربية الموحدة باجتياز نسبة الحسم وتراجعت نسبة التصويت عند الفلسطينيين في الداخل إلى ما دون 62 في المائة، فقد تتمخض الانتخابات عن تراجع التمثيل العربي في الكنيست إلى 8 مقاعد، خصوصاً مع احتمال ارتفاع نسبة التصويت لأحزاب اليسار الصهيوني التي تنشط بشكل خاص في المجتمع الفلسطيني بعد تفكيك القائمة المشتركة، وترشيحها لعرب في مواقع مضمونة.