"غيفالد" هو تعبير بلغة اليديش، وهي لغة اليهود في ألمانيا وشرق أوروبا، يُستخدم للتعبير عن صرخة الاستغاثة من الخطر الآتي. وقد تحوّل هذا التعبير اليوم الثلاثاء إلى التعبير الأكثر تداولاً في إسرائيل على مدار يوم الانتخابات العامة، بفعل نداءات التحذير والاستغاثة التي أطلقها رؤساء الأحزاب الإسرائيلية المختلفة، لحثّ جمهور مؤيديهم على الخروج للتصويت لأن مؤيدي الأحزاب الأخرى يتدفقون بأعداد كبيرة على مراكز الاقتراع. وكان هذا التكتيك أو المناورة، السلاح الذي استخدمه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في انتخابات عام 2015 ومنحه بحسب التقديرات المختلفة في ذلك العام مقعدين إضافيين على الأقل، بعد أن زعم أن العرب يتدفقون على صناديق الاقتراع وأن جمعيات اليسار تنقلهم بحافلات للتصويت.
وكان لافتاً أن نتنياهو بدأ هذه المرة باستخدام هذه الحيلة مجدداً، منذ نهاية الأسبوع الماضي تحت ادعاءات تزوير الانتخابات عند العرب، من جهة لتحريض اليمين على رفع نسبة التصويت، وضد أحزاب اليمين المناصرة له، ولا سيما تحالف "يميناً" بقيادة أيليت شاكيد، و"عوتصماه يهوديت"، من جهة أخرى.
وانتقلت عدوى استخدام نداءات الاستغاثة نفسها إلى قادة حزب "كاحول لفان"، ممثلين بالجنرال بني غانس ويئير لبيد، اللذين صرحا في أكثر من تغريدة على "فيسبوك" و"تويتر" أن نسبة التصويت في معاقل الوسط واليسار وخصوصاً مدينة تل أبيب والبلدات المحيطة بها متدنية أقل مما كانت عليه في انتخابات إبريل/ نيسان الماضي، علماً أن المعطيات الرسمية للجنة الانتخابات المركزية أفادت منذ ساعات مبكرة اليوم بأن الإقبال على مراكز الاقتراع في مختلف أنحاء إسرائيل كانت في ساعات الصباح مرتفعة وزادت عما كانت عليه في انتخابات إبريل الماضي. لكن الساعة المصيرية في الانتخابات الإسرائيلية هي بين الثامنة والعاشرة ليلاً، موعد إغلاق مراكز الاقتراع.
في المقابل أصدر حاخامات الأحزاب الحريدية الإشكنازية (يهدوت هتوراة) والسفارديم (شاس) نداء استغاثة مشابهاً يحذر من ضياع وفقدان الطابع اليهودي والتقليدي لدولة إسرائيل وضياع نمط الحياة اليهودية التقليدية، مثل احترام حرمة السبت وعدم العمل في أيام السبت، وتشريع الزواج المدني وضياع "عالم التوراة" في حال تقاعس الحريديم عن التصويت وزادت قوة الأحزاب العلمانية، ولا سيما حزب "كاحول لفان" بقيادة غانتس، وحزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان.
وشهدت الانتخابات الإسرائيلية اليوم محاولات من قبل أحزاب مختلفة لتزييف بطاقات التصويت للأحزاب المنافسة لها، مثل سكب حبر عليها أو ثقبها كي تكون لاغية، مما اضطر لجنة الانتخابات إلى التدخّل وإعلان صحة بطاقات الاقتراعات التي يتضح أنها تضررت بشكل مقصود.
وفيما بدا غريباً أن أياً من الأحزاب لا تبث الثقة بالنفس والنصر، بل تعتمد أسلوب الترهيب من خطر خسارة الانتخابات، خرج ليبرمان عن المألوف في هذا السياق، معتبراً في مقابلة مع موقع "معاريف" أن "نداءات الاستغاثة" على غرار "غيفالد" التي لجأ إليها نتنياهو كانت متوقعة وباتت مناورات انتخابية مفضوحة. واعتبر ليبرمان أن الانتخابات، بحسب زعمه، ليست بين اليمين واليسار في إسرائيل، بل إن الخيار الذي أمام ناخبي إسرائيل هو في واقع الحال بين ائتلاف حكومي يقوده نتنياهو يكون خاضعاً بشكل كبير لنزوات الأحزاب الدينية الأرثوذكسية "الحريديم" وأحزاب التيار الديني الصهيوني المسيحاني، وبين حكومة وحدة يمين ليبرالية لا تخضع لإملاءات التيارات الدينية.
ومع أن تشخيص ليبرمان يبدو منطقياً للوهلة الأولى من وجهة نظر الأحزاب والناخب الإسرائيلي عموماً، إلا أن الواقع هو أن الانتخابات تجرى في إسرائيل للمرة الثانية خلال عام واحد، بعد انتخابات إبريل الماضي، على خلفية قضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو ومحاولته تعديل قانون الحصانة البرلمانية ليحول دون محاكمة رئيس حكومة ما دام يشغل منصبه.
وكانت انتخابات إبريل قد تمخّضت عن فوز المعسكر المناصر لنتنياهو بستين مقعداً من أصل 120 مقعداً وحصول حزب ليبرمان على 5 مقاعد، وكان يُفترض أن توفر هذه النتائج لنتنياهو فرصة لتشكيل حكومته الخامسة، إلا أن ليبرمان رفض في الدقيقة التسعين الانضمام للائتلاف المقترح بحجة رفض الخضوع لإملاءات الأحزاب الحريدية. وعلى الرغم من أن هذه خلفية إعادة الانتخابات للمرة الثانية في العام نفسه، إلا أن التحركات وديناميكية السياسة الحزبية الإسرائيلية وخوف نتنياهو من فقدان الحكم دفعت الأخير إلى تسريع مخططات الاستيطان وإطلاق تعهدات بفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية في حال فوزه في الانتخابات.
في المقابل، تضافرت مصالح أطراف المعسكر المناهض لنتنياهو لجهة بذل جهود لمحاولة إسقاطه ومنعه في المرحلة الأولى عبر ما يسمى تقنياً بالجسم المانع، أي تجنيد 61 عضواً من الكنيست يعارضون تكليف نتنياهو بتشكيل حكومة، عبر تفاهمات يفترض أن تشمل أيضاً نواباً من القائمة المشتركة للأحزاب العربية لتشكيل هذا الجسم المانع مع حزب "كاحول لفان" ومرشحه بني غانتس. وعلى الرغم من محاولات بث آمال باحتمالات سد الطريق أمام عودة نتنياهو إلى سدة الحكم مجدداً، إلا أن موازين القوى العامة في إسرائيل، ما لم تفرز النتائج اليوم واقعاً جديداً، قد تعيد نتنياهو إلى الحكم، أو في المقابل تُدخل إسرائيل في أزمة دستورية جديدة تفرض عليها الذهاب إلى انتخابات مجددة إذا لم يتمكن أي من المعسكرين، معسكر نتنياهو أو معسكر غانتس، من تشكيل ائتلاف حكومي، هو ما حاول الرئيس الإسرائيلي، رؤبين ريفلين، التعهد ببذل كل جهد لتفاديه.