الانتخابات المحلية في الجزائر: المصالحة الوطنية والهجرة السرية حاضرتان في حملات المرشحين
وجدت أحزاب سياسية بالجزائر في الحملة الانتخابية للانتخابات المحلية المقررة السبت المقبل، فرصة لتجديد المطالبة بطي ملف المصالحة الوطنية نهائيا باتجاه تحقيق تسوية شاملة، في ظل دعوات أخرى بإطلاق مسار للمصالحة الاقتصادية مع رجال الأعمال الملاحقين في قضايا فساد. كما حضر كذلك ملف الهجرة السرية وغياب فرض الشغل للشباب على تلك الحملات.
وقال رئيس "حركة البناء الوطني"، عبد القادر بن قرينة، أمس الاثنين، خلال تجمع شعبي لإسناد مرشحي حزبه في الانتخابات المحلية بولاية المدية، 120 كيلو مترا جنوبي العاصمة الجزائرية، "ندعو إلى المحافظة على مكتسبات المصالحة الوطنية وتدعيمها عبر استكمال مسارها بإزالة الأسباب التي جرّت الجزائر إلى المأساة الوطنية".
ودعا إلى "معالجة الملفات العالقة ورد المظالم المتبقية وتوسيع مساحات العفو والصلح وتمتين الجبهة الداخلية، انسجاما مع مطالب الحراك الشعبي الأصيل".
واختار بن قرينة ولاية المدية للحديث عن الملف، كونها أكثر الولايات التي تضررت من الأزمة الأمنية، "ومن ويلات الإرهاب على مدار عشرية كاملة وآثاره السلبية على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والنسيج المجتمعي، واليوم بعد لملمة الجراح نخوض معركة النهوض بالوطن والتنمية الشاملة لبناء جزائر جديدة، كما يتطلع إليها الجزائريات والجزائريين"، على حد تعبيره.
ملفات عالقة
وتبقى عدة ملفات عالقة من مخلفات الأزمة الأمنية في الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، على غرار استعادة بعض الناشطين الإسلاميين حقوقهم السياسية في الترشح للانتخابات، وحقوق الجنود الاحتياط وضحايا الاختطاف القسري وضحايا الخسائر الاقتصادية، إضافة الى مأساة مساجين التسعينيات.
ويقبع ما يقارب 160 سجينا إسلاميا في السجون الجزائرية منذ أكثر من ربع قرن، بعد إدانتهم من قبل محاكم خاصة وصفت بـ"غير الدستورية" وتم حلها لاحقا، لم يستفيدوا من العفو بمقتضى قانون المصالحة الوطنية الصادر في سبتمبر/ أيلول 2005.
وفي أغسطس/ آب 2020، نقل وفد من الشخصيات السياسية وقادة أحزاب، كان من بينهم القيادي في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة، علي جدي (توفي لاحقاً) إلى الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، مطالب عائلات المساجين وتعهد الأخير بالنظر في الملف.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي أبلغ بعض المساجين عائلاتهم أن لجنة من الرئاسة زارتهم والتقت بهم لجمع معلومات ومعطيات عن ملفاتهم، تمهيدا لمعالجة قضيتهم أو تخفيف الأحكام الصادرة بحقهم، خاصة وأنه تم استثناؤهم من الاستفادة من قانون المصالحة الوطنية الذي يقر بعفو لصالح عناصر الجماعات المسلحة والمساجين من نشطاء هذه الجماعات.
وأغلب هؤلاء لم تكن لهم أية صلة أو نشاط مسلح وسجنوا قبل تشكل المجموعات المسلحة، وتظل الصلاحية الوحيدة لإصدار عفو عنهم موكلة إلى رئيس الجمهورية، لكنه لم يحصل أي جديد في الموضوع منذ تلك الفترة.
وإضافة إلى الدعوات لطي ملفات التسعينيات نهائيا، طالب رئيس "جبهة المستقبل" والمرشح الرئاسي السابق، بلعيد عبد العزيز، بالتفكير في بعث خيار معالجة مشكلات وقضايا الفساد السابقة وإبرام مصالحة اقتصادية مع رجال الأعمال والمسؤولين المتورطين في الفساد، لإعادة أموال الشعب، مقابل تخفيض العقوبات بحقهم.
وكان بلعيد قد ربط أخيراً خلال تجمع شعبي لدعم مرشحي حزبه في ولاية سطيف شرقي الجزائر، بين إقدام الدولة على عقد مصالحة في التسعينيات مع عناصر المجموعات المسلحة، بدافع تحقيق استقرار أمني في البلاد، وبين المصالحة الاقتصادية مع رجال الأعمال التي يدعو إليها، بهدف تحقيق استقرار اقتصادي بعيدا عن التجاذبات الراهنة، خاصة وأن الجزائر برأيه في حاجة إلى استعادة الأموال لصالح الخزينة العمومية.
ولا يحظى المقترح الأخير في الوقت الحالي بتقبل حكومي، حيث كان وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي، قد استبعد في مؤتمر صحافي عقده قبل أيام، فكرة التسوية من رجال الأعمال الملاحقين بسبب قضايا الفساد ونهب المال العام.
وأكد في المقابل أن خيار التسوية الذي تنحاز إليه الحكومة والمزمع إدراجه ضمن قانون مكافحة الفساد الجاري، "يمس الشركات والأشخاص المعنوية وخاصة الشركات الأجنبية وليس الأشخاص الطبيعيين كما تم فهمه من قبل الرأي العام".
وشدد على أن "التسوية تكون بتوقيف المتابعات الجزائية (في حق الشركات) مقابل استرجاع الأموال المنهوبة وهو إجراء معمول به في كل الأنظمة العالمية، ما يسمح بربح الوقت وتمكين الخزينة العمومية من استرداد الأموال، خاصة وأن جرائم الفساد لا تسقط بالتقادم".
دفع الشباب الجزائريين للهجرة السرية
كما فرض موضوع فشل السياسات الحكومية في توفير مناصب شغل والحد من الهجرة السرية، نفسه كأحد أبرز الملفات التي شهدت نقاشا سياسيا في الجزائر، خلال الحملة الدعائية للانتخابات المحلية.
وحملت الأحزاب السياسات الحكومية الفاشلة، مسؤولية دفع الشباب الى الإحباط وركوب قوارب الموت والهجرة الى أوروبا، برغم المخاطر الكبيرة وغموض المستقبل هناك.
وقال رئيس "حركة مجتمع السلم"، عبد الرزاق مقري، في تجمع شعبي بولاية تيارت غربي الجزائر، "يجب أن نتذكر أن السفر عبر قوارب الموت توقف نهائيا في الحراك الشعبي لأن الجزائريين شعروا بقدوم التغيير، لكن لما رجعت مظاهر الفساد عاد اليأس إلى القلوب لينطلق على الأقل كل يوم 30 قارب هجرة نحو أوروبا".
وأضاف مقري أن "محمد مهاتير صانع نهضة ماليزيا أخبرني يوما أنه يتعجب من هروب الناس من بلدانهم وركوب قوارب الموت نحو دول أخرى، قال لي العيب على مسؤولي تلك البلدان التي يهرب منها أبناؤها".
وعبر السكرتير الأول لحزب "جبهة القوى الاشتراكية"، يوسف أوشيش، عن الموقف نفسه، حيث ربط بين عودة ظاهرة الهجرة السرية مع انعدم الأفق والأمل في حصول تغيير جدي في البلاد، بعد الحراك الشعبي الذي رفع خلاله الشباب في الجزائر سقف طموحاتهم.
وقال أوشيش في تجمع لإسناد مرشحي حزبه، في ولاية البويرة قرب العاصمة الجزائرية، إن "السلطة تزعم أنها استجابت لمطالب الحراك، بينما الشباب لم يلاحظ حصول أي تغيير في البلاد، حيث بقيت نفس السياسات".
واعتبر أن "عدم تحقيق تغيير جذري واستمرار السلطة رسكلة (إعادة تدوير) الفشل، وانتهاج سياسات الترقيع والإغلاق السياسي والإعلامي، هي التي تنتج مزيدا من الإحباط لدى الشباب وتدفع به إلى الهجرة من البلاد"، مشيرا إلى أن الانتخابات المحلية تمثل فرصة للجزائريين لاختيار مجالس بلدية مسؤولة تخدم الصالح العام وتعيد السياسات المحلية والخدمة العمومية الى النهج الصحيح.
وبحسب البيانات الرسمية التي تنشرها مصالح وزارة الدفاع الجزائرية فإنه تم توقيف أكثر من ألف مهاجر سري منذ بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وعزا بن قرينة "تنامي ظاهرة الهجرة السرية للشباب من الجزائر إلى الإهمال التنموي، الذي دفع بعض الشباب، تحت ضغوط الحياة المعيشية الصعبة، إلى الجريمة والانحراف، وفي ظل قلة مناصب شغل وفرص العمل للشباب".
وأشار إلى أن هذه الأوضاع "تدفعنا إلى القول إنه بات واجبا على الحكومة التحرك العاجل وضرورة وضعها على أولويات الاهتمام بشريحة الشباب واتخاذ تدابير عاجلة عبر فتح فرص أكبر للعمل والمزيد من التسهيلات والتحفيزات لاستحداث مؤسسات اقتصادية مصغرة أو متوسطة، في مجالات متنوعة، ليستعيد الشباب أمله في تحقيق مستقبل في بلاده".
تعليقاً على ذلك، قال الباحث في الشؤون السياسية، محمد طيبي، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "الخطاب الانتخابي يختلف عن الخطاب في الظروف الأخرى"، مضيفا "نظريا الأحزاب تبحث عن كل المنافذ لإقناع الناخبين، بغض النظر عن جدية هذا الخطاب وصدقيته في علاقة بالواقع الجزائري".
وتابع قائلا "بعض الأحزاب تحمل الحكومة مسؤولية إخفاق السياسات، بينما هي شريكة في الحكومة وفي تنفيذ الخيارات التي أدت إلى هذا الواقع المزري".
وأردف طيبي "لكون الأمر يتعلق بانتخابات محلية، ويفترض أن يكون مجال الخطاب الانتخابي مرتبطا بأداء ودور المجالس البلدية، وصلاحيات المنتخبين والبنية التحتية والخدمية لصالح السكان، أكثر منها مناقشة قضايا عامة، على أهميتها لا يبدو أن مجالها الانتخابات البلدية".