الانتخابات مظلة لصفقات المتصارعين

18 يوليو 2024
من تظاهرة في طرابلس ضد البرلمان، فبراير 2022 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تعقيدات الصراع الليبي**: الحوارات بين أطراف الصراع غالبًا ما تنتهي بانسداد، مما يحبط آمال المواطنين في دستور دائم وانتخابات نزيهة، رغم وجود توافقات أحيانًا.

- **الصراع على الانتخابات والموازنة**: الأزمة بين الدبيبة وصالح تركزت على الانتخابات والموازنة، حيث فشل صالح في إقصاء الدبيبة، وتعقدت الأمور مع صياغة قوانين انتخابية جديدة.

- **صفقات غير معلنة**: الخلافات بين صالح والدبيبة لم تكن بهدف الانتخابات، بل لإدارة أموال الموازنة بالتقاسم، مما يشير إلى استخدام الصفقات المالية لترسيخ السلطة.

كثيراً ما انتهت الحوارات بين أطراف الصراع الليبي إلى تعقيدات تصل لحد الانسداد وتنهار معها كل المبادرات التي تُطرح لتقريب وجهات النظر بينهم، وتتلاشى آمال المواطن بالوصول إلى استحقاقاته الطبيعية، كحقه في دستور دائم وانتخابات نزيهة، لكن ذلك ما يُعلن ويظهَر بخلاف ما تكشف عنه بعض الأحداث التي تعكس قدرة على التوافق والتفاهم في بعض المواقع والمحطات.

طيلة أزيد من ثلاث سنوات كانت الانتخابات وقوانينها عنوان الأزمة بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح. فشل صالح في إقصاء الدبيبة بمنعه من الحصول على الموازنات المالية اللازمة لحكومته ثم سحب الثقة منه ثم اتهامه بعرقلة إجراء الانتخابات الرئاسية نهاية 2021 على خلفية وثيقة اتفاق جنيف التي تمنع رؤساء الحكومات ما قبل الانتخابات من الترشح لها، وأخيراً تكليف حكومة موازية في شرق البلاد، فيما تمسك الدبيبة بمنصبه وأنه لن يسلمه إلا لسلطة منتخبة وفق قوانين عادلة لا تقصي أحداً. وازدادت حدة التعقيد إلى حد الانسداد النهائي عندما دفع صالح إلى صياغة قوانين انتخابية جديدة تنص على تشكيل حكومة جديدة، ما جعل إجراء الانتخابات رهينة لدى الدبيبة الذي ازداد تمسكاً بمنصبه.

لكن هذا الإيجاز السريع لمحطات العلاقة بين الرجلين ليس إلا عنواناً، فالصراع على مصادر المال كان السبب الرئيس، فيما حلحلته والاتفاق على إدارته أقرب الطرق للتوافق. تجلّى ذلك عندما تغيرت العلاقة المتوترة بين صالح ومحافظ البنك المركزي الصديق الكبير الشهر الماضي إلى الصفاء بعد سنوات من القطيعة، إذ امتنع الأخير عن تسييل الأموال للدبيبة وحكومته إلا بموافقة من صالح باعتباره رئيس الجهة التي يجب أن تشرعن الموازنات، ما جعل صالح شريكاً في قرار المال مع محافظ البنك المركزي، ومكّنه ذلك من إقرار الموازنة العامة للدولة الأسبوع قبل الماضي.

في الواقع وإن دار جدل واسع حول وجود صفقة تحت الطاولة تم بموجبها إقرار الموازنة وتنفيذها بالتقاسم بين حكومتي البلاد، إلا أن ما تكشف عنه هذه الصفقة أكثر من ذلك، بل ويشكّل صدمة كبيرة، وهو أن خلافات صالح والدبيبة لم تكن بهدف إجراء الانتخابات، فلا سعي صالح لإقصاء الدبيبة لإجراء الانتخابات لكونه معرقلا لها، ولا رفض الدبيبة التعامل مع مجلس النواب لكونه معرقلا لإصدار قوانين انتخابية عادلة، وإلا فكيف تلاقيا واتفقا على إدارة أموال الموازنة بالتقاسم؟ كل شيء تغير بعد إقرار صالح لهذه الموازنة، فلم يصدر عن الدبيبة أي معارضة للقرار، وكذلك تراجعت حملته التي أطلقها قبل أسابيع لرفض تطبيق قرارٍ سنّه صالح ومحافظ البنك المركزي بشأن رفع ضريبة بيع النقد الأجنبي لأنها ستلقي بظلالها على المواطن وترهق كاهله بارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية، فقبل يومين أصدر قراراً بتحويل مستحقات العاملين بالبعثات الليبية الخارجية بإضافة تلك الضريبة.

لم تكن الأموال ومصادرها عنواناً للتوافقات الأخيرة غير المعلنة بين صالح والدبيبة، بل كانت عنواناً في محطات أخرى في مسار المتصارعين، فعقب فترة طويلة من القطيعة بين الدبيبة وقائد مليشيات شرق البلاد خليفة حفتر، أصدر الدبيبة قراراً فجائياً بتعيين فرحات بن قدرا، وهو شخصية مقربة جداً من حفتر، رئيساً للمؤسسة الوطنية للنفط، لتنتهي من يومها ظاهرة الإغلاقات النفطية التي كانت تعرقل تدفق النفط من منابع في الجنوب والشرق كلما احتدت العلاقة بين الرجلين، وصار تدفق مليارات الدولارات إلى حسابات مؤسسة النفط يسير بشكل انسيابي. تتفق كل القراءات المصاحبة لمسارات الحوارات السياسية في أن جميع الأطراف في المشهد تعرقل إجراء الانتخابات لأنها لا تريد مغادرة مناصبها، لكن ما انكشف من جديد في تمظهرات الصراع هي تلك الصفقات التي تجري بشكل غير معلن بين بعض الأطراف للاتفاق على إدارة مصادر الأموال لمصالحهم، وبالتالي قد تكون طريقاً للاشتراك لترسيخ سلطتهم وتشكيل طبقة سياسية قد يدوم وجودها لفترات طويلة جداً.

المساهمون