يجد رئيس الحكومة الفنلندية بيتيري أوربو نفسه مرة أخرى في قلب عاصفة سياسية تسبب بها الكشف عن المزيد من الميول اليمينية المتطرفة في ائتلافه الحكومي، بعد توالي فضائح "الميول النازية" للمحسوبين على حزب "الفنلنديون الحقيقيون" القومي المتطرف، حيث اضطر للاستقالة قبل أيام وزير التجارة فيلهلم جونيلا.
آخر فصول تلك الفضائح قيام منظمي مهرجان موسيقي يدعم التنوع والمساواة في مدينة سنايوكي بطرد عضو البرلمان عن "الفنلنديون الحقيقيون" جوها ماينبا، لأنه انتقد في خطاب مفتوح إرشادات السلطات لتعليم الأطفال مفهوم الجندر، تحت عنوان: "يجب وقف تسميم أدمغة الأطفال". وسلطت الصحافة الفنلندية الضوء على الماضي الفاشي للرجل كعضو سابق في المنظمة القومية المتطرفة "سومين سوسو".
ومثلما توقعت الصحف ووسائل الإعلام المحلية في هلسنكي واستوكهولم، فإن مصاعب كثيرة يواجهها رئيس الحكومة المحافظ أوربو مع الماضي المتطرف لأعضاء حكومته الائتلافية، التي اضطر إلى تشكيلها بالتحالف مع اليمين المتطرف ما بعد انتخابات إبريل/ نيسان الماضي، خلفا لحكومة سانا مارين، واعدا بسياسات هجرة متشددة وتوفير كبير في الميزانيات العامة.
ولتسوء الأمور أكثر، بعد استقالة الوزير جونيلا وطرد البرلماني ماينبان، اندلعت قضية أخرى، بعدما ضبطت هيئة البث العام والصحافة في هلسنكي نشر وزيرة الداخلية عن اليمين المتطرف (الفنلنديون الحقيقيون)، ماري رانتانين، أفكارا يمينية متطرفة تستند إلى "نظرية المؤامرة".
وكانت الوزيرة نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي في ترويج دعمها لنظرية المؤامرة، وبصفة خاصة "الاستبدال العظيم"، أي استبدال السكان الأصليين بمهاجرين، وتحديدا المسلمين.
ومخاطر تلك النظرية أنها شكلت بشكل واسع منطلقا لأعمال إرهابية في أغلب الهجمات التي نفذها أشخاص غربيون، من النرويج إلى ألمانيا وأميركا وكندا إلى نيوزيلندا، بحجة "الدفاع عن البيض بوجه استبدالهم بالمهاجرين".
ورغم قيام رانتانين بشطب ما كتبته سابقا، ونفيها تأييدها فكرة أنه "يجري استبدال السكان الغربيين بأشخاص غير بيض من الدول الإسلامية على وجه الخصوص"، إلا أنها وقعت في مصيدة الصحافة، ومنها هيئة البث العام الفنلندية، التي نبشت وورطت رئيس الحكومة أوربو في عدم تمحيصه بخلفية وزرائه.
رئيس الحكومة الفنلندية صرح بعد الفضيحة الجديدة بأنه لا يعتقد "أن وزيرة الداخلية رانتانين لها علاقة بالإرهاب أو باليمين المتطرف".
وإثر اجتماع للحكومة، أمس الثلاثاء، حاول أوربو دعم حزب "الفنلنديون الحقيقيون" بدل التنديد بهم والابتعاد عنهم.
ومع أنه في قضية وزير التجارة المستقيل جونيلا اكتفى بالقول عن تصريحاته العنصرية بشأن سكان أفريقيا ومغازلة الفكر النازي بأنها "غير مقبولة"، راح يدافع عن وزيرة داخليته ماري رانتانين، معتبرا أنه "من الضروري النظر إلى تصريحاتها في سياقها".
وقال لصحيفة "هوفودستادسبلاديت": "أستطيع أن أقول إنه لا علاقة لها بالإرهاب أو باليمين المتطرف"، بل شدد على أنه "يجب الأخذ بالاعتبار أن نصف مليون إنسان صوتوا لحزب (الفنلنديون الحقيقيون)".
وبقيت زعيمة الحزب المتطرف ريكا بيورا صامتة بشأن القضايا التي تضرب حزبها وتهدد مستقبل الحكومة الائتلافية. وتوقع مراقبون أن يشهد الائتلاف الحاكم تصدعا مع توالي الفضائح.
واعتبرت أستاذة العلوم السياسية إميليا بالونين، في تصريحات للصحافة المحلية أمس، أن "أحزاب اليمين المتطرف التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة تتألف من أعضاء سابقين أو حاليين من جماعات تقع على طيف بين الفاشية والعنصرية والقومية المتشددة".
وتتوقع بالونين أن تشهد الأسابيع القادمة المزيد من الهزات في الحكومة الائتلافية، مشددة على الاعتقاد أن "زعيمة حزب اليمين المتطرف ريكا بيورا كانت على دراية كاملة بآراء وزرائها، ولكنها عينتهم للتنافس مع الأحزاب التي على يمين الحزب"، أي تلك الأكثر تطرفا.