التونسيون يتحدون منع التظاهر بذكرى 14 يناير: تصدٍ لمحاولة طمس تاريخ الثورة

14 يناير 2022
خلال تظاهرة سابقة في العاصمة ضد قيس سعيّد (شاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

يخرج التونسيون مجدداً إلى الشارع اليوم الجمعة في ذكرى ثورة 14 يناير/كانون الثاني، متحدين محاولات طمس تاريخ هذه الثورة من قبل الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي أعلن الشهر الماضي عن تغيير موعد الاحتفال بالثورة التونسية من 14 يناير إلى 17 ديسمبر/ كانون الأول، في خرق للدستور.

ويتحدث الدستور عن ثورة ممتدة من 17 ديسمبر 2010، تاريخ انطلاق الاحتجاجات، إلى 14 يناير 2011، تاريخ إطاحة نظام الرئيس حينها، زين العابدين بن علي وهروبه خارج البلاد.

كما تحولت الذكرى الـ11 للثورة إلى مناسبة جديدة لحشد الشارع وتحدي قرار منع التظاهر الذي أعلنته السلطات بحجة الدواعي الصحية المرتبطة بفيروس كورونا.

وجددت حركة مواطنون ضد الانقلاب، أمس الخميس الدعوة إلى التظاهر اليوم الجمعة، معتبرة أن قرار منع التظاهرات قرار سياسي، معلنة تعليق إضراب الجوع بعد ثلاثة أسابيع على انطلاقه. وقد سُجّل نتيجة الإضراب عن الطعام، تدهور صحة النائبة عن حركة النهضة، فائزة بوهلال، بعد أكثر من 20 يوماً على مواصلتها الإضراب، فيما أصيب 3 مضربين آخرين بهبوط صحي.

جددت حركة مواطنون ضد الانقلاب الدعوة للتظاهر اليوم

تحدي قرارات قيس سعيّد

من جانبه، أكد الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، في مؤتمر صحافي أمس، على أنه "لن نرضخ لأي قرار بمنع التظاهر في ذكرى 14 يناير". واعتبر أن "السلطات الحالية تستغل الأوضاع الصحية لقمع الحريات، وقد قامت بتسييس عمل اللجنة العلمية لمجابهة كورونا".

وتابع "نحن نعيش في ظل نظام يقمع الحقوق والحريات ويستهدف الإعلاميين، ويمنع الأحزاب من الظهور في التلفزيون الرسمي".

وكان الشابي استنكر في منشور عبر حسابه بموقع فيسبوك، أول من أمس "منع التجمعات عشية إحياء الذكرى 11 لانتصار ثورة الحرية والكرامة، في ظل الدعوات الصادرة عن أغلب مكونات الطيف السياسي للنزول إلى الشارع، رفضاً للحكم الفردي ودفاعاً عن الديمقراطية". وقال إن ذلك "يثير أكثر من سؤال، ويضع أكثر من علامة استفهام".

وتابع الشابي "في تونس، السلطة التي تستمد شرعيتها من تظاهرات خرجت يوم 25 يوليو في أوج الموجة الوبائية، تتجه إلى منع التجمعات والتظاهرات والإبقاء على المدارس مفتوحة لمئات الآلاف من الطلبة والتلاميذ".

ورأى أن قرار السلطة "يأتي فقط للتوقي من موجة غضب شعبي، لم تجد لمواجهتها سوى التحجج بالأوضاع الصحية"، مشدداً على أنه "مع ذلك لن نتنازل عن حقنا في النزول إلى الشارع في ذكرى ثورتنا المجيدة".

وكانت حركة النهضة، دعت في بيان مساء أول من أمس الأربعاء، التونسيين، للاحتفال بـ"ذكرى ثورة الحرية والكرامة 17 ديسمبر 14 يناير، في شارع الثورة بالعاصمة، تكريساً لمكاسب شعبنا من الحقوق والحريات الأساسية، وأهمها حرية التظاهر والتعبير عن الرأي، وتصدياً للدكتاتورية الناشئة".

وأشارت إلى أن "هذه الديكتاتورية ما فتئت تكرّس الانفراد بالحكم والسلطة، وتسعى لضرب القضاء الحر، وتحتكر الرمزيات الوطنية، وتتجاهل الأولويات المعيشية للمواطنين (غلاء الأسعار، فقدان بعض المواد الأساسية، التشغيل...)".

وأوضحت الحركة أن هذه الدعوة تأتي "وفاءً لدماء الشهداء الأبرار، وفي سبيل إرساء دولة القانون والحريات والعدل".

الشابي: السلطات الحالية تستغل الأوضاع الصحية لقمع الحريات

وقالت الحركة إنها "تقدّر أهمية حماية صحة التونسيين وحياتهم، ولكنها ترفض التوظيف السياسي للوضع الصحي ومخاطر انتشار جائحة كورونا، لضرب ما تبقى من هوامش الحريات، وتخذيل دعوات الاحتفاء بعيد الثورة".

وتابعت أن ذلك "تجلى في القرارات الحكومية الأخيرة التي استثنت عدة مجالات وفضاءات للتجمعات، على غرار المؤسسات التربوية ودور العبادة والأسواق وغيرها، وركزت على التظاهرات بكل أشكالها، بقصد استهداف التحركات المناهضة لمنظومة الانقلاب".

بدوره، أعرب حزب العمال التونسي (يسار)، في بيان أول من أمس، عن "رفضه الانصياع إلى القرار المقنّع للرئيس قيس سعيّد وحكومته بمنع التظاهر يوم 14 يناير".

واعتبر الحزب أن "التوقيت الذي تم فيه إعلان الإجراءات توقياً من انتشار الفيروس، توقيت سياسي لم تمله الظروف الصحية على خطورتها، وإنما أملته رغبة سعيّد وحكومته في منع التظاهرات السياسية المناهضة لانقلابه والمبرمجة ليوم 14 يناير".

ورأى الأمين العام لحزب "العمال"، حمة الهمامي، خلال مؤتمر صحافي الثلاثاء الماضي، أن "رمزية 17 ديسمبر 2010 - 14 يناير 2011، تُستمد من تاريخ انطلاق شرارة ثورة الحرية والكرامة، ثم تتويجها عقودا من نضالات وتضحيات التونسيات والتونسيين، بإسقاط نظام بن علي".

حزب العمال: التوقيت الذي تم فيه إعلان الإجراءات توقياً من انتشار الفيروس، توقيت سياسي

واعتبر الهمامي أنه "ليس من حق قيس سعيّد الذي قال إنه لم يشارك يوماً في هذه النضالات، أن يغيّر هذه الحقائق التاريخية بمرسوم".

بدوره، أكد الأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، خلال مؤتمر صحافي أخيراً، أن "مناضلي الحزب وأنصاره سيكونون في شارع الثورة يوم الجمعة 14 يناير للاحتجاج والاحتفال بعيد الثورة".

وقال الشواشي إن "سعيّد اختار الحكم الفردي، ولكن هذا لن يمنعنا من الاحتجاج السلمي القانوني والنزول إلى الشارع للتعبير عن رفض ذلك".

وأجج قرار السلطات الأخير، بمنع التجمعات والتظاهرات وحظر التجوّل ليلاً، بداية من يوم أمس الخميس، غضب المعارضين لسعيّد، خصوصاً أن القرار تزامن مع استعداد الشارع للخروج تنديداً بالانقلاب وبممارساته التصعيدية ضد الخصوم السياسيين، والتي مسّت الحريات والحقوق الفردية والعامة.

وتصاعد أخيراً رفض المنظمات الحقوقية؛ المحلية والدولية، للانتهاكات والتجاوزات التي تمارسها السلطات ضد المعارضين، من خلال المحاكمات العسكرية والتضييقات على حرية التنقل والسفر، وعلى حرية التعبير والرأي وحرية الصحافة، بالإضافة إلى ملاحقة المدونين والنشطاء وعدد من السياسيين ووضع بعضهم قيد الإقامة الجبرية أو توقيفهم.

وهزّ اختطاف وزير العدل الأسبق والبرلماني ونائب رئيس حركة النهضة، نور الدين البحيري، قبل أسبوعين، الرأي العام الدولي والمحلي، وتزايد التنديد بملابسات احتجاز الرجل ووضعه قيد الإقامة الجبرية.

علماً بأن البحيري دخل في إضراب عن الطعام ورفض تلقي الدواء احتجاجاً على طريقة معاملته غير القانونية. وقد أكدت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" أمس، أن حياة البحيري في خطر بسبب الاحتجاز. وشددت على أن إسقاط الانقلاب يجب أن يكون أولوية لدى التونسيين.

الدالي: الخوف يعتري سلطة الانقلاب من المد الثوري المعارض للاستبداد

مقاومة انقلاب قيس سعيّد

في السياق، اعتبر رئيس المكتب السياسي لحزب "ائتلاف الكرامة"، والذي شارك في الإضراب عن الطعام، يسري الدالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما يميّز 14 يناير لهذا العام، هو السعي المشترك للشارع الديمقراطي لإسقاط الانقلاب، من خلال تجنّد كل القوى المؤمنة بالثورة وبالمسار الديمقراطي، لمقاومة انقلاب 25 يوليو/تموز الماضي".

وأضاف الدالي أن "14 يناير هذا العام، فيه استحضار لنضالات التونسيين، وكأن التاريخ يعيد نفسه في صورة جديدة من خلال نضال الشعب مجدداً لإسقاط الديكتاتور الجديد".

وتابع المتحدث نفسه أن "هذه الذكرى، تفوح منها رائحة الخوف التي تعتري سلطة الانقلاب من المد الثوري المعارض للاستبداد، ما دفعها إلى منع التظاهر والاحتجاج، ملبسة آلة المنع هذه المرة لباس الإجراءات والتدابير الصحية".

ورأى أن "محاولات سعيّد لطمس تاريخ الثورة، هي محاولات فاشلة، ومسعاه لتغيير التاريخ وكتابة تاريخ مخالف لامتداد نضالات الشعب، هو مسعى بائس لن يزيد سوى من تقسيم التونسيين، وبث التفرقة والفوضى في صفوف أبناء الشعب الواحد".

وشدد الدالي على أن "مطالب الثورة واستحقاقاتها مغايرة لهذه المهاترات الشعبوية ومحاولات إلهاء الشعب عن مطالبه الحقيقية المعطلة، وإزاحة الأنظار عن الأزمة العميقة والتي تزيد سلطة الانقلاب من تعميقها اجتماعياً واقتصادياً كل يوم".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

14 يناير... مواجهة قرار تغيير تاريخ عيد الثورة

من جانبه، قال عضو تنفيذية حراك "مواطنون ضد الانقلاب"، لمين البوعزيزي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "لـ14 يناير رمزية خاصة في وجدان ونفوس التونسيين، فهو يوم تتويج ثورة 17 ديسمبر، بإسقاط انقلاب 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 (انقلاب قاده بن علي) الذي خيّم على تونس طيلة ربع قرن".

وأضاف البوعزيزي أن "المنقلب وعلى الرغم من اختياره 17 ديسمبر تاريخاً للثورة، فإنه لن يستطيع إلغاء امتداد ذلك اليوم إلى 14 يناير. وبالتالي، إحياء هذه الذكرى هو اعتراف بتضحيات الشعب التونسي، وتنديد بانقلاب 25 يوليو ورفض له".

البوعزيزي: إصرار سعيّد على محو جزء من تاريخ تونس، هو محاولة بائسة لتقسيم التونسيين

ولفت المتحدث نفسه إلى أن "مواطنون ضد الانقلاب"، "تأمل وتطمح إلى أن يسقط 14 يناير انقلاب 25 يوليو، كما أسقط انقلاب 7 نوفمبر".

واعتبر أن "الخروج في 14 يناير هو تذكير وتأكيد على الحراك الاجتماعي وامتداد للانتفاضة الاجتماعية والسياسية التي يقودها الشارع السياسي الديمقراطي".

ورأى البوعزيزي أن "إصرار سعيّد على محو جزء من تاريخ تونس، بشطب 14 يناير من سجلات الثورة، والاحتفاظ بتاريخ 17 ديسمبر فقط وتشويهه بجعله ذكرى لاحتفالات نظام الانقلاب عبر مغازلة جزء من الشعب، هو محاولة بائسة لتقسيم التونسيين وبث التفرقة بين أبناء الشعب الواحد".

وأوضح أن "النزيف الثوري لم يتوقف عند 17 ديسمبر، بل استمر، والدليل أنه خلال كل ديسمبر ويناير من كل عام، وطيلة 10 سنوات، كان يتجدد التذكير بمطالب الثورة، وقد جاء انقلاب 25 يوليو للركوب على هذه الثورة، لا لتلبية مطالبها".

ولفت إلى أن "هذا المنحى الشعبوي لرئيس سلطة الانقلاب، يعكس ما بلغه من العشوائية في مسار مشروعه الفوضوي".

وشدد البوعزيزي على أن "ميزة تحرّك هذا العام عن التحركات السابقة، أن هناك دعوات من كل معارضي الانقلاب للخروج في اليوم نفسه، على غرار حزب العمال والأحزاب الاجتماعية، إذ تعددت المسارات، ولكن اجتمعت كلها حول الهدف نفسه وهو مناهضة الانقلاب".

ورأى البوعزيزي أنه يتم اليوم "استخدام سلاح كورونا لمنع التظاهر ومقاومة الانقلاب"، معتبراً أن "التبريرات مضحكة لمنع التجمعات، فهذه التجمعات ممنوعة فقط على مناهضي الانقلاب، في حين أن المدارس ووسائل النقل تعمل بشكل طبيعي".

وقال المتحدث نفسه إنه "ما دام أن كامل المشهد السياسي والحزبي وجميع الأطراف الرافضة للانقلاب، دعت للنزول للشارع، فإن قرارات الانقلاب ستصبح لاغية وستتم مواجهتها".

وأشار البوعزيزي إلى أن "الإضراب عن الطعام نجح في تحقيق أهدافه، وكل الطيف السياسي الديمقراطي، تقاطر لتغذية معركة الأمعاء الخاوية".

اللجنة العلمية لمكافحة كورونا في خدمة انقلاب سعيّد

من جهته، أكد المتحدث باسم حزب "حراك تونس الإرادة"، عمر السيفاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "اللجنة العلمية لمكافحة انتشار فيروس كورونا في تونس، تحولت إلى لجنة لمجابهة الحق في التظاهر".

وأشار إلى أنه "لو كان السبب صحياً وعلمياً فعلاً، لكان القرار اتُخذ قبل تاريخ 14 يناير بكثير".

وتابع أن "إصدار القرار عشية عيد الثورة، يؤكد تخوّف سلطات الانقلاب من تظاهرات 14 يناير، خصوصاً أنها تدرك أن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، يُنبئ بمد اجتماعي ثوري غاضب ورافض لها".

السيفاوي: اللجنة العلمية لمكافحة انتشار كورونا، تحولت إلى لجنة لمجابهة الحق في التظاهر

واستنكر السيفاوي "توظيف اللجنة العلمية اليوم لخدمة الانقلاب ولأهداف سياسية، بعد أن تم توظيف المؤسستين العسكرية والأمنية في ذلك، إلى جانب محاولات تركيع القضاء".

ورأى أن "اختطاف سعيّد للثورة التونسية تمّ منذ إلغائه تاريخ 14 يناير وإعلانه 17 ديسمبر فقط، تاريخاً لها، وهو ما يؤكد أن هناك عملية ردة عن المسار الديمقراطي".

واعتبر أن "سلطات الانقلاب لا تؤمن بالثورة، ولا بالديمقراطية، بل هي امتداد للاستبداد وتحاول تكريس أسسه".

من جهتها، رأت القيادية في حركة النهضة، النائبة يمينة الزغلامي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك أسبابا عدة أدت إلى محاولات الالتفاف على الثورة، على الرغم من نجاح المرحلة التأسيسية في كتابة الدستور بعد حوار وطني، والمضي نحو انتخابات ديمقراطية في 2014".

وأشارت إلى أن "محاولات تغيير تاريخ الثورة، والمنع من الاحتفال بها في 14 يناير والقمع، هو تفكير مجانب لتمسّك العديد من التونسيات والتونسيين بالحرية والديمقراطية على الرغم من بعض الانتكاسات التي حصلت".

وتابعت أنه "على الرغم من هذه المحاولات، سيبقى 14 يناير ذكرى التخلص من الديكتاتور بن علي"، موضحةً أن الثورة "لم تنحصر، ولم تتوقف في 17 ديسمبر الذي هو تاريخ اندلاعها، بل تواصلت الاحتجاجات بالعاصمة وسقط العديد من الشهداء إلى حدود أواخر شهر فبراير/شباط 2011".

وبيّنت أن موعد الثورة "حسمه الدستور بعد نقاشات وجدالات وتجاذبات. وعلى الرغم من ضغط بعض الجهات على بعض النواب المؤسسين، حُسم الجدل بتعريف الثورة التونسية بثورة 17 ديسمبر 2010 - 14 يناير 2011".

وشددت الزغلامي على أن "هذا التعريف أرضى الجميع، ولم يطرح هذا الموضوع للنقاش، إلا مع قيس سعيّد للأسف، وذلك إمعاناً منه في تقسيم التونسيين".

وحول قرار منع التجمهر والتظاهرات، أكدت الزغلامي أن "هذه السياسة مفضوحة، لأن توصيات اللجنة العلمية طبّقها سعيّد فقط على منع التظاهرات، بينما تشهد المدارس والمعاهد تسجيل نسب مرتفعة من حالات كورونا".

المساهمون