فيما تحيي تونس غداً، الخميس، الذكرى العاشرة لسقوط نظام زين العابدين بن علي إثر ثورة شعبية وضعت البلاد على سكة انتقال ديمقراطي، بحث مختصون في القانون والقضاء ركائز ذلك الانتقال الديمقراطي، والمسار الدستوري والحقوق والحريات وإصلاح القضاء، والعدالة الانتقالية، ومكافحة الرشوة والفساد وحرية الإعلام، ضمن دراسة قدمها، اليوم الأربعاء، مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية تحت عنوان: "10 سنوات من الانتقال الديمقراطي بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة".
في حين اعتبر الرئيس السابق للهيئة العليا للانتخابات شفيق صرصار، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "فترة 10 سنوات غير كافية للتغيير، فأي ثورة في العالم لا يمكنها تغيير الوضع في فترة قصيرة، ولكن هذا لا يعني عدم التقييم والتقدم نحو المستقبل"، مبيناً أن "ما يسجل أن تونس في الاتجاه الصحيح، ولا بد من استخلاص الدروس".
وأشار إلى أن "نتائج الانتقال لا تحصل في يوم أو سنة، ولكن الأهم أنه وخلال هذه الفترة القصيرة فإن تونس في الاتجاه الصحيح، وهناك ضوابط أساسية لا تزال تقوم عليها الثورة"، مبيناً أنها "فترة مهمة للتقييم، ولكن لا يمكن الحديث عن فشل أو نجاح للثورة، بل تشخيص الوضع وتحديد المقبل".
وحول الدراسة التي تم تقديمها، اليوم، قال إنها "محاولة للبحث في المسار التأسيسي، ولعل أهمها الدستور الذي وضع في 2014، والذي كان حمالاً لعديد النصوص والقوانين، ولكن الإشكال في تنزيل بعض المؤسسات الجديدة والقواعد رغم أن الدستور يحدد آجالاً لها".
وأضاف أن "بعض الهيئات لم يتم تركيزها لليوم، مثل المحكمة الدستورية، وهو ما يطرح إشكالات في تطبيق الدستور".
من جهته، رأى رئيس مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية أمين غالي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن 10 سنوات من الانتقال الديمقراطي في تونس مرحلة مهمة ولكنها ليست نهاية المرحلة.
وأوضح غالي أن الثورة التونسية صامدة مقارنة بدول أخرى، وهذه الفترة قابلة للتقييم، ولا بد من تنفيذ التوصيات الصادرة عن الهيئات الدستورية، مشيراً إلى أن الدراسة التي قدمت اليوم والتي شملت أهم مكونات الانتقال الديمقراطي في تونس، خلصت إلى عدة توصيات على أمل أن تصل إلى صناع القرار لتنفيذها مستقبلاً.
وقال العميد والرئيس السابق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، على هامش هذه الندوة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن فترة 10 سنوات قد تكون كافية وغير كافية للتقييم، لأن هناك دولاً استغرق التقييم فيها أكثر من هذه الفترة بكثير، ولكن عملية التقييم يجب أن تتم وتتواصل لتكون هناك دائما حالة يقظة ديمقراطية وتشريعية وسياسية إزاء عديد الإشكاليات التي تحصل، ومنها المتعلقة بمكافحة الفساد.
وبين أن هناك عديد القوانين المهمة التي صدرت بعد الثورة، ولكن للأسف يتم الالتفاف عليها من قبل بعض الفاعلين السياسيين، مثل إرساء المحكمة الدستورية وعديد الهيئات الأخرى.
وأشار الطبيب إلى أن مكافحة الفساد لم يتم الحديث عنها كثيراً في السنوات الأولى من الثورة رغم الأعمال التي أنجزتها لجنة تقصي الحقائق، ورغم ترسانة القوانين والتشريعات والمراسيم التي صدرت، إلا أنه يمكن القول إن هناك فشلاً في مكافحة الفساد لعدة أسباب.
وأوضح الطبيب أن التونسيين ظنوا أنه وبمجرد سقوط نظام بن علي سينتهي النظام الفاسد والفساد، ولكن تم إهمال نقطتين، وهما المعطى السياسي وميزان القوى، وعلى مستوى الواقع حصل التفاف على عديد المكاسب التشريعية.
بدوره، بين القاضي عمر الوسلاتي، في مداخلته، أن هناك تصادماً بين المنظومة القانونية والحقوقية بعد الثورة، فـ10 سنوات فترة مهمة، ولكن السؤال المطروح: أين نحن الآن من هذا المسار؟
وأشار إلى أن دستور 2014 كان متكاملاً ويستند إلى قوانين المنظومة الجديدة التي تراعي الحريات، ولكن لا تزال هناك قوانين قديمة وضعت بناء على منظومة سابقة وتشوبها عدة نقائص، مثل الفصل 86، الذي وضع قبل بروز الإنترنت، وهو ما يطرح اليوم عدة إشكالات في التطبيق، ففقه القضاء يتجه اليوم نحو حماية الحريات، وهناك أصحاب المصالح ممن يسعون لتعميق الشرخ بين قوانين سابقة تحمي مصالحهم وقوانين جديدة تراعي عديد الجوانب الديمقراطية.
بينما ترى القاضية آمال وحشي أن مسار العدالة الانتقالية لا يزال منقوصاً، موضحةً أنه رغم صدور توصيات عن هيئة الحقيقة والكرامة إلا أنها لم تطبق، وحتى عملية إصدار وتطبيق الأحكام التي أحيلت للقضاء لا تزال تعترضها عدة إشكاليات لغياب الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية ولغياب عدد كاف من القضاة المتخصصين وحتى الدوائر الاستئنافية غير موجودة.
وبينت في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المسار في طور التأسيس، ففي مجال العدالة الانتقالية مثلاً تم بعث هيئة الحقيقة والكرامة، إلا أن الأحكام الصادرة لم تنفذ بعد، وهناك توصيات لم تطبق وربما بتفعيلها قد نرى نتائج لمسار العدالة الانتقالية، مبينة أنها تظل من آليات الانتقال الديمقراطي الهام خاصة حصول عدة مظالم في العهد السابق طاولت جهات وأشخاصا ومناطق، وهؤلاء ما زالوا ينتظرون إنصافهم.