استمع إلى الملخص
- يواجه الجيش تحديات تتعلق بنقص العتاد والتمويل بسبب الأزمة الاقتصادية، لكنه يتمتع بثقة المواطنين ويواصل تنفيذ مهامه بعيداً عن التجاذبات السياسية، مع تقديم خطة شاملة لحاجاته للسلطات.
- يلتزم لبنان بتنفيذ القرار 1701 بالكامل بدعم دولي، مع توقع دور إيجابي للجنة المراقبة الدولية في ضمان تنفيذ الاتفاق ومنع الخروقات الإسرائيلية.
بدأ الجيش منذ الأربعاء تعزيز انتشاره في قطاع جنوب الليطاني
يعوّل الخارج على الجيش اللبناني لبسط سلطته على كامل أراضي لبنان
أبرز التحديات التي تواجه الجيش هي نقص في العديد والعتاد
مع دخول قرار وقف إطلاق النار بين لبنان واسرائيل حيّز التنفيذ أمس الأربعاء، تتسلّط الأضواء على الجيش اللبناني الذي أنيطت به مهمّات كبرى لبسط سلطة الدولة عملاً بالقرار 1701، وذلك في إطار خطة انتشار في الجنوب لحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة الحدودية. وبدأ الجيش اللبناني منذ يوم أمس الأربعاء تعزيز انتشاره في قطاع جنوب الليطاني بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، في ظلّ تأكيدات لبنانية رسمية أن الاتجاه ينصبّ على زيادة عدد قواته إلى عشرة آلاف عسكري، والدفع أكثر للحصول على دعم خارجي بغية أدائه الالتزامات الموكلة إليه.
وتجري الوحدات العسكرية المعنية عملية انتقال من عدة مناطق إلى قطاع جنوب الليطاني، جنوبي لبنان، حيث ستتمركز في المواقع المحددة لها، وذلك في وقتٍ دعت فيه قيادة الجيش اللبناني المواطنين العائدين إلى القرى والبلدات الحدودية، خصوصاً في أقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون، إلى التجاوب مع التوجيهات وعدم الاقتراب من المناطق التي توجد فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي، حفاظاً على سلامتهم، ولا سيما أنهم قد يتعرضون لإطلاق نار من القوات المعادية.
وبحسب اتفاق وقف إطلاق النار الذي عمّم مجلس الوزراء اللبناني نصّه أمس الأربعاء، تعتزم الولايات المتحدة وفرنسا العمل ضمن اللجنة التقنية العسكرية للبنان (MTC4L)، لتمكين وتحقيق انتشار شامل للجيش اللبناني قوامه عشرة آلاف جندي في جنوب لبنان في أقرب وقت ممكن. علاوة على ذلك، تعتزم الولايات المتحدة وفرنسا العمل مع المجتمع الدولي لدعم الجيش اللبناني بشكل مناسب لتحقيق هذا الهدف وتحسين قدراته.
وعند بدء وقف الأعمال العدائية، ستسحب إسرائيل قواتها تدريجياً إلى جنوب الخط الأزرق، وبالتوازي ستنشر القوات المسلّحة اللبنانية قواتها في المواقع الموضحة في خطة انتشار الجيش اللبناني، وستبدأ في تنفيذ التزاماتها بموجب هذه الالتزامات، بما في ذلك تفكيك المواقع والبنى غير المصرح بها، وبفترة لا تتجاوز 60 يوماً.
ويدعو القرار 1701 إلى التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن السابقة، بما في ذلك "نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان"، بحيث تكون القوات المصرح لها فقط بحمل السلاح في لبنان هي القوات المسلحة اللبنانية (الجيش اللبناني)، وقوات الأمن الداخلي، ومديرية الأمن العام، والمديرية العامة لأمن الدولة، والجمارك اللبنانية، والشرطة البلدية.
ويعوّل الخارج على الجيش اللبناني لبسط سلطته على كامل الأراضي اللبنانية، مبدياً استعداده لتقديم الدعم اللازم له، علماً أنّ المؤسسة العسكرية هي اليوم أمام تحديات عدّة لا تقتصر على الجانب "التسلّحي"، بل المالي أيضاً، حيث إنّ تداعيات الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان في أواخر عام 2019 انعكست بشكل كبير وقاسٍ على العسكريين، ما تُرجم بسلوك مسار التقشّف في الكثير من النفقات.
في هذا الإطار، تؤكد مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، أنّ "الجيش اللبناني قادرٌ على بسط سلطته على كامل الأراضي اللبنانية وأداء مهامه، ويستمرّ في تسطير الإنجازات رغم الظروف الصعبة التي مرّت بها المؤسسة العسكرية، ولكن في الوقت نفسه لا يُمكن إنكار الحاجة الماسّة لدعمه بهدف القيام بواجباته بالشكل اللازم والمطلوب".
وتشير المصادر إلى أنّ "الآمال المعلقة على الجيش اللبناني اليوم كبيرة، وهو على قدر المسؤولية، كما استطاع تخطي كل الظروف الصعبة، والتركيز سينصبّ على دعمه، في ظلّ الحاجة الوطنية الكبرى إليه، وهو يلقى بهذا السياق دعماً خارجياً كبيراً، نتطلع إلى أن يُترجم أيضاً ميدانياً من خلال المساعدات"، لافتة إلى أنّ "هناك خطة وُضعت لانتشار الجيش وسيتم العمل بها، ولبنان ملتزم بتنفيذها، وهناك وعود دولية وعربية تلقتها الحكومة لتعزيز دوره، ونأمل في حصول ذلك بأسرع وقتٍ ممكنٍ".
وكان مؤتمر باريس الذي عُقد في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قد جمع 800 مليون دولار من المساعدة الإنسانية و200 مليون دولار لمساعدة القوات الأمنية اللبنانية، علماً أنّ هذا الدعم أتى "مخيباً"، على حدّ قول أوساط وزارية لـ"العربي الجديد"، مقارنة مع حجم الخسائر من جراء العدوان وحاجات الجيش لتمكينه من التعامل مع التحديات. وجدّد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أمس الأربعاء، تأكيد التزام الحكومة بتطبيق القرار الدولي رقم 1701، وتعزيز حضور الجيش في الجنوب، والتعاون مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، داعياً دول العالم والمؤسسات الدولية المعنية إلى تحمّل مسؤولياتها في هذا الصدد.
أبرز التحديات التي تواجه الجيش اللبناني
في هذا المجال، يقول العميد المتقاعد أكرم سريوي لـ"العربي الجديد"، إنّ "أبرز التحديات التي تواجه الجيش اللبناني اليوم هي نقص في العديد والعتاد اللازمين لتنفيذ المهام الكبيرة الموكلة إليه. فالجيش يقوم بعمليات حفظ أمن في كافة المناطق اللبنانية، إضافة إلى انتشاره على الحدود مع سورية، والانتشار في الجنوب، ومنذ أن بدأت الأزمة الاقتصادية في لبنان لم يتم تطويع عناصر جدد في الجيش، سوى في حالات استثنائية وعدد قليل جداً لم يعوض النقص الناتج عن حالات الإحالة على التقاعد أو حالات التسريح والاستقالة".
ويضيف: "أما على مستوى التجهيز، فهناك نقص في الأسلحة والعتاد والآليات اللازمة، وحتى عمليات الصيانة وتأمين قطع البدل تعاني من عدم وجود تمويل كاف من قبل الدولة اللبنانية". ويشير سريوي إلى أنّ "أبرز نقاط قوة الجيش هي ثقة المواطنين به وبدوره الوطني، وأيضاً الكفاءة القتالية العالية، والانضباط الصارم لدى عناصره على كافة المستويات، وابتعاده عن السياسة، ما أعطاه حصانة وطنية، فلم تغرق قيادته في المناكفات السياسية الداخلية، والتزمت بتنفيذ القوانين وقرارات مجلس الوزراء". ويردف: "أما بالنسبة لما يحتاجه للقيام بمهامه، فهو ما يحتاجه أي جيش من أسلحة حديثة وتمويلٍ كافٍ للمجهود الحربي، يكون متناسباً مع حجم المهمات المطلوب تنفيذها والتحديات التي يواجهها، وقد قدّم الجيش إلى السلطات السياسية خطة كاملة ودراسة شاملة لحاجاته، وعلى أصحاب القرار أن يتخذوا القرارات اللازمة لتعزيزه".
ويلفت سريوي، وهو خبير في أسلحة الدمار الشامل والقانون الدولي، إلى أنّ "الاتفاق ينصّ على نشر عشرة آلاف جندي في الجنوب، والجدير ذكره أن الجيش موجود منذ عام 2006 في منطقة جنوب الليطاني، ويقوم بمهماته بالتعاون مع قوات اليونيفيل، واتخذ مجلس الوزراء أخيراً قراراً بتطويع 1500 جندي. مع الإشارة إلى ضرورة استمرار عمليات التطويع ورفد الجيش بدم جديد وكفاءات جديدة تواكب التطور التقني وتسدّ النقص الذي يحصل جراء عمليات التقاعد، وهذه قاعدة أساسية لدى كل جيش".
ويؤكد أنّ "دور الجيش كان وسيبقى حماية لبنان والمواطنين اللبنانيين وبسط سلطة الدولة ومنع وجود أي سلاح غير شرعي، وسيستمر بالتنسيق مع اليونيفيل، ولا توجد تغييرات في دور الجيش أو دور اليونيفيل، وإذا التزمت إسرائيل بتنفيذ الاتفاق، سيلتزم حزب الله بسحب قواته من جنوب الليطاني بإشراف الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل. مع العلم أنه قبل الحرب لم يكن هناك أي وجود مسلح ظاهر لحزب الله في المنطقة".
وحول انعكاس دور الهيئة الرقابية المؤلفة من فرنسا وأميركا على الجيش اللبناني وأداء دوره، يقول سريوي إنّ "الدول التي ستتشكل منها لجنة المراقبة ستضمن التزام الطرفين بتنفيذ الاتفاق، وسيكون دور اللجنة إيجابياً، لأن لبنان أعلن بكل وضوح أنه سيلتزم بالتنفيذ الكامل للقرار 1701، ولكن إسرائيل خرقت هذا القرار آلاف المرات، واستمرت باحتلال الاراضي اللبنانية، واليوم بات على لجنة المراقبة موجب إلزام إسرائيل بتنفيذ الاتفاق والتوقف عن خرق السيادة اللبنانية وعدم الاعتداء على لبنان والانسحاب إلى الحدود الدولية، فالقرار ينص على أن ترعى الولايات المتحدة الأميركية مفاوضات لحل مسألة النقاط الحدودية المتنازع عليها، والتي ما زالت إسرائيل تحتلها".