الحالة الفلسطينية... ثلاثة أسباب

18 أكتوبر 2023
مواطن فلسطيني أمام منزل مدمر في رفح (سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -

ثلاثة أسباب تجعل المواجهة القائمة بين الشعب والمقاومة الفلسطينية مع المشروع الصهيوني، مختلفة تماماً عن كل المواجهات السابقة، وللأسباب ذاتها ستكون نتائج المواجهة الراهنة، رهناً بما يتحقق ميدانياً وسياسياً، بالغة التأثير بمسارات القضية والجغرافيا السياسية في المنطقة.

هذه المرة، المقاومة هي التي حددت توقيت بداية المعركة، ويُقصَد بالتوقيت في بُعده الميداني والسياسي، وأخذت زمام المبادرة للتحوّل إلى الحالة الهجومية، وعلى أرض داخل نطاق يخضع لسلطة الاحتلال؛ وهذه مسألة مقلقة بشكل بالغ بالنسبة إلى الاحتلال، لأن كل تقديراته للموقف العسكري والأمني، لم تكن تقوده إلى أن لدى المقاومة القدرة على التحوّل إلى الهجوم وتجاوز الخطوط وكسر قواعد الاشتباك التي فرضها العدو، بحيث للمقاومة دوافعها العسكرية وتقديراتها السياسية الوجيهة في هذا الخيار.

بخلاف كل المحطات السابقة التي كانت أهداف المعركة فيها جزئية تستهدف تحقيق إنجاز سياسي أو لوجيستي، كتحرير أسرى أو وقف عدوان بالنسبة إلى المقاومة، أو الردع وتحييد كوادر بالنسبة إلى الاحتلال، فإن المواجهة القائمة لن تتوقف عند أي من هذه الأهداف؛ فللمرة الأولى منذ أكثر من خمسة عقود يشعر الاحتلال بأنه بصدد معركة وجود، وبصدد كابوس وأسئلة البقاء والمستقبل. وتوجد الكثير من تصريحات المسؤولين في الكيان، من المستويين السياسي والعسكري والأمني تؤكد ذلك. إضافة إلى أن هذا الكابوس الوجودي المرعب بالنسبة إلى الإسرائيلي، هو ما استدعى الوجود الأميركي المنخرط في الحرب العدوانية ضد الشعب والمقاومة في غزة ولبنان، بشكل مباشر وبحضور على الأرض، تجاوز حالة الدعم اللوجيستي في الجولات السابقة.

السبب الثالث يتعلق بجغرافية المواجهة، فحتى الآن لا أحد يمكنه الإمساك بحدود المعركة أو معرفة المدى والاحتمالات الممكنة لاتساعها. صحيح أن المواجهة على الأرض تدور في فلسطين المحتلة وفي نطاق جغرافية غزة بالأساس، لكنها أوسع بكثير على الورق والجغرافيا السياسية، وتأثيراتها مهما كانت نتائجها بالنسبة إلى مشروع المقاومة، لن تكون هينة على مشاريع الاحتلال الذي حاول تصفية القضية وعزل حركات المقاومة، عبر شقّ مسارات تطبيع مع دول وازنة في المنظومة عربية. والحراك الدبلوماسي الكثيف الذي يجري في الأيام الأخيرة حول التطورات والمساعي لوقف الحرب والحد من اتساع دائرة النار، هو أحد المظاهر التي تجعل المواجهة القائمة، بخلاف سابقاتها.

ليس هناك خلاف على أن المواجهة غير متكافئة بأي شكل كان، لكن ما هو واضح الآن، أن لكل من طرفي المواجهة المباشرة، المقاومة والاحتلال، سبباً وجيهاً في اعتبارها مقابلة فاصلة، قد تستدعي وقتاً إضافياً أو ضربات جزاء، لكنها يجب أن تنتهي بخاسر ومنتصر. بيد أن قانون الكرة لا يصلح هنا بالضرورة، فهدف واحد للمقاومة يساوي أكثر من عشرة أمثاله للاحتلال، ويكفي للمقاومة انتصارها أنها بعثت حلم التحرير وتحررت من لعنة الخوف... وذاك تماماً الذي فعلته جبهة التحرير الجزائرية غرة نوفمبر/تشرين الثاني 1954 بعد 132 عاماً من الاحتلال.