- الحراك الشعبي يطالب بحل جهاز الأمن العام، تشكيل مجلس شورى حقيقي، وإطلاق سراح معتقلي الرأي، مع تأكيد على استمرار التظاهرات حتى تحقيق المطالب.
- الوضع في إدلب معرض لمخاطر تصاعد العنف والفوضى بسبب استمرار قمع هيئة تحرير الشام وعدم استجابتها لمطالب الحراك، مما قد يؤدي إلى دائرة عنف جديدة.
يسود هدوء حذر في عموم محافظة إدلب شمال غربي سورية بعد يوم من تصعيد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، سلطة الأمر الواقع، بوجه الحراك ضد "تحرير الشام" والذي وصل إلى حد الضرب والاعتقال ونشر الحواجز، وتقطيع أوصال المدن والبلدات بهدف محاصرة حراك شعبي بدأ في فبراير/شباط الماضي وما يزال مستمراً بزخم متصاعد. وأطلقت شخصيات ثورية في محافظة إدلب، أمس الأول الجمعة، مبادرة لـ"تجنب دخول الشمال الغربي من سورية مرحلة الفوضى"، تتضمن "سحب المظاهر المسلحة في الساحات بالتوازي مع تعليق التظاهر"، والانتقال إلى "حوار جاد وغير مشروط من جميع الأطراف، والكف عن أي خطاب تحريضي يكون سبباً في تفاقم الأزمة".
وكانت هيئة تحرير الشام قد لجأت، الجمعة الماضي، إلى العنف في قمع المتظاهرين ضدها في شمال غربي سورية، ونشرت الحواجز لتقطيع أوصال المدن والتضييق على المدنيين لمنعهم من الوصول إلى نقاط التظاهر الرئيسية، ولا سيما في مدينة إدلب مركز المحافظة التي تحمل ذات الاسم. ووصل التصعيد في مدينة جسر الشغور وبلدة بنش إلى حد إطلاق الأعيرة النارية والضرب بالعصي واستخدام الغازات المسيلة للدموع، واعتقال عدد من المتظاهرين.
مطالب الحراك ضد "تحرير الشام"
وكان الحراك ضد "تحرير الشام" قد بدأ في فبراير الماضي، على خلفية اعتقالات واسعة قام بها الجهاز الأمني في الهيئة، وتعرض المعتقلين لتعذيب أفضى إلى موت البعض منهم. وسرعان ما عمّ الحراك الشعبي عموم محافظة إدلب مطالباً بـ"إسقاط الجولاني" (قائد تحرير الشام أبو محمد الجولاني)، والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية للحيلولة دون انفجار شعبي عارم بسبب تراكم الأزمات الناجمة عن سياسة التفرد بالقرار التي تنتهجها الهيئة.
رامي عبد الحق: العنف الذي يُستخدم من خلال الجهاز الأمني في الهيئة يرفع سقف المطالب الشعبية
وأكد رامي عبد الحق، وهو ناشط حقوقي في الحراك الشعبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التظاهرات لن تتوقف"، مضيفاً: "لدينا مسار معروف نسلكه، والعنف الذي يُستخدم من خلال الجهاز الأمني في الهيئة يرفع سقف المطالب الشعبية". وتابع: الشارع يريد إسقاط الجولاني وحل جهاز الأمن العام وتشكيل مجلس شورى حقيقي وتبييض السجون من معتقلي الرأي. الجولاني هو الوجه الآخر لبشار الأسد لذا لن نتفاوض على ما دون إسقاطه. ورأى أن "أي مبادرة لا تبدأ بإسقاط الجولاني فهي صادرة عنه"، مضيفاً أنه "يحاول الالتفاف على الحراك ضد "تحرير الشام" من خلال القمع والمبادرات التي يقف خلفها جهاز الهيئة الأمني. إسقاط الجولاني خطوة واسعة باتجاه إسقاط بشار الأسد"، وفق تعبيره.
واعتقلت الهيئة الجمعة الماضي المدرس في كلية الطب بجامعة إدلب والطبيب في مستشفى سلقين المركزي محمد فاروق كشكش لعدة ساعات، مع عدد من المتظاهرين الآخرين على خلفية تصاعد الحراك ضد "تحرير الشام" في شمال غربي سورية. وفي حديث مع "العربي الجديد" أشار كشكش إلى أن للحراك الشعبي مطالب "لا بد من تحقيقها"، مضيفاً: إذا عملت الهيئة على تحقيق هذه المطالب المحقة من المؤكد أن الشمال الغربي سيذهب إلى بر الأمان، أما إذا رأت أنها غير محقة فإن الأوضاع ستتجه إلى منحى لا يحمد عقباه.
الأمور قد تتجه للخيار الأسوأ
إلى ذلك، رأى أحد الكتاب المقيمين في الشمال السوري، والذي فضّل عدم ذكر اسمه في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "وقع المحظور مع الصدام مع الشارع"، مضيفاً: "في حال لم تتراجع هيئة تحرير الشام، فإن الأمور في شمال غربي سورية تتجه إلى الخيار الأسوأ". وتابع: الهيئة وقعت في نفس خطأ النظام وهو استفزاز شارع محتقن يعاني أزمات، وإنزال العسكريين الذين لا يعرفون سبل التعاطي مع التظاهرات في الشوارع.
محمد فاروق كشكش: للحراك الشعبي مطالب لا بد من تحقيقها
ورأى الكاتب أنه على الطرفين اتخاذ "خطوات جدية"، مشيراً إلى أن الهيئة "كما يبدو لم تستفد من دروس أكثر من 13 عاماً من الأزمة التي تضرب البلاد. القمع واستخدام العنف مع المتظاهرين هما بداية مواجهة مع الشارع لن يخرج أحد منها منتصراً، وهو ما حدث سابقاً بين النظام والثورة. القمع الذي مارسه النظام أدخل سورية كلها في نفق لا يبدو أن له نهاية". وأشار إلى أن مطالب الشارع في محافظة إدلب "تتمحور حول تخفيف الضغوط الاقتصادية ورفع سقف الحريات، وإبعاد شخصيات متطرفة عن مراكز القرار"، معتبراً أنها مطالب من السهل تنفيذها. وأعرب عن اعتقاده بأن الشارع في محافظة إدلب "لن يقبل بعد اليوم تفرد الهيئة بالقرار"، مضيفاً: "لذا على الهيئة مراجعة سياساتها والتجاوب مع مطالب الناس، كي لا يدخل الشمال الغربي من سورية دائرة العنف خصوصاً أن السلاح متوفر لدى كل الأطراف، وهناك من يغذي الأوضاع السيئة وخصوصاً النظام، وهو المستفيد الأكبر مما يجري".
ويعاني الشمال الغربي من سورية عديد الأزمات المعيشية والسياسية في ظل هيمنة مطلقة لهيئة تحرير الشام على كل مفاصل الحياة في المنطقة المكتظة بالسكان، وجلهم نازحون ومحدودو الموارد الاقتصادية. وحيّدت الهيئة على مدى سنوات كل الأطراف المعارضة لها أو تشكل خطراً عليها. ورأى الباحث في مركز كاندل للدراسات عبّاس شريفة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الحراك ضد "تحرير الشام" في محافظة إدلب أمام مآلين، الأول بقاء الحراك على حاله واستمرار المظاهر المسلحة من قبل الهيئة، والمآل الثاني لجوء الهيئة إلى التصعيد الأمني حيال المتظاهرين لقمعهم، وهذا المآل الأخطر على الشمال الغربي من سورية. ودعا إلى مبادرة وطنية من الحكماء أو المحايدين "من أجل الاتفاق على الملفات العالقة والخروج من الاستعصاء السياسي الموجود اليوم في إدلب".
وكان أبو محمد الجولاني حذر قبل أيام من "تجاوز الخطوط الحمراء" من قبل الحراك ضد "تحرير الشام" زاعماً أن مطالب المتظاهرين "لبّيت"، مشيراً إلى أن الهيئة استخدمت لغة الحوار معهم، وأنه لن يسمح بـ"الفوضى والتشرذم" في المناطق التي يسيطر عليها. وتسيطر "تحرير الشام" على الشمال الغربي من سورية منذ العام 2017، بعد تحييد وإقصاء فصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب ومحيطها بالقوة، ما سمح لها بالسيطرة على المعابر، خصوصاً معبر باب الهوى، منفذ الشمال الغربي من سورية الوحيد مع العالم، والذي تدخل منه المساعدات الدولية لملايين السوريين في شمالي غرب البلاد. ولطالما حاولت الهيئة طرح نفسها كجزء من الحل في سورية، من خلال القضاء أو تحييد تنظيمات أكثر تشدداً، وفي المقدمة تنظيم حراس الدين، ومن خلال التعاون مع الجانب التركي لتطبيق تفاهمات مسار أستانة، خصوصاً لجهة إرساء وقف لإطلاق النار مع قوات النظام والمليشيات الإيرانية، والسماح لأنقرة بنشر آلاف الجنود في عموم محافظة إدلب.