الرفض الإسرائيلي للتعديلات اللبنانية: بين الحسابات الانتخابية ومخاوف ضياع المكاسب الاستراتيجية
لم يتأخر رد رئيس حكومة تصريف الأعمال في دولة الاحتلال يئير لبيد على الورقة اللبنانية، والتعديلات الحدودية التي طالب بها لبنان وذلك عبر رفضها.
بل إن هذا الرد الرافض لأي تعديل، سبق حتى لزوم الشكليات الرسمية، المفترض التزامها في مثل هذه القضايا، بصدوره قبل الانعقاد المقرر للكابينت السياسي والأمني بوقت قصير، ما عزز البعد الحزبي الانتخابي الداخلي لهذا الرفض. وهو بعد لا ينفي ولا يلغي في الوقت ذاته وجود حسابات استراتيجية وأمنية أخرى.
لكن مسارعة لبيد إلى إصدار الرفض، قبل انعقاد الكابينت، هدف أساساً لتحقيق مكسبين، أو ربما الأصح القول تسجيل موقف، قبل شريكه في الحكومة ومنافسه في الوقت ذاته على المنصب، الجنرال بني غانتس.
وهو ما فسر اتجاه مكتب غانتس، بعد ذلك بساعات، لتعميم بيان أشد لهجة بكثير، زاد فيه الإعلان عن إصدار توجيهات للجيش بالاستعداد لسيناريوهات تصعيد محتملة مقابل "حزب الله".
تكذيب غانتس حول استعداد الجيش
وحتى بيان غانتس وجد من يكذّبه في اليوم الثاني، أمس الجمعة، عندما كشف رئيس مستوطنة "شلومي" الحدودية مع لبنان غبريئيل نعمان أن بيان غانتس أدخل الرعب في صفوف سكان المستوطنة.
مسارعة لبيد إلى إصدار الرفض هدف لتسجيل موقف قبل غانتس
وأظهر استيضاح بسيط أجراه نعمان مع قادة المنطقة الشمالية للجيش، في محيط مستوطنته، أن بيان غانتس و"توجيهاته" لم تصل إلى القيادة الشمالية للجيش، التي أبلغت قادة المستوطنات الحدودية مع لبنان، بحسب نعمان، بأن قواتها ووحداتها لا تزال تعمل وفق تعليمات وأوامر الروتين اليومي المعمول به منذ مدة، ولم يطرأ عليها أي جديد.
هذا السباق بين غانتس ولبيد يؤكد حجم الأزمة الانتخابية للاثنين، وحجم القلق الانتخابي لديهما مما يخبئه لهما بنيامين نتنياهو في ما تبقى من أيام للانتخابات العامة، المقررة في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، في ظل تعقيدات إجرائية داخلية، بعضها من صنع يدّي نتنياهو ومعسكره.
ويتصل هذا الأمر بإلزام المحكمة الإسرائيلية العليا لحكومة الاحتلال، رداً على التماسات للمحكمة رفعتها منظمتا "لافي" و"كوهيليت" اليمينيتان لإلزام الحكومة بنشر تفاصيل الاتفاق أولاً، وعرضه على الكنيست للمصادقة عليه، أو طرحه للاستفتاء العام ثانياً. وأمهلت المحكمة الحكومة الحالية حتى 27 من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي للرد بشأن نواياها، وتحديد هل تتجه للمصادقة على الاتفاق فقط داخل الحكومة، أم ستعرضه على الكنيست للمصادقة عليه.
وزادت من الطين بلة في هذا السياق مسارعة وزير العدل في حكومة لبيد غدعون ساعر إلى التصريح، قبل أيام، بالالتزام بعرض الاتفاق على الكنيست للمصادقة عليه.
كما دخلت وزيرة الداخلية أيليت شاكيد، التي تسعى لكسب ود الناخب اليميني لضمان قدرة حزبها "البيت اليهودي" على تخطي نسبة الحسم في الانتخابات، على الخط.
مساندة شاكيد لانتقادات نتنياهو للاتفاق
واتخذت شاكيد موقفاً صقورياً مسانداً للانتقادات التي طرحها نتنياهو ضد الاتفاق، رغم أنه لم يطلع على بنوده وتفاصيله، والمطالبة بوجوب إخضاع الاتفاق لمصادقة الكنيست، ما يعني عملياً، ومن حيث الجدول الزمني، تجريد لبيد وغانتس أيضاً من مكسب سياسي انتخابي يضع كلاً منهما في مرتبة نتنياهو، من حيث القدرة على تحصيل اتفاقيات سلام وتطبيع مع دولة عربية، وخلال فترة وجيزة تقريباً.
هذه التطورات كلها، مع ما رافقها من الحرب الإعلامية الشرسة التي قادها نتنياهو ضد الاتفاق، ووصلت إلى حد اتهام لبيد بالرضوخ لتهديدات "حزب الله"، وإثارة كل موضوع الاتفاق مع لبنان في المعركة الانتخابية، دفعت غانتس ولبيد، مع إدراكهما بأنهما لا يملكان ما يكفي من الأوراق في مواجهة هذه الدعاية، للمسارعة إلى الانقلاب على موقفهما المسبق بوجوب الوصول سريعاً لاتفاق مع لبنان، ورفض التعديلات اللبنانية.
ويحاول غانتس ولبيد سحب البساط من تحت أقدام نتنياهو وتسفيه ادعاءاته بشأن رضوخهما لتهديدات "حزب الله"، بل واتهامه بأنه في مواقفه المعلنة يردد دعاية "حزب الله"، ويرفد موقف الحزب بمسوغات للسعي لتعطيل الاتفاق.
مكاسب استراتيجية في مهب الريح
لكن بموازاة هذه الدوافع الحزبية والانتخابية الداخلية، فإن الموقف الإسرائيلي من المطالب اللبنانية يعكس عملياً مخاوف لإضاعة مكاسب استراتيجية كان يتضمنها الاتفاق، قبل إعلان الشروط اللبنانية.
وبالتالي فإن من شأن هذه الشروط في حال قبولها، كما هي، أن يؤثر على مكتسبات استراتيجية لإسرائيل، وأن يضعف مواقفها التفاوضية لاحقاً في ترسيم الحدود البحرية مع قبرص ومع غزة، وبالتالي أيضاً إلزامها بتنازلات في حقول الغاز مع الطرفين.
يحاول غانتس ولبيد تسفيه ادعاءات نتنياهو بشأن رضوخهما لتهديدات حزب الله
وقد أجملت مذكرة لمعهد أبحاث الأمن القومي، نشرت على موقعه الإلكتروني أمس الجمعة، هذه المكاسب الأمنية والاقتصادية الاستراتيجية كالآتي: أولاً، حتى بعد التنازل الإسرائيلي المعلن في ما يتعلق بالخط 23 اللبناني، فقد حصلت إسرائيل على موافقة لبنانية بالامتناع عن أي تغيير لنقطة ترسيم الحدود البرية، والإبقاء على شريط 5 كيلومترات من الشاطئ اللبناني، وهو شريط ذو أهمية أمنية كبيرة للجيش الإسرائيلي ولبقائه تحت مسؤولية إسرائيل وليس وفق الخط 23.
ثانياً، هذا الأمر سيقود لبنان أيضاً إلى بذل جهده في تأمين هدوء في المجال البحري، ويقلص حدود الحاجة الإسرائيلية في تأمين حقل كاريش، حتى وإن كان الاتفاق لا يمنع كلياً احتمالات بحث "حزب الله" عن ذرائع لتجديد تهديداته، في حال اختار ذلك. والاتفاق مع ذلك قادر على كبح جماح الحزب في ظل مصلحة لبنان الاقتصادية للانضمام لدول المتوسط المنتجة للغاز، والدور الدولي في هذا الحقل.
ثالثاً، الموافقة على دفع تعويضات لإسرائيل عن أرباح من حقل قانا في حال العثور على غاز فيه، حتى لو كان هذا التعويض "قليلاً"، لأن الاتفاق سيزيل العقبات أمام نشاط واستثمارات الشركات الأجنبية.
رابعاً، توقيع الاتفاق سيعكس تغييراً إيجابياً في صلب وأسس العلاقات بين الدولتين، وقد يكون فاتحة لتغيير مستقبلي في طبيعة العلاقات بينهما (سلام وتطبيع)، والترويج لدور إسرائيل في معافاة وإنعاش الاقتصاد اللبناني.