تلقى رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، دعوة رسمية من الرئيس الأميركي جو بايدن لزيارة البيت الأبيض، وذلك بعد أشهر من الجدل المتواصل داخل العراق، حول إرجاء واشنطن الزيارة التي تأخرت "كثيرًا" منذ تولي السوداني منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتعتبر زيارة السوداني المرتقبة إلى واشنطن، إجراء بروتوكوليا اعتاد عليه جميع رؤساء الحكومات العراقية المتعاقبة بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، في الأشهر الأولى لتسلمه السلطة. إلا أن زيارة السوداني، بصفته رئيساً لحكومة منبثقة عن تحالف سياسي، أعلن في أكثر من مناسبة مناهضته للولايات المتحدة والعمل على إزاحة وجودها العسكري من البلاد، قد تُخرجها من سياقها المعتاد هذه المرة، خصوصاً أن ملفات السوداني، التي يريد حملها إلى واشنطن، لن تكون مقبولة أميركياً.
وذكر بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي أن السوداني التقى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجرى خلال اللقاء "بحث أوجه التعاون بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، وسبل تعزيز الشراكة في مختلف المجالات والصعد".
وأضاف البيان أن "الوزير الأميركي نقل خلال اللقاء، دعوة الرئيس بايدن إلى السوداني لزيارة البيت الأبيض من أجل المزيد من التباحث في العلاقات الثنائية بين البلدين، فيما أكد رئيس الوزراء العراقي تقديره للدعوة واستعداده لتلبيتها في موعد يُحدد لاحقاً".
وشدد السوداني بحسب البيان على "أهمية استئناف أعمال اللجنة العراقية الأميركية المشتركة، فيما يخص اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين، ورغبة العراق في تطوير علاقات الشراكة مع الولايات المتحدة في مجال مواجهة آثار التغير المناخي، والاستثمار في قطاع الطاقة"، كما رحب بـ"إسهام الشركات الأميركية في الفرص الاستثمارية بالعراق"، مشددا على أهمية التعاون المشترك في المجال الأمني لمحاربة "داعش".
ما وراء عدم تحديد موعد للزيارة؟
من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي لـ"العربي الجديد"، إن توجيه دعوة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني لزيارة البيت الأبيض دون تحديد موعد رسمي لها، يؤكد أن الإدارة ما زالت تعمل على مراقبة ومتابعة عمل حكومة "الإطار التنسيقي" والفصائل المسلحة، مشيرًا إلى أن هذا السبب كان وراء تأخر الدعوة "كثيراً"، فيما أعرب عن اعتقاده في أن يكون موعد الزيارة ذاتها "بعيدا جدًا" كذلك.
وبحسب الشريفي فإن الولايات المتحدة تعتبر بشكل واضح أن حكومة السوداني هي حكومة الأحزاب والفصائل المسلحة القريبة والمدعومة من إيران، وهي حذرة جداً في التعامل معها، واستطرد قائلًا "نعتقد أن توجيه دعوة لرئيس الوزراء العراقي لزيارة البيت الأبيض جاءت بعد وساطات عملت عليها أطراف إقليمية وداخلية من جهات وشخصيات مؤثرة في واشنطن".
وأضاف الباحث في الشأن السياسي أن "زيارة السوداني إلى واشنطن لا تعني الدعم الأميركي المطلق له، وربما تكون لهذه الزيارة نتائج عكسية، حينما تبلِغ الإدارة الأميركية عن رفضها للانسحاب من العراق، ومطالبة السوداني بدور حكومي أكثر فاعلية تجاه عمليات تهريب الدولار وتحركات الفصائل المسلحة خارج سلطة الدولة".
ووقّع العراق والولايات المتحدة، في يوليو/ تموز 2021، حزمة من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والتعليمية والثقافية، دخلت حيز التنفيذ نهاية ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، أبرزها تحويل مهمة القوات الأميركية في العراق من قتالية إلى استشارية، ضمن جهود التحالف الدولي للحرب على الإرهاب.
وتتواجد القوات الأميركية في ثلاثة مواقع رئيسية في العراق، ضمن اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، وهي قاعدة "عين الأسد" الواقعة على بعد 130 كيلومتراً من مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار غربي البلاد، وقاعدة "حرير" شمال أربيل، ضمن إقليم كردستان العراق، إلى جانب معسكر "فيكتوريا" الملاصق لمطار بغداد، الذي توجد فيه وحدة مهام وتحليل معلومات استخبارية. وتحوي السفارة الأميركية وسط بغداد قوة صغيرة خاصة مكلفة حماية السفارة والبعثة الموجودة فيها.
وتشهد الساحة العراقية حالة من الهدوء الأمني غير المسبوق بين الفصائل المسلحة الحليفة لإيران، والقوات الأميركية في العراق، بعد توقّف عمليات القصف واستهداف المصالح الأميركية منذ ما يزيد على 8 أشهر. وتُعَدّ فترة التهدئة هذه الأطول منذ مقتل قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس بغارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي مطلع يناير/ كانون الثاني 2020.