الضربات الإسرائيلية ضد إيران... هل تكون المواجهة الأخيرة؟

27 أكتوبر 2024
مشهد عام للعاصمة طهران إثر الهجوم الإسرائيلي، 26 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

في تعليقه على الهجوم الجوي الإسرائيلي ضد إيران صباح السبت، قال الرئيس الأميركي جو بايدن "آمل ان تكون هذه العملية نهاية" التصعيد بينهما. ما استوقف في هذا التمني أنه بقدر ما أعرب فيه البيت الأبيض عن ارتياحه لمرور هذا التصعيد عشية الانتخابات من دون انفجار إقليمي كبير، انطوى عليه تخوّف مبطّن من أن تكون هذه بين الطرفين، بداية وليست نهاية. وبايدن يعرف تماماً مدى ما تطمح إسرائيل إلى تحقيقه عسكرياً ضد إيران، وهو الذي مارس ضغوطاً كبيرة على رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لحمله على تحجيم رده، بحيث لا يشمل النووي ولا إنتاج النفط في إيران. وكانت مفاجأة للمراقبين أن يستجيب نتنياهو لمطالب الإدارة هذه في حين تجاهل مراراً وتكراراً مطالبها البسيطة في غزة. لكن في الحقيقة جاء تناغمه مع الإدارة نتيجة حسابات وليس مجرد استجابة لرغبة بايدن. من هذه الحسابات أن الدخول في حرب كاسرة مع إيران عشية الانتخابات الأميركية مع ما يترتب على ذلك من تبعات (مثل جنون أسعار الطاقة) مؤذية للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، لا بد أن يُنظر إليه على أنه تدخل سافر في العملية الانتخابية لصالح دونالد ترامب. وفي ذلك مجازفة كبيرة لا تقوى إسرائيل على الإفلات من تداعياتها، خاصة إذا فازت هاريس في الانتخابات.

مسألة ثانية أكثر أهمية يعتقد أنها كانت من ضمن حسابات نتنياهو، وهي أن إسرائيل لا تريد مشاكسة الإدارة بخصوص إيران، لأنها في حاجة إلى واشنطن شريكاً ميدانياً في أي حرب واسعة مستقبلاً مع إيران. فحسب الخبراء العسكريين، تحتاج إسرائيل في أي مواجهة كسر عظم مع طهران، إلى أسلحة أميركية غير متوفرة لديها ومن غير المتوقع أن تتوفر لها لاحقاً باعتبارها حكراً للجيش الأميركي (مثل القنابل الخارقة على أعماق قياسية). مسألة ثالثة قد يكون أخذها نتنياهو في الاعتبار وهي أن انضباط إسرائيل في إيران من شأنه أن يعطيه مساحة أوسع لمواصلة مناوراته لنسف مشاريع وقف النار في غزة كما في لبنان، حيث يتمتع في الساحتين بتفويض أميركي لاستكمال حربه فيهما وحتى إشعار آخر.

غير أن هذا الانضباط قد لا يطول وفق بعض تقديرات أميركية يزعم أصحابها أنهم على اطلاع على التفكير الإسرائيلي بخصوص إيران، وبالأخص تفكير نتنياهو الذي "يؤمن بأن المطلوب هو أن تقوم إسرائيل بضربة حاسمة" لإيران. والمقصود بذلك أن تستهدف منشآتها النووية والنفطية، إلى جانب صناعاتها العسكرية ومرافقها الحيوية، لكن ما دام هذا الاحتمال متعذراً في الوقت الراهن للأسباب أعلاه، إسرائيلُ مضطرةٌ إلى التريث "إلى ما بعد الانتخابات" إذا ما أتاحت الظروف الفرصة الملائمة للقيام بمثل هذه الضربة، والتي قد تشهدها "الأشهر القادمة".

ويذكر أن مثل هذا الخطاب سبق أن رددته دوائر وجهات مختلفة خاصة في الكونغرس وبالتحديد في مجلس الشيوخ، من زاوية أن التصدي لأذرع إيران في المنطقة يتطلب "الذهاب إلى المصدر" واتهام الإدارة بأنها "تقيّد أيدي إسرائيل" لتمنعها من القيام باللازم في هذا المجال. ومن هذه الأصوات من اغتنم فرصة الهجوم الجوي غير المسبوق ليشجع ضمناً على التصعيد من زاوية أن "هذا الهجوم ربما كان بمثابة إعداد المسرح لعمليات أكبر"، فضلاً عن أنه جعل إيران "عرضة للعطب السريع في مواجهة ضربات" من هذا العيار.

في ظل هذه الأجواء قد لا يتحقق التمني الذي أعرب عنه الرئيس بايدن. المناخات السائدة ترجح نقيضه. الضربة المحدودة التي كانت حصيلة هندسة أميركية إيرانية إسرائيلية والتي بدت نسخةً مكبّرةً عن رد إسرائيل على إيران في إبريل/ نيسان الفائت، مرشحة للتطور والتكرار وفق ما يوحي به خطاب إسرائيل والقوى الأميركية التي تدفع في هذا الاتجاه حتى ولو أن إيران بدت أنها ليست في وارد الرد على إسرائيل، كما أوحت ردودها على العملية، حيث اكتفت بالتشديد على حقها "بالدفاع عن النفس" وليس على حقها بالرد كما فعلت في المرة السابقة. وهكذا فاجأت محدودية الرد الإسرائيلي الجميع حيث جاءت بأقل من التوقعات بكثير وإلى الحد الذي حمل على الاعتقاد بأن العملية ليست سوى مقدمة لحرب صارت مفتوحة.