الضفة الغربية: خريطة الاقتحامات والاشتباكات

28 ابريل 2022
مقاومون خلال تشييع الشهيد مساد في برقين قرب جنين أمس (جعفر اشتية/فرانس برس)
+ الخط -

شيّع المئات من الفلسطينيين، أمس الأربعاء، الشهيد أحمد مسّاد (20 سنة)، وهو أسير محرر من مدينة جنين، وسط هتافات تطالب بالثأر، بعد إصابته في الرأس خلال اقتحام جيش الاحتلال مخيم جنين، فجر أمس الأربعاء، الذي أدى أيضاً إلى إصابة 3 فلسطينيين بجروح، تراوحت بين إصابة فتى (16 عاماً)، برصاصة في القدم، وإصابة شاب (19 عاماً)، برصاصة في الحوض، وإصابة شاب (19 عاماً)، بالقدم واليد.

ومسّاد لن يكون الشهيد الأخير في مسلسل الهجوم على الضفة الغربية، التي تشهد اقتحامات يومية لمخيماتها وبلداتها وقراها. وكان أهالي مخيم عقبة، جنوب أريحا، قد شيعوا، أول من أمس الثلاثاء، الشهيد أحمد عويدات، الذي قضى هو الآخر بإصابة قاتلة في رأسه خلال اقتحام الاحتلال المخيم بهدف تنفيذ حملة اعتقالات فيه.

وتأتي عمليات اقتحام قوات الاحتلال للضفة الغربية تحت ذرائع مختلفة، من الصلاة في مكان يسعى الاحتلال للسيطرة عليه، مثل قبر يوسف، شرق مدينة نابلس، حيث استشهد المحامي محمد عساف في 13 من الشهر الحالي، أو لشن حملة اعتقال، كما جرى في عقبة، أو بهدف اغتيال واعتقال مطلوبين، كما هو الحال في مخيم جنين، الذي نال النصيب الأكبر من هذه الهجمات بسبب وجود مجموعات من المقاومين المسلحين من أبناء المخيم فيه.

188 اقتحاماً في إبريل

وبحسب إحصائيات رصدها "العربي الجديد"، فإن الاقتحامات التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في كافة محافظات الضفة الغربية، بما فيها مخيماتها وأحيائها وبلداتها وقراها، بلغت خلال إبريل/ نيسان الحالي 188 اقتحاماً، بينها 35 في جنين، شمال الضفة الغربية، وحدها. 


سقط منذ بداية إبريل 22 شهيداً، نصفهم من محافظة جنين

وبالإضافة إلى جنين، تشمل الاقتحامات بشكل أساسي أيضاً رام الله والبيرة وبلداتها، وطولكرم والخليل وأريحا وقلقيلية وسلفيت وبيت لحم.

واقتحامات الاحتلال شبه اليومية في الضفة الغربية لا تعتبر أمراً جديداً، لكنها غالباً ما تحمل أخباراً عاجلة عندما تترافق مع استشهاد فلسطينيين. وقد سقط منذ بداية الشهر الحالي 22 شهيداً، نصفهم من محافظة جنين، وغالبيتهم في اقتحام قوات الاحتلال لأماكن سكنهم. يشار إلى أنه استشهد 51 فلسطينياً منذ بداية العام الحالي.

وعادة ما تقوم قوات كبيرة من الاحتلال بشن الهجوم فجراً، على غرار ما قامت به فجر أمس الأربعاء، عندما اقتحمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال مخيم جنين، من عدة محاور، مستخدمة عشرات المركبات العسكرية، وسيطر القناصة على عدد من أسطح المنازل المشرفة على المخيم خلال اقتحامه، قبل إطلاق النار بكثافة في شوارعه.

الاقتحام في أي وقت

إلا أن قوات الاحتلال غيرت، أخيراً، من هذا التكتيك، حيث أصبحت عملية الاقتحام تتم في أي وقت من اليوم، في محاولة منها لاستعراض قوتها، وإظهار فرض سيطرتها الكاملة على الضفة الغربية.

واختلفت معادلة قيام الشبان الفلسطينيين برشق القوات المقتحمة بالحجارة بشكل جذري منذ العام الماضي، وتحديداً بعد الهبة الشعبية التي ترافقت مع معركة "سيف القدس" في مايو/ أيار الماضي، وبات إطلاق النار على قوات الاحتلال والاشتباك معها، خصوصاً في محافظة جنين، أمراً يومياً.

وقال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أسامة الحروب، لـ"العربي الجديد"، إن الاشتباك المسلح ليس ظاهرة جديدة، وتحديداً في مخيم جنين، وأوضح أن هذا الأمر كان قد خفت بعد العام 2006، ليعود بقوة إلى الساحة في العام 2021، في ظل معركة "سيف القدس" وقبلها بفترة قليلة.

إطلاق نار من مسافة صفر

وأوضح الحروب، وهو من مخيم جنين، أنه "منذ العام الماضي بدأنا نشهد حالات إطلاق نار ومواجهة مسلحة مع الاحتلال من نقطة صفر، ومن سيارات مسرعة. وكان أبرز المقاومين هو الشهيد جميل العموري"، وأشار إلى أن عدد الشهداء في محافظة جنين، منذ معركة "سيف القدس" حتى أمس الأربعاء، بلغ 36، غالبيتهم من "كتيبة جنين" المسلحة.

وتم اغتيال العموري في يونيو/ حزيران 2021، حيث نشط خلال معركة "سيف القدس" بإطلاق النار على حواجز الاحتلال المحيطة بمدينة جنين. والتف حول العموري عدد من الشبان، الذين باتوا يعرفون حالياً بـ"كتيبة جنين"، أو المجموعات المسلحة حسب الاحتلال. 

وتم اغتيال العديد منهم في الأشهر الماضية، مثل عبد الله الحصري، وسيف أبو لبدة، وغيرهما. وتجمع هؤلاء الشبان معرفة شخصية، إما في المخيم أو مدينة جنين، أو عبر اللقاء في معتقلات الاحتلال، لذا لم يكن مستغرباً أن يهتف المئات في تشييع مسّاد أمس: "يا جميل العموري... جبنالك وردة جوري"، حيث يُنظر للعموري على أساس أنه "مجدد الاشتباك" مع الاحتلال. 

وأوضح الحروب أنه "بعد استشهاد العموري في يونيو الماضي، بدأت عمليات الاشتباك مع الاحتلال في جنين تصبح شبه يومية". 

ويلجأ الاحتلال لاستعراض قوته المفرطة في عمليات الاقتحام، مخلفاً في كل مرة شهداء وجرحى، بإصابات إما خطرة أو تترك إعاقات دائمة لدى الجرحى. وقال الحروب إن "العنف الكبير الذي يستخدمه جيش الاحتلال خلال اقتحاماته هدفه إنهاء الحالة الثائرة الحالية. ورسالته واضحة بأن كل من ينضم للمقاومة سيكون مصيره إما الاعتقال أو الاستشهاد".

القتل خلال انسحاب جيش الاحتلال

وأضاف: "من الملاحظ أن غالبية الشهداء يتم قتلهم في مرحلة انسحاب جيش الاحتلال، وسبب ذلك هو فشله في تحقيق أهدافه، من اعتقال أو اغتيال، حيث يفاجأ بأن اقتحامه للمكان لم يكن سهلاً، إذ إن المقاومين يكونون في انتظار جنوده للاشتباك معهم. لذلك يلجأ للتغطية على فشله وفتح نيرانه بشكل وحشي على كل نقطة يصلها، من أجل أن يسوّق في الشارع الإسرائيلي أنه قام بقتل فلسطينيين مطلوبين". وأكد أن "الاحتلال لا يواجه مجموعات مسلحة فقط، بل يواجه روحاً شعبية ترفض وجوده".


الحروب: العنف الكبير للاحتلال يهدف لإنهاء الحالة الثائرة

من جهته، رأى عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" جمال حويل، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الاحتلال يستخدم نظرية الصدمة والترويع للفلسطينيين لإرضاء غرور الشارع الإسرائيلي بأن جيشه يعمل على الأرض ويوقع خسائر في صفوف الفلسطينيين. واليوم (أمس)، نشر الإعلام الإسرائيلي تقريراً بأنه قتل منذ بداية العام الحالي 40 فلسطينياً، لتسويق أن الجيش يعمل على إيقاف المقاومين".

وحول الاشتباكات المسلحة، أعلن حويل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن للاحتلال اقتحام مخيم جنين من دون أن يتم إطلاق النار عليه من قبل الفلسطينيين. لكن ما حدث أن وتيرة هذه الاشتباكات المسلحة زادت وأصبحت شبه يومية خلال العامين الماضيين، بسبب زيادة الخبرة وانكسار حاجز الخوف من الاحتلال بعد معركة سيف القدس، التي تعتبر درساً من دروس المقاومة، إلى جانب هرب الأسرى الستة من سجن جلبوع"، في سبتمبر/ أيلول الماضي.

واعتبر حويل أن "فتيل معركة جنين في العام 2002 ما زال موجوداً، والدليل مئات الأسرى الذي يمضون مؤبدات في سجون الاحتلال حتى اليوم، وأن الاحتلال لم ينس خسائره في مخيم جنين، حيث قتل المقاومون 34 جندياً إسرائيلياً".

وأوضح أنه "على الرغم من استشهاد نحو 65 فلسطينياً، ومسح حارات من المخيم بأكملها عن وجه الأرض، إلا أن المخيم ما زال موجوداً، وهناك جيل كامل يحتفظ بذكريات تلك المعركة أو سمعها من أقاربه".