يربط سياسيون عراقيون ومراقبون في بغداد، بين استقالة أمين العاصمة بغداد، منهل الحبوبي، الأربعاء الماضي، بالتزامن مع الإعلان عن إحالة وكيل جهاز المخابرات خالد العبيدي إلى التقاعد، رغم مرور أقل من شهرين على تسنمه المنصب، بوجود ضغوطات كبيرة على مسؤولين وموظفين بارزين في حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ومحسوبين على معسكره بالوقت ذاته، تمارسها قوى سياسية وجهات مسلحة متورطة بعمليات فساد ومخالفات إدارية وانتهاكات واسعة.
وبرر أمين بغداد منهل الحبوبي، استقالته بعد شهر ونصف فقط، من شغله للمنصب، بأسباب صحية، بينما تمت إحالة وكيل رئيس جهاز المخابرات لشؤون العمليات الخاصة خالد العبيدي إلى التقاعد بالوقت نفسه من الأسبوع الماضي، الأمر الذي عدّه مراقبون وسياسيون بأنه مرتبط بسلسلة من الضغوط يتعرض لها مسؤولون في الحكومة من قبل جهات مسلحة وقوى سياسية لأسباب متعلقة بالفساد أو المكاسب أو محاولة ابتزازهم مقابل الحصول على خدمات.
ولا تعتبر هذه الاستقالات الأولى من نوعها إذ سبقتها سلسلة استقالات في فريق الكاظمي بالشهر الأول من منحه الثقة لرئاسة الحكومة في مايو/أيار الماضي، أبرزهم ياسين البكري ناطق باسم رئيس الحكومة، واعتذار الباحث والأكاديمي العراقي حارث حسن عن القبول بمنصب استشاري ضمن مكتب الكاظمي.
وفي هذا الإطار علق وزير عراقي سابق وأحد أعضاء "التيار الصدري" ببغداد على ذلك بأن موظفين ومسؤولين في حكومة الكاظمي يتعرضون لتهديدات وابتزاز وضغوط مستمرة من قبل جهات سياسية وفصائل مسلحة كلما حاول هذا المسؤول معالجة ملف فيه فساد أو إصلاح مخالفة قانونية.
وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الواقع يفرض على الدولة تخصيص فوج عسكري قتالي مع كل مسؤول يتم تكليفه في معالجة منافذ الفساد أو اصلاح واقع مهترئ في أي مؤسسة بالدولة العراقية.
وبين أن "البعض يصمد والآخر يحاول المناورة والبعض يفضل الانسحاب والحفاظ على سمعته وراحة باله"، وفقاً لتعبيره، موضحاً أن "محاولات إفشال حكومة الكاظمي ترتبط في كون نجاحها يعني تأكيد على فشل الحكومات التي شكلتها الأحزاب التقليدية ونجاح جيل جديد من الحكومات فيه مسحة مدنية وليست إسلامية".
من جهته، قال النائب عن تحالف عراقيون، علي البديري، لـ"العربي الجديد"، إن الأسباب التي رافقت انسحاب اثنين من المسؤولين الأسبوع الماضي "غير مقنعة إطلاقاً"، مبيناً أن "التغيير والانسحاب المفاجي يثيران الكثير من علامات الاستفهام، وأن الأسباب التي تحدث بها المسؤولون والتي أدت إلى انسحابهم من مناصبهم، إذا ما دققنا فيها نتيقن أنها غير مقنعة، فإحالة العبيدي على التقاعد، غير معقولة، وكيف يتم تعيينه بمنصب لمدة شهر واحد فقط ليحال بعده على التقاعد؟ علماً أن رئيس الوزراء مطلع على سيرته الذاتية وعمره، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات".
وأضاف "أما الحديث عن ظرف صحي دفع أمين بغداد الى الاستقالة، فغير مقنع أيضاً"، مؤكداً أن "الموضوع قد يكون مرتبطاً بالفساد في دوائرهم".
وأوضح أن "مافيات الفساد قوة مهولة في العراق، ولها تأثير كبير جداً على الدولة العراقية برمتها، وتتدخل حتى باختيار الشخصيات في المناصب التنفيذية"، مضيفاً أن "الفساد أكبر من سلطة وإمكانية الدولة، لأنه متغلغل في كل أجزاء المؤسسات، وحتى اختيار الوزراء يتم باتفاقات وشروط تملى على الوزير أو المسؤول تتعلق بملفات الفساد السابقة وعدم التقرب لها أو محاولة فتحها، اليوم في الهيئات الرقابية والنزاهة الكثير من ملفات الفساد بمن فيهم وزراء ورؤساء حكومات سابقة لم يتم حتى الآن اتخاذ أي إجراءات تجاهها، بل تم وضعها في الرفوف، وهذا كله يعتبر ضغطاً على المسؤولين الحكوميين".
وتابع أن "هذا الوضع، يجعل الإصلاحات الحكومية المرتقب صعبة التحقيق، إذ إن الكثير من الوزراء السابقين ورؤساء الكتل السياسية عليهم الكثير من الملفات، وبالتالي فإن الإجراءات التي تتخذ لمحاربة الفساد، تتخذ فقط ضد صغار الفاسدين، وأن ملفات الكبار لا أحد يستطيع التقرب منها".
النائب السابق عن القوى الكردية، ماجد شنكالي، أكد أن أي مسؤول لا يمكن له العمل بأجواء الضغوطات، ومحاولات تمرير الأجندات الخاصة.
وقال شنكالي، لـ"العربي الجديد"، إن "استقالة أمين بغداد بعد فترة قصيرة من شغله المنصب، بحجة التعذر بالمرض هو محل شك كبير، إذ إنه لم يستطع العمل وسط الضغوطات الحزبية والمصالح لبعض الكتل المتنفذة في بغداد، فلم يقاوم هذه الأجواء"، مشككاً أيضاً "بمسألة إنهاء تكليف العبيدي وإعادته الى البرلمان كنائب، بحجة السن القانونية غير منطقي، إذ إنه من غير المعقول أن لا تعلم رئاسة الوزراء بسنه قبل تكليفه".
وأكد أن "العمل في أجواء الفساد صعب للغاية، فالفساد أصبح منظومة متغلغلة في الدولة ومؤسساتها ولديها رجالاتها، والقوة الموازية لقوة الدولة وهي التي تسمى اليوم قوى اللادولة لها نفوذها الكبير وتأثيرها على الساحة السياسية في البلد".
رئيس لجنة الخدمات البرلمانية، النائب وليد السهلاني، شكك هو الآخر بالانسحابات، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "أمين بغداد شخصية مهنية ومتخصص بالإعمار ولديه رؤية وأفكار مميزة بتطوير واقع الإعمار في العاصمة، وأن تكون بمصاف العواصم المتقدمة، لكنه لم يستطع الاستمرار بعمله، وأن حديثه عن ظرف صحي قاهر دفعه لتقديم استقالته، غير واقعي"، مرجحاً أن "تكون هناك ظروف ضاغطة عليه دفعته لتقديم اسقالته، ومنها الضغوط السياسية وتلكؤ المشاريع وغيرها".
وشدد على أن "مافيات الفساد موجودة في العراق، وعلى الأمين أن يكشف عن الضغوط التي أجبرته على الاستقالة بشكل واضح وعلني"، مؤكداً أن "الأمين لم يستطع مقاومة ظروف أمانة العاصمة، والضغوط التي مورست عليه". ولم يستبعد أيضاً أن "تكون هناك معطيات سياسية وأمور تقف خلف موضوع إحالة العبيدي على التقاعد".